الدول العربية تتفكك، تنشأ كيانات جديدة، في مصر تقام دولة للأقباط في محافظة مطروح التي يتزايد فيها شراء الأقباط للأراضي حاليا، في ليبيا تنشأ أربعة كيانات، وفي لبنان من شرق بيروت حتى طرابلس سيحكم المسيحيون، بينما سيحكم السنة في طرابلس وبعض أجزاء العاصمة، وحزب الله في الجنوب. العراق أيضا ستقسم لثلاث دول وكذلك سوريا واليمن والسودان.
كان هذا بعض ما خلص إليه المستشرق الإسرائيلي "إيدي كوهين" زميل أبحاث في المركز الدولي للإعلام " CIC” بجامعة "بار- إيلان". في مقاله المنشور بصحيفة "إسرائيل اليوم" بتاريخ 31 أغسطس 2016
تحت عنوان "الشرق الأوسط: خطة التقسيم".
إلى نص المقال..
دائما ما تتلو الدعاية العربية التعويذة التي تقول إن الصهاينة بالتعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية يحاولون تفكيك وتقسيم الدول العربية للسيطرة على ثروات الشرق الأوسط. اليوم أيضا يمكن أن نرى مقالات رأي في الصحف العربية تتهم إسرائيل بهذه المؤامرة.
لكن لسخرية الأقدار أن العرب أنفسهم بدأوا في السنوات الأخيرة مسيرة التدهور والتفكك، التي في نهايتها يمكن الافتراض أنهم سيُقسَمون لعدة دويلات ونتيجة لذلك تظهر كيانات جديدة في منطقتنا. فالشرق الأوسط على وشك التبلور في شكل جديد، سوف يرافقه لسنوات عديدة قادمة.
إحدى انعكاسات الربيع العربي أنه رسخ الانقسام في المجتمع العربي، ووسع الفجوة بين الدينيين والعلمانيين، وبين التابعين للسلطة والقوميين وبالطبع بين السنة والشيعة. إن المعارك التي نجمت عن الصراعات المستمرة في عدد من الدول سوف تؤدي في نهاية المطاف، وفقًا لتقديرات خبراء في العالم العربي وتماشيًا مع المزاج العام في المدونات والقنوات الإعلامية المهتمة بالموضوع إلى تقسيمها. وغني عن الذكر أنَّ الحديث يدور مع ذلك عن تقديرات فقط، لكن بات معلوما أن الشرق الأوسط أصبح لغزًا مثيرًا، وأن محاولة التكهن بمصيره مثيرة في حد ذاتها.
لنبدأ بمصر: أدت الإطاحة بالرئيس مرسي إلى حكم شمولي ولصراعات قوى بين الإخوان المسلمين والمؤسسة الحاكمة، في ظل الإضرار المستمر بالأقلية هناك، أي الأقباط (المسيحيون)، فدائما ما يدفع الأبرياء ثمن الكراهية والعنصرية.
وفقا للحاضر، يتضح أن تغيرات هائلة سوف تحدث في مصر. اليوم، وبتشجيع المؤسسة المصرية، تجرى عملية هجرة سلبية، تهجير حقيقي، لذوي الأصول المصرية العرقية الأصيلة من شبه جزيرة سيناء إلى داخل مصر. في سيناء ليس هناك من رمز لدولة ذات سيادة، بل مناطق عسكرية. فمن يحكم هناك كيانان: ولاية سيناء وأنصار بيت المقدس. مصر على ما يبدو تخلت عن سيناء كي يستخدمها الفلسطينيون. أما الأقباط فسوف يتم تهجيرهم لمنطقة مطروح غرب البلاد، إذ يشتري الآن الكثير من المسيحيين الأراضي هناك.
ليبيا على ما يبدو ستقسم هي الأخرى لثلاثة كيانات: في الغرب سيحكم أنصار ثورة 17 فبراير، الذين حاربوا القذافي، في الشرق يحكم الجنرال خليفة حفتر الذي يقاتل الإسلامين المتشددين وفي جنوب ليبيا ستحكم عشرات القبائل البدوية، وهناك تقام دولة القبائل.
لبنان الآن مقسمة فعليا بل ومشلولة. لا يسمح الإيرانيون بتأييد حزب الله بانتخاب رئيس مسيحي ماروني يحظى بإجماع كامل من الشعب، لكن الاتجاه هو أن الجنوب تابع لحزب الله، أما الدروز كعادتهم فسوف يديرون حياتهم في الجبال، مثلما فعلوا طوال مئات الأعوام، ومن شرق بيروت حتى طرابلس سيحكم المسيحيون، بينما سيحكم السنة في طرابلس وبعض أجزاء العاصمة.
في سوريا سيقيم العلويون وأنصارهم الشيعة دولتهم في ساحة طرابلس، فيما سينشئ المسلمون السنة دولة في حلب، وفي الشمال يقام كيان كردي في القامشلي، يتم ضمه سياسيا وجغرافيا لجمهورية كردستان.
بعد انهيار نظام صدام حسين وخروج الولايات المتحدة من العراق، تزايد الاقتتال وصراعات القوى بين السنة والشيعة الذين يحظون بدعم إيران. كما قلنا، في شمال البلاد، إقليم كردستان- إربيل- ستقام الدولة الكردية. في الشمال بمنطقة البصرة، تقام دولة الشيعة، بينما يحصل المسلمون السنة على العاصمة بغداد، والموصل والفلوجة.
الدول التي قسمت في الماضي البعيد أو خلال السنوات الماضية، هي السودان واليمن. في جنوب السودان أقيمت جمهورية عاصمتها جوبا، وظل الشمال تحت سيطرة عمر البشير، وتتحدث الأنباء الآن عن إمكانية إنشاء دولة ثالثة بإقليم دارفور.
ظلت دولة اليمن مقسمة لعشرات الأعوام ووُحدت مجددا عام 1990. اليوم، في أعقاب فشل الثورة، استغل الحوثيون بإيحاء و دعم إيران، الفراغ السياسي لإقامة كيان يمني شيعي جنوب البلاد. أما فيما يتعلق بالسنة، فسوف يظلون في الشمال قريبون من جارتهم السعودية، التي دعمت النظام اليمني في صراعه ضد الحوثيين.
لا يبدو ذلك الشرق الأوسط الجديد كما تصورناه قبل 20 عاما. أثبت الواقع أن الاستقرار بالشرق الأوسط بعيد المنال، ومن يمكنه تخيل ما سيحدث في النهاية؟.