ترجمة- محمد شمدين
*جيفري د. ساكس، أستاذ التنمية المستدامة، أستاذ السياسات الصحية والإدارة، ومدير معهد الأرض في جامعة كولومبيا، مدير شبكة حلول التنمية المستدامة التابع للأمم المتحدة. من مؤلفاته؛ نهاية الفقر والثروة المشتركة، كما أصدر مؤخرًا، عصر التنمية المستدامة.
الحرب الأهلية في سورية أخطر أزمة مدمرة على وجه الأرض، فمنذ أوائل سنة 2011، قتل مئات الألوف؛ وهجّر نحو عشر ملايين سوري ؛ وقد ابتليت أوروبا بهجمات “الدولة الإسلامية/ داعش” الإرهابية، وتأثير سياسات اللجوء؛ وكذلك وضعت الولايات المتحدة وحلفائها في حلف شمال الأطلسي “الناتو” لأكثر من مرة على احتكاك أو مواجهة مباشرة مع روسيا.
وللأسف، ضاعف الرئيس باراك أوباما من مخاطر هذه الأزمات، بإخفائه دور الولايات المتحدة في سورية عن الشعب الأميركي ومن الرأي العام العالمي. فوضع نهاية للصراع في سورية يتطلب محاسبة صادقة من جانب الولايات المتحدة للدور الخفي الذي قامت به منذ بداية الصراع في 2011، بما تتضمنه من عمليات التمويل والتسليح والتدريب وتحريض مختلف أطراف الصراع. هذه التدخلات المتهورة التي من شأنها أن تضع نهاية لكثير من الدول.
على نطاق واسع –وكاذب- انتشر تصور بأن أوباما قام بالمحافظة على الولايات المتحدة خارج الصراع الدائر في سورية. في الحقيقة، قام اليمين الأميركي، بشكل تقليدي، بانتقاد أوباما في أنه حدد خطًّا “على الرمال” للرئيس السوري بشار الأسد في حال استخدامه الأسلحة الكيمائية، ومن ثم تراجع عن تهديده هذا عندما قام الأسد بتجاوز “هذا الخط “، وهي مسألة مازالت غامضة ومشكوك فيها، مثل كثير من الأمور التي تجري في سورية. دأبت صحيفة “الفاينانشال تايمز” من خلال عمودها الرئيس، على تكرار الفكرة المغلوطة القائلة إن الولايات المتحدة ترتكب خطأً إن وقفت على الهامش حول ما يحدث في سورية، حيث ذكرت مؤخرًا، أن أوباما رفض نصيحة وزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون في تسليح المعارضين السورين الذين يقاتلون الأسد.
وكان يُرفع الغطاء من وقت إلى آخر، إلى حين كشفت صحيفة ” نيويورك تايمز” في 2103 بوجود أمر رئاسي سريّ إلى وكالة الاستخبارات المركزية بتسليح المتمردين السوريين. وكما بينت، فإنّ المملكة السعودية ستقوم بتمويل المعارضة بالأسلحة، بينما تقوم وكالة المخابرات المركزية بناء على أوامر أوباما، بتقديم الدعم التنظيمي والتدريبي.
وللأسف جاءت القصة ومرت من دون أي توضيح من جانب الحكومة الأميركية أو متابعة من جانب صحيفة “نيويورك تايمز”. وتركت المتابعين في حيرة من التساؤلات: كم حجم العمليات المشتركة الجارية بين السعودية ووكالة المخابرات المركزية؟ ما حجم الإنفاق السنوي للولايات المتحدة في سورية؟ وما أنواع الأسلحة التي يقدمها الأميركيون، السعوديون، القطريون، الأتراك إلى المتمردين السوريين؟ من تلك المجموعات التي تتلقى تلك الأسلحة؟ وما دور القوات الأميركية، الغطاء الجوي، وغيرها من الأمور في الحرب؟ إلا أن الإدارة الأميركية لم ترد على هذه التساؤلات، ولم تقم متابعة من جانب وسائل الإعلام لها، أيضًا.
في أكثر من عشر مناسبات، صرح أوباما أمام الشعب الأميركي بأنه لن يكون هناك ” أميركي على الأرض”. ولكن بعد كل عدة أشهر، من خلال بيان حكومي مقتضب يتم إعلام الجمهور بأن عملية أميركية للقوات الخاصة جرت في سورية. بينما وزارة الدفاع تنفي بشكل روتيني بأنهم في الخطوط الأمامية. ولكن عندما قامت روسيا مع قوات الأسد بقصف مدفعي وطيران حربي على معاقل المتمردين في شمالي سورية، أبلغت الولايات المتحدة الكرملين أن الهجمات استهدفت القوات الأميركية على الأرض. ولم يعط للجمهور أي تفسير عن مهمتهم؛ تكاليفها، أو الطرف المقابل.
