Page Nav

HIDE

Grid

GRID_STYLE

اخبار عاجلة

latest

رسالة من سركون بولص الى وديع سعادة

في الذكرى التاسعة لرحيل سركون بولص، أنشر إحدى الرسائل التي أرسلها إليّ من سان فرانسيسكو سنة 1971: أخي‮ ‬وديع لم‮ ‬أنتظر‮ ‬الليل‮ ‬بل‮ ‬ت...

في الذكرى التاسعة لرحيل سركون بولص، أنشر إحدى الرسائل التي أرسلها إليّ من سان فرانسيسكو سنة 1971:

أخي‮ ‬وديع
لم‮ ‬أنتظر‮ ‬الليل‮ ‬بل‮ ‬تقدمت‮ ‬نحوه‮ ‬وأنا‮ ‬أعرف‮ ‬عدوي‮ ‬وبلا‮ ‬درع‮ ‬أو‮ ‬شهادة‮ ‬أو‮ ‬تردد‮. ‬ولكنني‮ ‬حين‮ ‬دخلتُ‮ ‬كثافته‮ ‬العدوّة‮ ‬كانت‮ ‬يداي‮ ‬ترتجفان‮ ‬وكان‮ ‬عناقي‮ ‬حلماً‮ ‬كهربائياً‮ ‬يعبر‮ ‬على‮ ‬المحيط‮. ‬من‮ ‬حين‮ ‬الى‮ ‬حين،‮ ‬وجهي‮ ‬المعلق‮ ‬في‮ ‬مرآة‮ ‬محاكمة‮. ‬وأنا‮ ‬دائماً‮ ‬قاضي‮ ‬هذا‮ ‬العالم‮. ‬أريد‮ ‬أن‮ ‬أتكلّم‮ ‬مع‮ ‬أصدقائي،‮ ‬لا‮ ‬بل‮ ‬اليهم‮ ‬ولكنني‮ ‬أجدهم‮ ‬في‮ ‬صحراء‮ ‬أخرى‮. ‬أحاول‮ ‬أن‮ ‬أركّز‮ ‬نظري‮ ‬لأرى‮ ‬الملامح‮ ‬ولكنها‮ ‬لا‮ ‬تستطيع‮ ‬أن‮ ‬تقتل‮ ‬قوانين‮ ‬البعد‮. ‬القانون‮ ‬الوحيد‮ ‬الذي‮ ‬قتلته‮ ‬هو‮ ‬قانون‮ ‬الزمان،‮ ‬ولكن‮ ‬الفضاء‮ ‬ما‮ ‬زال‮ ‬عدواً‮. ‬إنني‮ ‬الآن‮ ‬في‮ ‬المركز‮ ‬والأيام‮ ‬تدور‮ ‬من‮ ‬حولي‮ ‬ككواكب‮ ‬نارية‮ ‬من‮ ‬الاحتمالات‮ ‬والعبر‮ ‬والمغامرة‮. ‬وبعد‮ ‬ذلك‮ ‬هذه‮ ‬هي‮ ‬القاعدة‮: ‬الأيام‮ ‬ليست‮ ‬سوى‮ ‬أيام‮.‬

