نسرين حمود... عن دعاء الغباشي

alrumi.com
By -
0

في نهاية الثمانينيّات وبداية التسعينيات، لم يكن مشهد المحجبات طاغياً بعد في الأحياء الشعبية ببيروت. كان الناس لا يزالوا يسيرون بهدى الإسلام الريفي، فلا يتسابقون لإبراز هويتهم عبر عقدة غطاء الرأس وطول اللحية ولا يتمنون "جمعة مباركة" لبعضهم البعض عبر الـ"واتس آب"... لذا، حين اتخذت أمي قرار التحجب في إثر حادث تعرضت له، شكلت إطلالتها مدعاة لصدمتي أولاً ولسخريتي المبطنة والمعلنة (كنت وقحة في صغري!) ثانياً، إذ ربطت بين زيها والتخلف! ولطالما طلبت من أبي أن يحضر اجتماعات مجلس الأهل بدلاً منها، لأَنِّي لم أرغب في أن أظهر منبتي، إذ كنت حينئذ تلميذة في مدرسة للراهبات، والأخيرة كانت لا تزال ساحة للتنوع في فرعها ببيروت عكس اليوم. شيئاً فشيئاً، أحاطتني أغطية الرأس؛ بعد أمي، تحجبت أمي الثاني (ابنة عم أمي) فنساء كثيرات في العائلة اخترن ملبساً يشي بإسلامهن واستبدلن بالشعر الأشقر (الطبيعي والمصبوغ) والأصهب والأسود الليلي الغطاء القطن ذالطبقتين أو القماشي السادة أو المعرق. على أبواب الجامعة، اقتنعت أن من أعرفهن (أمي وبنات عمها) وضعن الحجاب نتيجة قرارات شخصية بعيداً عن أي ضغط مجتمعي (زوج أو أب أو تمسكاً بتعاليم شيخ طريقة) وتجاوزت أمر الربط بين التخلف والحجاب، لناحية أن الأخير قرار شخصي لا يلزمني في شيء، إذا لا تزال الحرية تسير شؤون منزلنا (الحمد لله). ومع النضوج، آمنت أن لكل امرئ الحق في اختيار ملبسه ومسلكه؛ فلتتحجب من ترغب في ذلك، ولتنتشر موضة "الشورتات" إذا وجدت متتبعات (وهي كذلك)، لكن فرض أي زي من الزيين مرفوض ومكروه.
اليوم، فيما أقرأ التعليقات الواردة تحت صورة اللاعبة المصرية دعاء الغباشي (شريكتها ندى معوض حاسرة الرأس لكنها ارتدت أيضاً زياً طويل الأكمام) في كرة الطائرة الشاطئية بأولمبياد ريو، وكم التحامل (المتدينون قالوا أنها كاسية عارية وغلاة العلمانيين نهلوا من القاموس كل صفات القبح لوصفها)، التحامل على رياضية لم يحل التزامها الديني دون الوصول إلى هذا الاستحقاق الدولي، أشعر بالقرف من ضيق المنظار الذي ترى غالبية العرب من خلاله العالم، وتتوازى عندي وحشية بعض العلمانيين؟! في تصنيف البشر مع بشاعة غلاة المتدينين القابضين على دينهم حتى اصطكاك الأسنان! كم من الحماقة أن نحصر ألوان الحياة في الأسود واالأبيض!

* صحافية لبنانية 
عن الفايسبوك

إرسال تعليق

0تعليقات

إرسال تعليق (0)