فواز طرابلسي... باقة ورد حمراء لجورج البطل، آخر البلاشفة.

alrumi.com
By -
0
 
تخلّى عن رخاء أسرة من اصحاب الدباغات ببلدته مشغرة، البقاع الغربي، وترك المهنة العائلية لاخيه بعدما اكتشف التفاوت الاجتماعي وفقر الاطراف، ودخل الى الحزب الشيوعي اللبناني مطلع عشريناته كأنما دون استئذان. تحمّل فوراَ مسؤوليات حساسة في الجهاز السرّي للحزب، ومنها نقل الاسلحة ولعب دور المراسل بين فرج الله الحلو المتخفي في دمشق والقيادة في بيروت. تعرّف باكرا الى الطالب الثانوي جورج حاوي في تظاهرة الاحتجاج على اغتيال الصحافي نسيب المتني التي اطلقت شرارة «حوادث» ١٩٥٨، ورافق ارتقاء ابو انيس الى الامانة العامة للحزب، بعيد المؤتمر الثاني ١٩٦٨، الذي انتزع استقلال الحزب عن الحزب السوري، وهيمنة خالد بكداش، وصحّح الموقف من المسألة القومية وقضية فلسطين. خلال قيادة حاوي للحزب وبعد خروجه منه، ظل جورج البطل الرفيق والصديق الاقرب والاوفى، والاجسر دوماً على انتقاد الامين العام ومعارضته. 
في الاجتماعات المشتركة لقيادتي الحزب الشيوعي ومنظمة العمل الشيوعي، والنشاطات المشتركة للحركة الوطنية والمقاومة الفلسطينية، وخلال زيارات الوفود الخارجية، اكتشفت جورج البطل على مهل. جرأته: لا جرأة المتهوّر او المفامر، بل خيار المناضل الذي يعي خطورة وجذرية الافكار التي يحملها وجدّية الالتزامات التي تمليها. المشاغبته الدائمة، مشاغبة العادل، لا يطيق تمييزا او مراوغة. نقاؤه، انقاء من تجرّد عن كل مصلحة شخصية، بما يشبه التصوّف، ومع ذلك ظل يعبّر عن نفسه بواسطة قاموس ثري من اقذع الشتائم. حرصه على استقلالية وطنه وحزبه، الذي لم يتردد في تأييد «ربيع براغ» ١٩٦٦ ومعارضة التدخل العسكري السوفياتي لقمع الانتفاضة الاصلاحية والاستقلالية. والى هذا، على سبيل الامثلة لا الحصر، جورج البطل المحفّزعلى مراجعة نقدية قاسية لدور الشيوعيين في الحرب الاهلية. بعد عودته من مهامه الخارجية واستقراره في لبنان، اختلف جورج بعمق مع خيارات وسياسات اساسية لحزبه، لكنه رفض المغادرة، أسوة بعدد من رفاقه، ظل مرجعاً للرفاق المتخاصمين داخل الحزب وخارجه، يستقبل الجميع بالعَبْسَة الباشّة اياها، ولا يبخل برأي او نصحية دون ان يتخلّى عن معارضة او نقد. 
انا مدين لجورج البطل بتعريفي على الشيوعية بطريقة غير مباشرة. هو اول شيوعي أسمع به ومن خلاله بمفردة «شيوعية» وانا مطلع المراهقة. إقترن اسمه مع إسم ابن عمّتي رشدي عبوّدي (جحا) أحد اوائل الشيوعيين في مشغرة، وقد تزاملا في التخفي والاعتقال والسجن. 
وانا مدين ايضا لجورج لأنه ارتضى ان نسجّل معاً سلسلة مقابلات عن حياته ونضاله وفكره. غادرنا جورج قبل ان يراجع الفصول الاخيرة من المخطوطة. لكن هذا لن يمنعني من ان أفي بوعدي له بأن تجد شهادته الثمينة طريقها الى النشر.

إرسال تعليق

0تعليقات

إرسال تعليق (0)