نشر مركز الشرق الأوسط للأبحاث والدراسات الإستراتيجية دراسة مطولة عن التفجيرات الإرهابية التي ضربت بلدة القاع البقاعية، تحت عنوان “من أبو القعقاع… إلى القاع”.
يبدأ التقرير بوصف الغموض الذي يلف قضية التفجيرات الإرهابية التي إستهدفت القاع في السابع والعشرين من حزيران وكيف أن تنظيم “داعش” لم يتبن الى حد اليوم هذه التفجيرات، كما ان التنظيم لم يشر في التقرير الذي نشره عن عملياته الانتحارية التي نفذها في سوريا والعراق وليبيا في خلال شهر حزيران، أو أي تقرير آخر، الى العمليات الإرهابية التي استهدفت بلدة القاع.
ويلفت التقرير الى أن لا معلومات حتى اليوم عن هوية الموقوفين والمدَّعى عليهم في قضية القاع، كما أن أسماء الإنتحاريين أو حتى ألقابهم الجهادية ما زالت مجهولة، ما يزيد من غموض القضية، خصوصاً أن لهجة الانتحاريين الذين باغتهم شادي مقلد “لا توحي بأنها غير لبنانية”، ما يفترض العثورعلى جثث تعود الى لبنانيين من بين جثث الإنتحاريين الثمانية.
ويذكر التقرير الى انه في الخامس عشر من تموز، نشر معهد الشرق الاوسط محاضرةً بعنوان “بعد الفلوجة: الأمن، الحكم، والمعركة المقبلة ضد داعش”. وفي معرض حديثه عن “داعش”، يتطرأ الباحث المتخصص في الشأن السوري تشارلز ليستر الى الوضع اللبناني حيث قال: “ما زلت أتواصل كثيراً وبشكل منتظم مع معظم جماعات المعارضة المسلحة في سوريا، ولكن هناك شيء واحد حصلت عليه قبل أسبوعين من ثلاث مجموعات مختلفة مقرها في شمال حلب، وهو أن ٢٠٠ الى ٣٠٠ مقاتل لبناني من “داعش”، قد تم السماح لهم من خلال عقد صفقة، بعبور آمن للأراضي التي تسيطر عليها المعارضة ومن ثم الأراضي التي يسيطر عليها النظام في شمال حلب، وبممر آمن للعودة الى لبنان. و قد شهدنا بعد ذلك بفترة وجيزة، ظهور 8 الى 9 انتحاريين في بلدة على الحدود اللبنانية مع سوريا، وليس لدي أي شك في أن بعض هؤلاء المتشددين الذين عبروا من سوريا إلى لبنان كانوا ضالعين في هذا الحادث.
وتؤكد المعلومات التي وردت في تقرير وكلام ليستر صحة الشكوك حول وجود لبنانيين بين إنتحاريي القاع، ولكنها تفتح في الوقت ذاته النقاش واسعاً حول ما صرح به ليستر عن وجود صفقة بين النظام والمتشددين، والسماح لهم بالعبور عبر ممر آمن الى لبنان. وإذا ما نظرنا الى خريطة توزيع القوى المتصارعة في سوريا على الأرض، سنجد أن “داعش” يحتل الرقة وجزءاً من شمال حلب. وبما أن هناك تواصل جغرافي بين محافظتي الرقة وحلب، فإن عبور هؤلاء المقاتلين من الرقة الى شمال حلب أمر سهل وليس دونه أي عقبات.
لا يشكل عبور المنطقة الكردية جنوب جيب المعارضة شمال حلب مشكلة للوصول الى مناطق النظام، إذ أن الدعم الكردي للنظام قائم في حلب ما يتيح لتلك المجموعة الإرهابية الوصول من دون أي عائق الى مناطق النظام بعد عقد الصفقة معه. ويُرجَح أن الإنتحاريين عبروا الى القاع عبر الحدود اللبنانية – السورية من خلال المنطقة التي تخضع لسيطرة النظام السوري و”حزب الله”.
وأشار التقرير أن التفجيرات الصباحية، وعدم هروب المجموعة الثانية التي نفذت التفجيرات المسائية، يؤكدان أن بلدة القاع هي المستهدفة، ومما لا شك فيه أن أهداف عملية القاع يمكن قراءتها بشكل اوضح مع بروز معلومات عن صفقة تمت بين النظام السوري والإرهابيين.
