عندما أصدرت (زوي ساك) روايتها الاولى ( girl online ) عام 2014 عن دار بنغوين الشهيرة ، والتي بيعت منها ملايين النسخ، طرحت (النيويوركر) سؤالا خطيرا عن معنى الحياة الواقعية للاجيال الجديدة ، لان زوي كتبت روايتها من وحي حضورها ونجوميتهما على الانستغرام ، واتذكر انني قرأت في الصحيفة كلاما بما معناه : هل الشخص غير الموجود في السوشيال ميديا موجود اصلا في الواقع ؟ هذا السؤال يبدو سؤالا ساخرا او تهكميا لأول وهلة ، ولكنه بالنسبة الأجيال الجديدة فهو سؤال معقول في اضعف الايمان .
الأدب الحديث بتقديري سيخضع ( أو بالأحرى خضع ) بشكل انفجاري لضغوطات عالم السوشيال ميديا لانه اضحى منذ سنوات عالما محايثا للواقع ان لم يكن قد اصبح بديلا عنه .
اتذكر كل هذا ، وانا اقرأ قبل للمبدع احمد سعداوي منشورا ينطلق فيه من وضع مسافة جوهرية بين عالم الأشياء وعالم (افتراضيتها) وهو يستعين بمقولة باختين في المبدأ الحواري والرحلة الاضطرارية في داخل الذات التي يحتاجها الكاتب المتأمل .. انا مثله ، من جيل يرتعب خوفا من غياب الواقع لصالح الحضور في البروفايل الشخصي ، ولكن ماذا سنفعل مع جمهورية المليار مستخدم في الفيسبوك، بالاضافة الى جمهورية الانستغرام الشاسعة ؟ هل بوسعنا حقاً ان نضع بيننا وبينها مسافة تأمل مناسبة ونقيم حوارا مع الذات ؟
عوالم التواصل الاجتماعي لم تعد للتواصل الاجتماعي فحسب ، لقد أضحت في السنوات الاخيرة عوالم كل شيء ، هي الحياة بنسختها الجديدة التي لا غنى عنها ولا سبيل للتخلي عنها ، وها انا وانت نتراجع الى الخلف قليلا ونتأملها لكي نتحاور من خلالها .
لكي نكون ( واقعين ) علينا ان تقبل ( واقع ) العالم الافتراضي ونتكيف معه والا ستتلاشى بصمت .
(زوي ساك) ليست الا مقدمة شراع السفينة القادمة التي غادرت متحف الجزر القديمة ، وهي باتجاه عالم يتشكل أمامنا على التايم لاين .
لزوي ساك قراء يشبهونها ، قادمون مثلها من السوشيال ميديا انهم يؤسسون أدبهم الخاص بعيدا عن باختين وتودروف، الذي أعاد له الاعتبار من جديد .. شخوص العالم الافتراضي ليسوا افتراضيين، انهم يصنعون كل شيء من حولنا .. ان شاشة الموبايل لم تعد حاجة ، انها الحياة كلها ..