قبل حوالي 33 سنة مضت كنا أخي وأنا في كرمنا قرب الحدود السورية التركية نقطف العنب، وإذ بدورية للجيش التركي تتوقف فجأة على الجانب الآخر من الحدود ويترجل منها ضابط وأربعة جنود. ودون سابق إنذار، صوبوا فوهات بنادقهم إلينا مباشرة صارخين فينا بغضب وكراهية واضحة: توقفا توقفا... وبدأ بعضهم برمي الرصاص علينا بالفعل. هرب أخي، وأنا حاولت أيضا، لكن نتيجة اشتداد لعلعة الرصاص الذي كان يقع بالقرب مني تسمرت في مكاني ولم يعد بإمكاني الركض والهرب، فاشاروا إلي، أي تعال فذهبت إليهم! طبعا كانت سلة العنب ما تزال في يدي، فاخذوني إلى نقطة حراسة قريبة وبدأوا بشتمي وتهديدي والصراخ في بوجهي ووضع فوهة المسدس على رأسي. وعندما وضع أحدهم فوهة المسدس على صدغي أغمضت عيني، لكن ابن القحبة لم يفعلها. وبعد ذلك سألوني بين تهديد ووعيد عن أسماء بعض الأشخاص الذين كنت أعرفهم تماما، فقلت لهم أنني لا أعرف أحدا منهم، فبداؤا بشتمي مرة أخرى وتهديدي بالقتل فكان جوابي دائما: إنني لا أعرف أحدا! قالوا لي بغضب: هيا إذهب من هنا، هيا... فحملت سلة العنب التي أفرغوا فيها بعض الرصاص فأحسست بألم عناقيد العنب وجراحها وهي تتلقى الرصاص. مشيت ببطء، فامرني أحدهم بصوت عال وغاضب: اركض اركض بسرعة، وركضت، وبدأوا مرة أخرى برمي الرصاص لكن بغزارة أكبر هذه المرة. رصاصة أصابت غصن شجرة الزيتون فوق رأسي، فهوى الغصن أمامي كطائر جريح. ومن يومها انكسر غصن الزيتون في قلبي إلى الأبد تجاه كل ما هو طوراني.
في اليوم الثاني بعد رأس سنة 2015 كنت في مطار أتاتورك باسطنبول ذاهبا للقاء أمي وأبي. عندما نظر الشرطي الذي يفحص الجوازات إلى جوازي قال لزميله باحتقار اسمه حسين، وألماني أيضا! ثم رمى الجواز في وجهي قائلا إذهب إلى الكابينة الأخرى دون أن أعرف لماذا فعل ذلك رغم أنه تعامل بلطف مع الشخص الذي كان ورائي مباشرة. حينها تذكرت غصن الزيتون الذي وقع أمامي كطائر جريح قبل 33 سنة.
شاعر
عن الفايسبوك