مجرد‮ ‬أن‮ ‬أستلم‮ ‬رسالتك‮ ‬يا‮ ‬وديع،‮ ‬مغامرة،‮ ‬حفلة،‮ ‬عاصفة‮ ‬غجرية‮. ‬لو‮ ‬عرفت‮ ‬ماذا‮ ‬تعني‮ ‬رسالة‮ ‬ما‮ ‬بالنسبة‮ ‬لي‮ ‬في‮ ‬هذه‮ ‬القارة‮ ‬المطفأة،‮ ‬ومن‮ ‬صديق‮ ‬من‮ ‬وطني‮! ‬ولكنك‮ هناك‮ ‬أيضاً‮ ‬كالمنفيّ،‮ ‬كما‮ ‬يبدو‮ ‬لي‮. ‬لا‮ ‬تكن‮. ‬أقول‮ ‬لك‮ ‬بكل‮ ‬صوتي‮: ‬لا‮ ‬تكن‮. ‬أخرج‮. ‬من‮ ‬هذه‮ ‬الطبقة‮ ‬الكثيفة‮ ‬من‮ ‬الجلد‮ ‬التي‮ ‬بنيت‮ ‬حولك‮ ‬دون‮ ‬أن‮ ‬تعرف‮: ‬أخرج‮. ‬لا‮ ‬تكن‮ ‬مثقفاً‮ ‬يجمع‮ ‬أقنعة‮ ‬ويقرأ‮ ‬المشهورين،‮ ‬ويفكر‮ ‬بنماذج‮ ‬كأنسي‮ ‬الحاج‮ ‬أو‮ ‬لست‮ ‬أعرف‮ ‬من،‮ ‬أو‮ ‬كامو‮ ‬أو‮ ‬بودلير‮ ‬أو‮ ‬الله‮ ‬أو‮ ‬بوذا‮ ‬أو‮ ‬الشيطان‮: ‬ولا‮ ‬تكن‮ ‬حتى‮ ‬أنت‮! ‬وابصق‮ ‬على‮ ‬المثقف‮ ‬الغبي‮ ‬الذي ‬يحاضرك‮ ‬عن‮ "‬معرفة‮ ‬النفس‮" ‬والبحث‮ ‬عن‮ ‬الله‮ ‬وباقي‮ ‬الخرق‮ ‬الثقافية‮ ‬الاخرى‮. ‬هل‮ ‬فكرت ‬لحظة‮ ‬بأن‮ ‬من‮ ‬المضحك‮ ‬أن‮ "‬نكون‮" ‬شيئاً؟‮ ‬إننا‮ ‬لا‮ ‬نكون‮ ‬شيئاً‮ ‬أو‮ ‬أحداً‮. ‬لأننا‮ ‬هذا‮ ‬الشيء‮ ‬وهذا‮ ‬الأحد‮. ‬ولأننا‮ ‬كل‮ ‬شيء‮ ‬وكل‮ ‬أحد،‮ ‬من‮ ‬قبل‮. ‬أعتقد‮ ‬انك‮ ‬ستفهمني‮ ‬يا‮ ‬وديع‮ ‬لأنني‮ ‬أعرف‮ ‬ان‮ ‬لك‮ ‬عقلية‮ ‬نظيفة‮ ‬وان‮ ‬دماغك‮ ‬لم "يُغسل" ‬بعد‮ ‬بالرايات‮ ‬الثقافية‮ ‬الشائعة‮ ‬هناك‮ ‬الآن‮. ‬إن‮ ‬ما‮ ‬يجعلني‮ ‬أقول‮ ‬كل‮ ‬هذا‮ ‬هو‮ ‬غضبي‮ ‬الذي‮ ‬لا‮ ‬أستطيع‮ ‬أن‮ ‬أقاومه‮ ‬حتى‮ ‬هنا‮ ‬حين‮ ‬أفكر‮ ‬بجميع‮ ‬الأفكار‮ ‬الخاطئة‮ ‬التي‮ ‬تتسرب‮ ‬في‮ ‬وطننا‮ ‬وبين‮ ‬مثقفينا‮ ‬عن‮ ‬الفكر ‬الاوربي‮ ‬وعن‮ ‬الثقافة‮ ‬الاوربية،‮ ‬وذلك‮ ‬عن‮ ‬طريق‮ ‬مجموعة‮ ‬معدودة‮ ‬من‮ ‬الكتّاب‮ ‬المسيطرين‮ ‬على‮ ‬المجلات‮ ‬والذين‮ ‬ليس‮ ‬لهم‮ ‬حق‮ ‬في‮ ‬ذلك‮. ‬أما‮ ‬اذا‮ ‬كنت‮ ‬مخطئاً،‮ ‬فقل‮ ‬ذلك‮ ‬في‮ ‬وجهي ومباشرة‮. ‬ولكن‮ ‬من‮ ‬المضحك‮ ‬أن‮ ‬أبذّر‮ ‬هذه‮ ‬الصفحة‮ ‬كلها‮ ‬في‮ ‬الكلام‮ ‬على‮ "الثقافة‮"‬،‮ ‬الحلم‮ ‬الذي‮ ‬يتغذى‮ ‬عليه‮ ‬تلاميذ‮ ‬الجامعة‮ ‬ذوو‮ ‬النظارات‮ ‬الطبية‮ ‬والشعراء‮ ‬الذين‮ ‬يعالجون‮ "‬مسائل‮ ‬العصر‮" ‬بجبين‮ ‬مقطب‮. ‬الشيء‮ ‬الوحيد‮ ‬الذي‮ ‬يستحق‮ ‬المعالجة‮ ‬هو‮ ‬أن‮ ‬تفتح‮ ‬فمك ‬فجأة‮ ‬وأنت‮ ‬في‮ ‬الشارع‮ ‬ومن‮ ‬حولك‮ ‬طنين‮ ‬الخلية‮ ‬الانسانية‮ ‬وتقذف‮ ‬من‮ ‬أحشائك‮ ‬ذلك‮ ‬البركان‮ ‬الذي‮ ‬هو‮ أنت‮. ‬وبعد‮ ‬ذلك‮ ‬تستطيع‮ ‬ان‮ ‬تقف‮ ‬لمدة‮ ‬نصف‮ ‬ساعة‮ ‬مراقباً‮ ‬بدهشة‮ ‬أناك‮ ‬المحترقة‮ ‬وهي‮ ‬تتسلق‮ ‬أكتاف‮ ‬البشر‮ ‬وتدخل‮ ‬أنوفهم‮ ‬الضائعة‮. ‬ربما‮ ‬كنت‮ ‬قد‮ ‬خطوت‮ ‬كثيراً‮ ‬في‮ ‬الليل،‮ ‬ولكن‮ ‬ذلك‮ ‬هو‮ ‬بالضبط‮ ‬وبدون‮ ‬لف‮ ‬أو‮ ‬دوران،‮ ‬واجب ‬الكاتب‮: ‬فإنك‮ ‬لم‮ ‬تولد‮ ‬ولن‮ ‬تولد‮ ‬في‮ ‬نهار‮ ‬العالم‮ ‬بمجرد‮ ‬أن‮ ‬تنتظر‮ ‬واقفاً‮. ‬بل‮ ‬إن‮ ‬الليل‮ ‬هو‮ ‬الذي‮ ‬يخفي‮ ‬نهارنا‮ ‬الحقيقي‮. ‬وعلينا‮ ‬أن‮ ‬نخترق‮ ‬هذا‮ ‬الدرع‮ ‬المميت؛‮ ‬ثقب‮ ‬أو‮ ‬ثقبان‮ ‬ينبثق‮ ‬منهما‮ ‬الضوء‮ ‬ونعرف‮ ‬بيقين‮ ‬أن‮ ‬النهار‮ ‬هناك،‮ ‬إنه‮ ‬هناك‮! ‬هذا‮ ‬ما‮ ‬حدث‮ ‬لي،‮ ‬ويمكنني‮ ‬القول‮ ‬انني‮ ‬قد‮ ‬رأيت‮ ‬عدة‮ ‬ثقوب‮ ‬في‮ ‬ذلك‮ ‬الدرع‮ ‬وعلى‮ ‬النور‮ ‬المتسرب‮ ‬منها‮ ‬أحيا‮ ‬الآن‮.‬

