يكتب احمد سعداوي نصوصه كمن يصنع ساعة يدوية دقيقة، يركب عتلاتها المتناهية الصغر باناة وصبر وفرح داخلي، فتأتي بلا زوائد، وهذا هو عمل السا...
يكتب احمد سعداوي نصوصه كمن يصنع ساعة يدوية دقيقة، يركب عتلاتها المتناهية الصغر باناة وصبر وفرح داخلي، فتأتي بلا زوائد، وهذا هو عمل الساعاتي الذي يصفه سبينوزا بحارس اجزاء الثواني، لكن سعداوي لا يجعلها دقيقة لناحية الوقت فحسب، انه يقدمها جميلة ومدهشة، فهو من بين القلائل الذين يجعلون المعرفة صديقة مثل اغنية، وهو من بين النادرين الذين يصنعون خلية نحل بهندستها السداسية التي تسخر من بيت العنكبوت. خلية النحل تسيل عسلا، وبيت العنكبوت مصيدة للحشرات.
انتظر "باب الطباشير" لاتعلم، لاستمتع، لأرى، لأسمع، لأعيش وأشاطر ابطاله حياتهم. فهذه ليست رواية يؤلفها كاتب، هذه حدث ثقافي ينعش جسدا ثقافيا متعبا، سعداوي منشط ثقافي ومحرض قراءة رفيع المستوى، جلب للرواية قراء شبابا لم يكن لهم عهد بها، فصاروا من مدمنيها، يكتب بلا فذلكة وبلا تكلف وبلا استرخاء ايضا، فهو يكتب بلطافة الغاضب الحانق، ولكنه لا يتخلى عن اناقة الجملة ، وحسن مظهر العبارة وقوة المعنى. فعندما انتظر "باب الطباشير" فذلك لانني احتاج للقاء مثل هذا الكتاب الذي هو من دم ولحم وأعصاب وابتسامة...
لذة انتظار رواية سعداوي، هي لذة روائية اخرى، ترميك في عالم التوقعات والتكهنات، كمن يجلس بانتظار من يحبها على مصطبة في غابة، يرتعش من صوت اقدام الوحوش على الأغصان اليابسة، ويتخيل في نفس الوقت شكل حبيبته القادمة من عمق ظلام الأشجار.. هل عشتم لحظة مثل هذه؟ هذه اللحظة لا يصنعها سوى الكبار..
عن الفايسبوك
Ahmed Saadawi
ليست هناك تعليقات