ولكن، من خلال بعض التسريبات، أو التحقيقات الصحفية، أو من خلال بيانات الحكومات الأخرى، أو تلك البيانات النادرة من جانب المسؤولين الأميركان، ندرك أن أميركا تعمل بنشاط، وبشكل مستمر؛ فوكالة المخابرات المركزية تنسق الحرب على محورين؛ إطاحة الأسد ومحاربة “تنظيم الدولة/ داعش”.
حيث جهود حلفاء أميركا؛ السعودية، تركيا، قطر وغيرها من الدول المنطقة تركز على إطاحة الأسد. وقد أنفقت الولايات المتحدة مليارات الدولارات على برامج التسليح والتدريب وعلى العمليات للقوات الخاصة إضافة إلى الغارات الجوية، والدعم اللوجستي لقوات المعارضة، بما في ذلك المرتزقة الدولية. وقد صرف حلفاء الولايات المتحدة مليارات الدولارات، إلا أنه لا يتم الكشف الحقيقي عن تلك المبالغ.
ولم يكن لرأي العام الأميركي أي رأي في كل هذه القرارات. ولم يكن هناك أي سلطة للتصويت أو إذن بإقرار الموازنة من جانب الكونغرس الأميركي. ولم يتم شرح دور وكالة المخابرات الأميركية أو تبرير له.
بالنسبة لأولئك ضمن المجتمع الصناعية العسكرية الأميركية، السرية يجب ان تكون هكذا. مثل موقفهم عندما صوت الكونغرس قبل 15 عام، السماح باستخدام القوة المسلحة ضد الذين تورطوا في هجمات 11 من أيلول/سبتمبر، ما منح الرئيس والجيش تفويضًا لخوض حروب سرية في الشرق الأوسط وأفريقيا؛ فلماذا على الولايات المتحدة أن توضح علنا ما تقوم به؟ الأمر الذي يعرض العمليات للخطر، كما سيقوم العدو بأخذ حذره؛ لذا فلا حاجة أن يعلم الجمهور.
إنني أؤيد وجهة نظر مختلفة: أن الحروب يجب أن تكون الملاذ الأخير، ويجب التركيز قبلها على التغيير الديمقراطي. وجهة النظر هذه ترى أن الحرب الأميركية السرية في سورية غير قانونية، سواء بموجب الدستور الأميركي (الذي منح الكونغرس السلطة الوحيد في إعلان الحرب)، أم وفقًا لميثاق الأمم المتحدة، كما أن حرب الأميركية على كلا الجانبين (إزاحة الأسد ومكافحة داعش) في سورية هي مقامرة ساخرة ومتهورة. الجهود التي تقوم بها الولايات المتحدة لإطاحة الأسد لا تهدف إلى حماية المدنيين في سورية، كما اقترح أوباما وكلينتون من وقت إلى آخر، بل هي حرب أميركية بالوكالة ضد كل من إيران وروسيا، وتكون سورية فيها أرض المعركة.
إن رهانات هذه الحرب أعلى وأخطر بكثير مما يتوقعه وكلاء أميركا لهذا الصراع. حيث كان قرار الولايات المتحدة الحرب ضد الأسد أثر عكسي، فقد قامت روسيا بزيادة دعمها العسكري لنظامه. في وسائل الإعلام الأميركية، تصف تصرف روسيا بأنه مهين: فكيف يجرؤ الكرملين على منع الولايات المتحدة من إسقاط النظام السوري؟ والنتيجة هي معركة ديبلوماسية طويلة مع روسيا، التي من شأنها أن تقود نحو التصعيد -ربما من غير قصد- إلى حد التصعيد العسكري.
فهذه القضايا يجب أن تخضع لرقابة القضاء والرقابة الديمقراطية. وأنا واثق تمامًا من أن الشعب الأميركي سوف يقوم بترديد “لا” مدوية على الحرب التي تقودها الولايات المتحدة لتغيير النظام في سورية. فالشعب الأميركي يريد الأمان -بما في ذلك القضاء على تنظيم الدولة/ داعش- ولكن عليهم أيضا أن يركزوا على التاريخ المدمر الطويل للجهود الأميركية في تغيير الأنظمة، كما في أفغانستان، العراق، ليبيا، سورية، أميركا الوسطى، أفريقيا وجنوب شرقي آسيا.
وهذا هو السبب الرئيس في رفض الدولة الأمنية في أميركا قول الحقيقة. الشعب الأميركي يدعو إلى السلام بدلا من استمرار الحرب، أوباما بقي لديه بضعة أشهر ليغادر مكتبه لإصلاح إرثه المكسور. وينبغي عليه أن يبدأ من خلال تسوية مع الشعب الأميركي.