ساعد‮ ‬الشعر‮ ‬على‮ ‬إنقاذي‮ ‬كثيراً‮. ‬منذ‮ ‬ان‮ ‬وطأت‮ ‬هذه‮ ‬الأرض‮ ‬الأجنبية‮ ‬والشعر‮ ‬يلتهب‮ ‬في ‬باطني‮ ‬ليوازن‮ ‬بين‮ ‬البرد‮ ‬المسموم‮ ‬في‮ ‬الخارج‮ ‬واليقظة‮ ‬العنيفة‮ ‬في‮ ‬الداخل‮. ‬أحياناً ‬يدخل‮ ‬البرد‮ ‬رغم‮ ‬كل‮ ‬شيء،‮ ‬كما‮ ‬يحدث‮ ‬في‮ ‬قرية‮ ‬ما‮ ‬في‮ ‬شبطين‮ ‬مثلاً‮ ‬حين‮ ‬يحاول‮ ‬فلاح‮ ‬ذو عائلة‮ ‬من‮ ‬الأطفال‮ ‬أن‮ ‬يغلق‮ ‬النوافذ‮ ‬جيداً‮ ‬في‮ ‬وجه‮ ‬عاصفة‮ ‬من‮ ‬الثلج،‮ ‬وقبل‮ ‬أن‮ ‬ينجح‮ ‬يدخل‮ ‬بعض‮ ‬البرَد‮ ‬ولكنه‮ ‬ينجح‮ ‬دائماً‮. ‬على‮ ‬انني‮ ‬حافظت‮ ‬على‮ ‬تلك‮ ‬العائلة‮ ‬من‮ ‬الأطفال‮ ‬التي‮ ‬تعيش‮ ‬فيّ‮. ‬وسأفعل‮ ‬دائماً‮. ‬وطيلة‮ ‬هذه‮ ‬المدة‮ ‬أيضاً‮ ‬لم‮ ‬أتوقف‮ ‬عن‮ ‬الكتابة‮. ‬أحياناً‮ ‬فعلت،‮ ‬ولكنني‮ ‬لم‮ ‬أتوقف‮ ‬عن‮ "‬الكتابة‮" ‬في‮ ‬داخلي‮ ‬لحظة‮ ‬واحدة‮. ‬وكل‮ ‬ما‮ ‬هناك،‮ ‬انني‮ ‬فعلت‮ ‬ما‮ ‬يجب‮ ‬أن‮ ‬يفعله‮ ‬كل‮ ‬كاتب‮ ‬حقيقي‮: ‬القدرة‮ ‬على‮ ‬الصمت‮. ‬قريباً‮ ‬جداً‮ ‬سأبعث ‬الى‮ ‬لبنان‮ ‬بكتاب‮ ‬ليُنشر‮. ‬لديّ‮ ‬الآن‮ ‬عدة‮ ‬كتب‮ ‬حاضرة‮ ‬للنشر‮. ‬وأعمل‮ ‬على‮ ‬رواية‮ ‬إسمها‮ "صحراء‮ ‬العالم‮" ‬وهي‮ ‬كل‮ ‬ما‮ ‬أعيش‮ ‬من‮ ‬أجله‮ ‬الآن‮ ‬لانها‮ ‬ستكون‮ ‬معادلاً‮ ‬كاملاً‮ ‬لحياتي‮ ‬الداخلية‮. ‬ولا‮ ‬يمكنني‮ ‬أن‮ ‬أقول‮ ‬لك‮ ‬أي‮ ‬شيء‮ ‬عنها‮. ‬كما‮ ‬انني‮ ‬أعددت‮ ‬كتاباً‮ ‬آخر‮ ‬باسلوب‮ ‬ليس‮ ‬شعراً‮ ‬أو‮ ‬قصة‮ ‬أو‮ ‬أي‮ ‬شيء،‮ ‬بل‮ ‬هو‮ ‬كل‮ ‬هذه‮ ‬العناصر‮ ‬التي‮ ‬تقف‮ ‬في‮ ‬مواجهتنا‮ ‬من‮ ‬الداخل‮ ‬والخارج،‮ ‬أو‮ ‬الوجود‮ ‬في‮ ‬أشعة‮ ‬نظرة‮ ‬واحدة‮. ‬والكتاب‮ ‬الذي‮ ‬أعده‮ ‬منذ‮ ‬مدة‮ ‬طويلة‮ ‬وأقرأ‮ ‬من‮ ‬أجله‮ ‬كل‮ ‬يوم‮ ‬منذ‮ ‬سنتين،‮ ‬هو‮ ‬دراسة‮ ‬في‮ ‬الرواية‮ ‬الحديثة،‮ ‬وأعني‮ ‬الحديثة‮! ‬سأعطيك‮ ‬فكرة‮: ‬عناوين‮ ‬بعض‮ ‬الفصول‮:‬
هيرمان‮ ‬هيسه‮: ‬العين‮ ‬الثالثة‮.‬
سيزار‮ ‬بافيس‮: ‬الجدار‮ ‬الخامس‮ ‬للسجن‮.‬
لو‮ ‬كليزيو‮: ‬هالة‮ ‬حول‮ ‬العالم‮/ ‬الرواية‮ ‬الكوسمولوجية‮.‬
كورتازار‮: ‬تركيب‮ ‬المتاهة‮.‬
بيكيت‮: ‬جلود‮ ‬العزلة‮ ‬السبعة‮.‬

