وين جين أويان
Oct 05, 2016
في «رحلة ابن فطومة» 1983 الترجمة الإنكليزية 1992 لنجيب محفوظ قصة مثقف عربي، يدور حول العالم بحثا عن نفسه، ولكن الرحلة في الرواية تأخذ شكل البحث عن المعرفة «رحلة في طلب العلم». وخلالها يكتب البطل عن التجارب التي يمر بها، ويعكس بها فانتازيا يوتوبية يسقطها على سرده للعالم الذي يراه.
وكان محفوظ قد قدم لنا هذه القصة سابقا في «قصر الشوق» وفي «ليالي ألف ليلة». ويمكننا أن نؤكد أنه عاد إلى القصة نفسها عدة مرات في رواياته منذ ثلاثيته عن القاهرة. ولكن ما يميز «ابن فطومة» عن رواياته الأخرى هو الرغبة في الإحالات. فإشاراته الآن أكثر تنوعا. والجزء الخاص بالتقاليد التي يعكسها في «ليالي ألف ليلة» و»قصر الشوق» يحمله إلينا ما فوق النص. فهو على سبيل المثال يشير في ألف ليلة بوضوح إلى الليالي، وفي الشوق يقودنا إلى تقاليد الكتابة حول الرغبة أو الشهوة عند العرب. ولكن ما فوق النص في «ابن فطومة» على العكس من ذلك، إنه يغرر بنا ولا يقدم المساعدة. والعنوان يوفر إشارة ملموسة إلى الأصول المرعية في أدب الرحلات عند العرب بينما «ابن فطومة» يتورط في التناص بما يزيد على كتلة الكتابة.
وبالنظر إلى العنوان، معظم قراء الرواية العربية يرون التقارب الواضح بين «رحلة ابن فطومة» و«رحلة ابن بطوطة»، مذكرات الرحالة المغربي المسلم المشهور من القرن الرابع عشر المعروف بابن بطوطة «1304- 68 أو 77»، الذي يمكننا مقارنة رواية محفوظ معه. يرى إيان نيتون أن محفوظ «يحاكي عمدا في رحلة ابن فطومة العمل المعروف رحلة ابن بطوطة؛ لا لينتج مشابهة ولكن سردا بيكاريسكيا ورموزيا من نمط عمل بنيان* Bunyanesque ، الذي لا يبتعد عن مفهوم رحلة أي انسان خلال منعطفات حياته الفردية».
وقد قاد هذا الرابط الواضح النقاد لاعتبار العمل «سردا مكافئا للرحلة الكلاسيكية»، ودفعهم لتحويل العنوان إلى «رحلات ابن فطومة». والعنوانان كما يشير ملتي دوغلاس «متقاربان مثل اسم العلم للبطل موضوع النص «ابن فطومة/ ابن بطوطة». ويمكن أن تعزو لموضوع الرحلتين الهدف نفسه، كلاهما سرديات عن رحلات إلى «بيت المقدس»، الحج إلى مكة في ابن بطوطة وإلى اليوتوبيا حيث يحكم هناك كلام الله في ابن فطومة. وكلاهما يوثق في السرد الصفات المتميزة للأرض التي يزورها البطلان، فابن بطوطة يرحل عبر بلاد العجائب والغرائب ليصل إلى بيت الله. بينما ابن فطومة يرحل باتجاه بيت الله عبر الأراضي التي لا نهاية فيها للمعجزات. ومع ذلك إن قراءة ابن فطومة بالمقارنة مع ابن بطوطة ليس متطابقا، حتى لو أخذ المرء بعين الاعتبار المتوازيات.
وبهذا الخصوص يرى رشيد العناني: أن الرحلتين لهما نقاط ضعف وقوة حين تحاولان صهر كل التجربة الاجتماعية للإنسانية في فضاء مضغوط. والتبسيط الشديد لا يمكن تجنبه وهو نتيجة طموح من هذا النوع. ويمكننا القول، إن الرواية لا تزال مشوقة، لو نظرنا إلى التجربة الجديدة للشكل الذي تلعب به، فهو مشابهة ناجحة لرحلة ابن بطوطة، مشابهة يتضمنها عنصران، كما آمل، الأول، أن الرواية رحلة في فترة تاريخية وليس مساحة جغرافية، والثاني، أن دار الإسلام التي ترقى بها رحلة ابن بطوطة إلى مرتبة مثال، هي على تناقض مع الدليل التاريخي، ويمكن انتقادها بلا تردد في رحلة ابن فطومة، حيث تغلب عليها دعوة إلى إصلاح راديكالي لا بد منه.