*جيفري د. ساكس، أستاذ التنمية المستدامة، أستاذ السياسات الصحية والإدارة، ومدير معهد الأرض في جامعة كولومبيا، مدير شبكة حلول التنمية المستدامة التابع للأمم المتحدة. من مؤلفاته؛ نهاية الفقر والثروة المشتركة، كما أصدر مؤخرًا، عصر التنمية المستدامة.
الحرب الأهلية في سورية أخطر أزمة مدمرة على وجه الأرض، فمنذ أوائل سنة 2011، قتل مئات الألوف؛ وهجّر نحو عشر ملايين سوري ؛ وقد ابتليت أوروبا بهجمات “الدولة الإسلامية/ داعش” الإرهابية، وتأثير سياسات اللجوء؛ وكذلك وضعت الولايات المتحدة وحلفائها في حلف شمال الأطلسي “الناتو” لأكثر من مرة على احتكاك أو مواجهة مباشرة مع روسيا.
وللأسف، ضاعف الرئيس باراك أوباما من مخاطر هذه الأزمات، بإخفائه دور الولايات المتحدة في سورية عن الشعب الأميركي ومن الرأي العام العالمي. فوضع نهاية للصراع في سورية يتطلب محاسبة صادقة من جانب الولايات المتحدة للدور الخفي الذي قامت به منذ بداية الصراع في 2011، بما تتضمنه من عمليات التمويل والتسليح والتدريب وتحريض مختلف أطراف الصراع. هذه التدخلات المتهورة التي من شأنها أن تضع نهاية لكثير من الدول.
على نطاق واسع –وكاذب- انتشر تصور بأن أوباما قام بالمحافظة على الولايات المتحدة خارج الصراع الدائر في سورية. في الحقيقة، قام اليمين الأميركي، بشكل تقليدي، بانتقاد أوباما في أنه حدد خطًّا “على الرمال” للرئيس السوري بشار الأسد في حال استخدامه الأسلحة الكيمائية، ومن ثم تراجع عن تهديده هذا عندما قام الأسد بتجاوز “هذا الخط “، وهي مسألة مازالت غامضة ومشكوك فيها، مثل كثير من الأمور التي تجري في سورية. دأبت صحيفة “الفاينانشال تايمز” من خلال عمودها الرئيس، على تكرار الفكرة المغلوطة القائلة إن الولايات المتحدة ترتكب خطأً إن وقفت على الهامش حول ما يحدث في سورية، حيث ذكرت مؤخرًا، أن أوباما رفض نصيحة وزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون في تسليح المعارضين السورين الذين يقاتلون الأسد.
وكان يُرفع الغطاء من وقت إلى آخر، إلى حين كشفت صحيفة ” نيويورك تايمز” في 2103 بوجود أمر رئاسي سريّ إلى وكالة الاستخبارات المركزية بتسليح المتمردين السوريين. وكما بينت، فإنّ المملكة السعودية ستقوم بتمويل المعارضة بالأسلحة، بينما تقوم وكالة المخابرات المركزية بناء على أوامر أوباما، بتقديم الدعم التنظيمي والتدريبي.
وللأسف جاءت القصة ومرت من دون أي توضيح من جانب الحكومة الأميركية أو متابعة من جانب صحيفة “نيويورك تايمز”. وتركت المتابعين في حيرة من التساؤلات: كم حجم العمليات المشتركة الجارية بين السعودية ووكالة المخابرات المركزية؟ ما حجم الإنفاق السنوي للولايات المتحدة في سورية؟ وما أنواع الأسلحة التي يقدمها الأميركيون، السعوديون، القطريون، الأتراك إلى المتمردين السوريين؟ من تلك المجموعات التي تتلقى تلك الأسلحة؟ وما دور القوات الأميركية، الغطاء الجوي، وغيرها من الأمور في الحرب؟ إلا أن الإدارة الأميركية لم ترد على هذه التساؤلات، ولم تقم متابعة من جانب وسائل الإعلام لها، أيضًا.
في أكثر من عشر مناسبات، صرح أوباما أمام الشعب الأميركي بأنه لن يكون هناك ” أميركي على الأرض”. ولكن بعد كل عدة أشهر، من خلال بيان حكومي مقتضب يتم إعلام الجمهور بأن عملية أميركية للقوات الخاصة جرت في سورية. بينما وزارة الدفاع تنفي بشكل روتيني بأنهم في الخطوط الأمامية. ولكن عندما قامت روسيا مع قوات الأسد بقصف مدفعي وطيران حربي على معاقل المتمردين في شمالي سورية، أبلغت الولايات المتحدة الكرملين أن الهجمات استهدفت القوات الأميركية على الأرض. ولم يعط للجمهور أي تفسير عن مهمتهم؛ تكاليفها، أو الطرف المقابل.