وقد‮ ‬قرأت‮ ‬كل‮ ‬ما‮ ‬يمكن‮ ‬من‮ ‬مواضيع‮ ‬الدراسة،‮ ‬بالاضافة‮ ‬الى‮ ‬التآليف‮ ‬الاصلية‮. ‬واخيراً،‮ ‬مجموعة‮ ‬جديدة‮ ‬من‮ ‬القصص‮. ‬والآن‮ ‬لنتحدث‮ ‬عن‮ ‬شيء‮ ‬آخر‮.‬

جان‮ ‬دمو‮ ‬هناك،‮ ‬وهو‮ ‬في‮ ‬دير‮! ‬لا‮ ‬استغرب‮ ‬ذلك‮ ‬من‮ ‬جان‮. ‬ولكن‮ ‬يا‮ ‬عزيزي‮ ‬حاول‮ ‬بشدّة‮ ‬أن‮ ‬تتصل‮ ‬به‮ ‬وقل‮ ‬له‮ ‬أن‮ ‬يكتب‮ ‬لي‮ ‬واعطه‮ ‬عنواني‮. ‬أحياناً‮ ‬هنا،‮ ‬أكلّم‮ ‬جان‮ ‬وكأنه‮ ‬معي‮ ‬حين‮ ‬أرى‮ ‬شيئاً‮ ‬او‮ ‬شخصاً‮ ‬معيناً‮ ‬أعرف‮ ‬اننا‮ ‬كنا‮ ‬سنعلّق‮ ‬عليه‮ ‬ونسبره‮ ‬حتى‮ ‬المركز‮. ‬في‮ ‬كثير‮ ‬من‮ ‬الاحيان‮ ‬وحين‮ ‬أكون‮ ‬يائساً،‮ ‬مجرد‮ ‬محاورة‮ ‬من‮ ‬هذا‮ ‬النوع‮ ‬تعيدني‮ ‬الى‮ ‬حالتي‮ ‬السعيدة‮ ‬واضحك‮ ‬عالياً‮ ‬في‮ ‬الشوارع‮ ‬دون‮ ‬ان‮ ‬أستطيع‮ ‬السيطرة‮ ‬على‮ ‬نفسي‮. ‬إن‮ ‬ما‮ ‬بيني‮ ‬وبين ‬جان‮ ‬نادر‮ ‬وخالد،‮ ‬ويقف‮ ‬ما‮ ‬وراء‮ ‬جلد‮ ‬العلاقات‮ ‬وجدار‮ ‬البشرية‮. ‬أعرف‮ ‬بعمق‮ ‬اننا‮ ‬سنلتقي‮. ‬لذلك،‮ ‬دعه‮ ‬يكتب‮ ‬لي‮ ‬وبعد‮ ‬ذلك‮ ‬ربما‮ ‬أمكن‮ ‬أن‮ ‬ندبر‮ ‬طريقة‮ ‬لسفره‮ ‬الى‮ ‬هنا،‮ ‬وسأفعل‮ ‬كل‮ ‬ما‮ ‬أستطيع‮.‬
والأب‮ ‬يوسف‮ ‬سافر‮. ‬اعطني‮ ‬عنوانه‮ ‬في‮ ‬رسالتك‮. ‬وسأكتب‮ ‬اليه‮. ‬ولكنني‮ ‬لم‮ ‬أفهم،‮ ‬هل‮ ‬سافر‮ ‬وحده‮ ‬أم‮ ‬انه‮ ‬أخذ‮ ‬عائلته‮ ‬معه؟‮ ‬قريباً‮ ‬جداً‮ ‬سأبعث‮ ‬الى‮ ‬يوسف‮ ‬الخال‮ ‬برسالة‮ ‬ومواد‮ ‬للنشر،‮ ‬بعد‮ ‬هذا‮ ‬الغياب‮ ‬الطويل‮. ‬هل‮ ‬يمكن‮ ‬أن‮ ‬تبعث‮ ‬إلي‮ ‬بعنوان‮ ‬أدونيس،‮ ‬وكذلك‮ ‬عنوان ‬مجلة‮ ‬الآداب؟‮ ‬سلّم‮ ‬على‮ ‬أدونيس‮ ‬بحرارة‮. ‬سأكتب‮ ‬اليه‮ ‬قريباً‮. ‬وأرجو‮ ‬ان‮ ‬أهيء‮ ‬رسالة‮ ‬طويلة‮ ‬عن‮ ‬السياسة‮ ‬والفكر‮ ‬في‮ ‬أميركا‮ ‬لتنشر‮ ‬في‮ "مواقفه‮". ‬وكذلك‮ ‬مواد‮ ‬جديدة‮ ‬من‮ ‬كتاباتي‮. ‬وربما‮ ‬بعثت‮ ‬اليه‮ ‬بكتاب‮ ‬كامل‮ ‬والمال‮ ‬اللازم‮ ‬لنشره‮. ‬ولكن‮ ‬أولاِ،‮ ‬بلّغه‮ ‬حبي‮ ‬واعطه‮ ‬عنواني‮ ‬وأرجو‮ ‬أن‮ ‬يبعث‮ ‬الي‮ ‬بنسخة‮ ‬من‮ ‬مواقف‮ ‬حتى‮ ‬يتيسّر‮ ‬لي‮ ‬أن‮ ‬أبعث‮ ‬اليه‮ ‬ببدل‮ ‬اشتراك‮. ‬وأفكر‮ ‬أيضاً‮ ‬بإعداد‮ ‬مقابلات‮ ‬طويلة‮ ‬مع‮ ‬شعراء‮ ‬هذه‮ ‬المنطقة‮. ‬وقد‮ ‬قابلت‮ ‬عدداً‮ ‬منهم‮ ‬وتشاجرت‮ ‬معهم،‮ ‬وترجمت‮ ‬بعض‮ ‬قصائدي‮ ‬الى‮ ‬الانكليزية‮. ‬وبدأت‮ ‬اكتب‮ ‬بالانكليزية‮ ‬منذ‮ ‬مدة‮. ‬وفي‮ ‬المستقبل‮ ‬أنوي‮ ‬أن‮ ‬أكتب‮ ‬رواية‮ ‬واحدة‮ ‬ووحيدة‮ ‬بالانكليزية‮ ‬اضع‮ ‬فيها‮ ‬كل‮ ‬شيء‮. ‬ولدي‮ ‬الآن‮ ‬مجموعة‮ ‬من‮ ‬الشعر‮ ‬بهذه‮ ‬اللغة،‮ ‬وكذلك‮ ‬قصة‮ ‬اسمها‮ "‬الصحراء‮" وهي‮ ‬عن‮ ‬مهرب‮ ‬على‮ ‬الحدود‮ ‬العراقية،‮ ‬وربما‮ ‬ترجمتها‮ ‬عن‮ ‬الانكليزية‮ ‬إلى‮ ‬العربية‮.‬

عزيزي‮ ‬وديع‮. ‬لقد‮ ‬تكلمت‮ ‬كثيراً،‮ ‬اليوم‮ ‬هو‮ ‬السبت،‮ ‬عطلة‮. ‬ولديّ‮ ‬موعد‮ ‬مع‮ ‬امرأة‮ ‬أميركية،‮ ‬ولكنني‮ ‬أعتقد‮ ‬انني‮ ‬متأخر‮ ‬الآن‮ ‬لانني‮ ‬قضيت‮ ‬هذه‮ ‬الساعة‮ ‬الاخيرة‮ ‬أكتب‮ ‬اليك‮. ‬على‮ ‬انني‮ ‬سأذهب‮ ‬فالمرأة‮ ‬قد‮ ‬انتظرت‮ ‬أكثر‮ ‬من‮ ‬اللازم‮. ‬وهي‮ ‬ستصاب‮ ‬بهستيريا‮ ‬اذا‮ ‬لم‮ ‬أذهب،‮ ‬لانها‮ ‬ظلت‮ ‬ثلاثة‮ ‬أسابيع‮ ‬تبعث‮ ‬اليّ‮ ‬برسالة‮ ‬مضمونة‮ ‬كل‮ ‬يوم‮ ‬وهدايا‮ ‬حتى‮ وعدتها،‮ ‬وذلك‮ ‬منذ‮ ‬ان‮ ‬تركتها‮ ‬منذ‮ ‬شهر‮ ‬دون‮ ‬سابق‮ ‬إنذار‮ ‬أو‮ ‬سبب،‮ ‬يائساً‮ ‬من‮ ‬العلاقات‮ ‬والجنس‮ ‬عائداً‮ ‬الى‮ ‬الشعر‮. ‬على‮ ‬كل‮ ‬حال،‮ ‬سأكتب‮ ‬لك‮ ‬قريباً‮. ‬تحياتي‮ ‬الى‮ ‬والدتك،‮ ‬والى‮ ‬اخيك‮ ‬وزوجته‮ ‬اللطيفة،‮ ‬وقل‮ ‬لها‮ ‬أن‮ ‬تقرأ‮ ‬فألي‮ ‬واخبرني‮ ‬بالنتيجة‮.‬

اخوك
سركون‮ ‬بولص
27 / 3 / 1971
سان‮ ‬فرنسسكو
عن الفايسبوك

ليست هناك تعليقات