وتوقف التقريرعند مفارقة بارزة خلال إعتداءات القاع التي حصلت في ٢٧ حزيران أي عشية الإحتفال بذكرى شهداء مجزرة القاع في ٢٨ حزيران ١٩٧٨، وراح ضحيتها نحو ثمانية وعشرين من أهالي البلدة.
ويضيف التقرير: “ليس خافياً على احد مدى براعة النظام السوري في إنتقاء الوسائل التي تحقق له أهدافه، وقد تكون احداث القاع إحدى المحطات التي تُثبِتُ براعة النظام في الإستفادة من خدمات الجهاديين. وإذا عدنا بالذاكرة الى الوراء، فإن قصة محمد قول أغاسي المعروف بكنية “أبو القعقاع السوري” وكيف تمكن هذا الرجل من العمل في ظل حزب “البعث” الذي كان يضيق الخناق على أي نشاط ديني، هي دليل على قدرة النظام على توظيف المجموعات الجهادية في خدمة مشاريعه السياسية. فمع الدخول الأميركي الى العراق عام 2003، تحولت سوريا الى مركز رئيسي للجهاديين الراغبين في الإنضمام الى “المقاومة” في العراق، و نشطَّتَ مخابرات رئيس النّظام السوريّ بشار الأسد عملاءها السلفيين في سوريا، وأبرزهم الشيخ السلفي الحلبي أبو القعقاع، التي تحولت جماعته الى القطب الذي أمدَّ قاعدة أبي مصعب الزرقاوي في العراق بحيث شكل السوريون إحدى أكبر نسب المقاتلين الأجانب في بداية المقاومة المسلحة في العراق. (دخل ٨٥ الى ٩٠ % من المقاتلين الأجانب الى العراق عبر الحدود السورية) واستمر الأسد في توظيف الإرهاب والتطرف لخدمة اهدافه السياسية مع بداية الثورة السورية، حيث أفرج، عقب تصاعد التحركات السلميّة الإحتجاجيّة في أيار ٢٠١١، من خلال مرسومٍ رئاسي، عن نحو ١٥٠٠ معتقلٍ من السجون الأكثر شهرة في البلاد، و شكل قسم من هؤلاء المعتقلين لاحقاً فصائل إسلامية متطرفة، مُدخلين بذلك تغييراً جذرياً على مسار الثورة، وما يُخشى منه اليوم، هو وجود ابو قعقاع جديد أو حتى أكثر، يديرون مجموعة الإرهابيين الذين تم إرسالهم الى لبنان.
ورغم عدم إمتلاك معلومات عن مضمون الصفقة التي أبرمها النظام السوري مع هؤلاء، إلا أن إحدى دلالاتها الواضحة كانت تحييد الإنتحاريين للمناطق الشيعية المحيطة بالقاع، التي تُعتبر البيئة الحاضنة لـ”حزب الله”، واستهداف البلدة المسيحية التي لم يشارك أبناؤها لا من قريب ولا من بعيد في الحرب السورية. وما يؤكد ذلك أيضاً كلام وزير الداخلية، الذي تحدث عن تنوع الأهداف التي لم تعد مركزة على بيئة “حزب الله”، بل تركز على الاجانب، وأن الاماكن السياحية هي من الأماكن التي يستهدفها الارهابيون في شكل أساسي.
ويختم التقرير: “لا شك أن الأبعاد والأهداف السياسية لهذه العملية هي كثيرة ومتنوعة، وقد تتبعها عمليات مشابهة في مناطق أخرى في ظل التعقيدات السياسية الداخلية والإقليمية التي لا تقف عند حدود ملف رئاسة الجمهورية اللبنانية، ولا عند الكلام عن مؤتمر تأسيسي جديد، ولا عند معركة حلب التي يراها كل طرف بأنها مفصلية… وإلى حين كشف التحقيقات الرسمية عن خفايا هذا الملف، وَجبَ على الدولة اللبنانية إتخاذ تدابير أكثر جدية وعملية لحماية أبنائها وتثبيتهم في ارضهم، حيث أن بعض الإجراءات الإستباقية كانت كفيلة بحماية أبناء القاع من هذا اليوم الطويل الدامي. كما أن وقف الإعتداءات على مياه القاع، سيكون بمثابة رسالة واضحة من جيران البلدة برغبتهم تثبيت أهل القاع في أرضهم وليس العكس”.