ولكن، من خلال بعض التسريبات، أو التحقيقات الصحفية، أو من خلال بيانات الحكومات الأخرى، أو تلك البيانات النادرة من جانب المسؤولين الأميركان، ندرك أن أميركا تعمل بنشاط، وبشكل مستمر؛ فوكالة المخابرات المركزية تنسق الحرب على محورين؛ إطاحة الأسد ومحاربة “تنظيم الدولة/ داعش”.
حيث جهود حلفاء أميركا؛ السعودية، تركيا، قطر وغيرها من الدول المنطقة تركز على إطاحة الأسد. وقد أنفقت الولايات المتحدة مليارات الدولارات على برامج التسليح والتدريب وعلى العمليات للقوات الخاصة إضافة إلى الغارات الجوية، والدعم اللوجستي لقوات المعارضة، بما في ذلك المرتزقة الدولية. وقد صرف حلفاء الولايات المتحدة مليارات الدولارات، إلا أنه لا يتم الكشف الحقيقي عن تلك المبالغ.
ولم يكن لرأي العام الأميركي أي رأي في كل هذه القرارات. ولم يكن هناك أي سلطة للتصويت أو إذن بإقرار الموازنة من جانب الكونغرس الأميركي. ولم يتم شرح دور وكالة المخابرات الأميركية أو تبرير له.
بالنسبة لأولئك ضمن المجتمع الصناعية العسكرية الأميركية، السرية يجب ان تكون هكذا. مثل موقفهم عندما صوت الكونغرس قبل 15 عام، السماح باستخدام القوة المسلحة ضد الذين تورطوا في هجمات 11 من أيلول/سبتمبر، ما منح الرئيس والجيش تفويضًا لخوض حروب سرية في الشرق الأوسط وأفريقيا؛ فلماذا على الولايات المتحدة أن توضح علنا ما تقوم به؟ الأمر الذي يعرض العمليات للخطر، كما سيقوم العدو بأخذ حذره؛ لذا فلا حاجة أن يعلم الجمهور.
إنني أؤيد وجهة نظر مختلفة: أن الحروب يجب أن تكون الملاذ الأخير، ويجب التركيز قبلها على التغيير الديمقراطي. وجهة النظر هذه ترى أن الحرب الأميركية السرية في سورية غير قانونية، سواء بموجب الدستور الأميركي (الذي منح الكونغرس السلطة الوحيد في إعلان الحرب)، أم وفقًا لميثاق الأمم المتحدة، كما أن حرب الأميركية على كلا الجانبين (إزاحة الأسد ومكافحة داعش) في سورية هي مقامرة ساخرة ومتهورة. الجهود التي تقوم بها الولايات المتحدة لإطاحة الأسد لا تهدف إلى حماية المدنيين في سورية، كما اقترح أوباما وكلينتون من وقت إلى آخر، بل هي حرب أميركية بالوكالة ضد كل من إيران وروسيا، وتكون سورية فيها أرض المعركة.
إن رهانات هذه الحرب أعلى وأخطر بكثير مما يتوقعه وكلاء أميركا لهذا الصراع. حيث كان قرار الولايات المتحدة الحرب ضد الأسد أثر عكسي، فقد قامت روسيا بزيادة دعمها العسكري لنظامه. في وسائل الإعلام الأميركية، تصف تصرف روسيا بأنه مهين: فكيف يجرؤ الكرملين على منع الولايات المتحدة من إسقاط النظام السوري؟ والنتيجة هي معركة ديبلوماسية طويلة مع روسيا، التي من شأنها أن تقود نحو التصعيد -ربما من غير قصد- إلى حد التصعيد العسكري.
فهذه القضايا يجب أن تخضع لرقابة القضاء والرقابة الديمقراطية. وأنا واثق تمامًا من أن الشعب الأميركي سوف يقوم بترديد “لا” مدوية على الحرب التي تقودها الولايات المتحدة لتغيير النظام في سورية. فالشعب الأميركي يريد الأمان -بما في ذلك القضاء على تنظيم الدولة/ داعش- ولكن عليهم أيضا أن يركزوا على التاريخ المدمر الطويل للجهود الأميركية في تغيير الأنظمة، كما في أفغانستان، العراق، ليبيا، سورية، أميركا الوسطى، أفريقيا وجنوب شرقي آسيا.
وهذا هو السبب الرئيس في رفض الدولة الأمنية في أميركا قول الحقيقة. الشعب الأميركي يدعو إلى السلام بدلا من استمرار الحرب، أوباما بقي لديه بضعة أشهر ليغادر مكتبه لإصلاح إرثه المكسور. وينبغي عليه أن يبدأ من خلال تسوية مع الشعب الأميركي.