وهناك فروق إضافية، بعكس ابن بطوطة الذي يغادر موطنه لهدف محدد ومعروف، إن نتيجة ابن فطومة في تجواله لا تقتصر على الخسارة، خسارته لحبيبته حليمة ووقوعها في أحضان شخصية قوية وخسارته لأمه، فاطمة الأزهري، واستيلاء معلمه/ سيده عليها، ولكن أيضا ضياع إيمانه بالنظام الحاكم لكل وجوده، وهو نظام موجود افتراضا في تعاليم الإسلام، لأن هذا النظام هو السبب في الخسارات الموجعة التي يتلقاها.
وهناك أيضا مسألة «الحصاد» الذي نجنيه من الرحلة، لم يؤد ابن بطوطة مناسك الحج فقط ولكنه تجول حول العالم وعاد إلى الوطن ومعه المعرفة التي كسبها خلال رحلته، وقد انتفع بها مجتمعه. لكن ابن فطومة لم يحضر معه إلى الوطن هذا «الحصاد»: ومع ذلك أرسل إلى بلاده ملاحظات – بشكل رقعة مخطوطة، تتضمن وقائع الرحلة – من دون البت بشيء. وبقي السؤال بلا إجابة:هل إن الهدف النهائي من رحلته قد تحقق أم بقي مفتوحا على التفسير؟ وأضف لذلك، أن ابن فطومة يبدو غير قادر على الوصول إلى دار الجبل وليس قادرا على العودة إلى الوطن. وبالعكس من رحلة ابن بطوطة، حيث توجد بداية واضحة ونهاية حاسمة مع قدر من الإنجازات، لم يجد ابن فطومة اليوتوبيا ولم يحمل معه إلى بلاده أسرار نجاحاته.
إن الرحلة المفصلة في ابن فطومة هي رحلة نخبوية وثقافية. وتنقلنا عبر أربع «إيديولوجيات» أساسية معروفة في أرجاء العالم وفي كل عهود التاريخ: من الوثنية القبائلية لدار المشرق، وحتى الملكية الثيوقراطية لدار الحيرة، والديمقراطية الرأسمالية في دار الحلبة، والشيوعية الإلحادية في دار الأمان. واكتشاف كل هذه المشاكل بطريقة أو سواها، دعا ابن فطومة إلى أن يغادر نحو دار الجبل، وهي يوتوبيا غامضة وخداعة، ولكن في النهاية يختفي ويفشل في مهمته وهي إحضار العلاج إلى الوطن لشفاء بلده العليل «أن أرجع إلى وطني المريض بالدواء الشافي».
والعلاج الذي يبحث عنه ابن فطومة هنا هو معرفة الحقيقة في كلمات الرب. وعليه يمكن قراءة ابن فطومة وكأنها رحلة للبحث عن المعرفة، «رحلة في طلب العلم»، التي يعبر عنها ابن فطومة بلسانه فيسميها: طلب الحكمة. والحكمة هي التي تأتي من المعرفة الحقيقية. لذلك هناك مستويان في الرحلة: الرحلة العادية الظاهرة التي يمكن لأي مسلم مؤمن أن يقوم بها للبحث عن المعرفة؛ والرحلة المخصوصة التي تضرب وترا عند من لديه اطلاع على سيرة الغزالي، وهي المنقذ من الضلال «بمعنى التطهير من الانحرافات». وهي رحلة تحرض عليها الحاجة الماسة للعثور على الحقيقة، وهذا في هذه الحالة، هو الإيمان بالإسلام، بعد فترة ملحوظة من الشك والاضطراب.
وعليه أرى أنه توجد عدة تشابهات بين ابن فطومة والمنقذ. فكتاب «ابن فطومة» يتألف من فصل تمهيدي يوضح الظروف التي بررت الرحلة، وتتبعه أربعة فصول أساسية في كل منها نصادف واحدة من «الأيديولوجيات» الأربعة المشهورة، ونتعرف عليها، ونفحصها ثم نرفضها، وفي النهاية فصل أخير يجهز فيه ابن فطومة نفسه في دار الغروب لينطلق في رحلته إلى اليوتوبيا. وهي بنية المنقذ نفسها.
٭ كاتبة بريطانية
الترجمة: صالح الرزوق
القدس العربي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق