جاء محمود درويش الى بيروت من عمان لتوقيع كتابه في معرض الكتاب في جناح شركة رياض الريس للكتب والنشر . وذهبت لاستقباله مساء في صالة الشرف بمطار رفيق الحريري الدولي.
عندما وصل عانقته وسألني عن أخباري ملاحظا أن وجهي أصفر والتعب باد علي. قلت له أن الأمور طبيعية وصحتي جيدة. ألح علي بالسؤال قائلا: فيه إيه يا راجل مالك عماد ؟
(كان محمود قلقا من مرضه بالشريان الأبهر واعتقدت حينها أن قلقه ينسحب على الآخرين كما هو معروف لشدة تيقظه وحساسيته أو لأنني بدوت له مريضا أو تعبا .. لست أدري ) أجبته بدهاء وقد استبد بي مزاج العبث كي أجعله يضحك - وهو من لا تستطيع محادثته بشكل جيد الأ إذا أثرته : خليها على الله يا محمود ! هنا ازداد إصررا على معرفة ماذا بي ، وكنا قد استقلينا السيارة. قال : يا زلمي احكي مالك ؟ واذا ما فسرتلي بوقف السيارة وانزل ! .. ماطلته قليلا وقلت له أنني سأتوسع بالشرح حينما نصل الى فندق البريستول وبعدها الى منزل الأستاذ رياض الريس ، فاهدأ وفكر بالحقول والزهور والأشياء المهدئة للأعصاب . فصرخ : عمااااااد .. شو الحكايي . سارعت الى القول أنني أعاني من قلق شديد لا يجعلني أتمكن من النوم ليلا وأظل ساهرا حتى ساعات الصباح الأولى . فرد : ليش .. شو السبب احكي . فقلت له أن قضية مزارع شبعا تمنعني من النوم ( تصوروا معي محمود الفاقد لثلاثة أرباع فلسطين وشاعر الوطن والأرض الخ . يسمع هذه الخبرية ) فانفجر ضاحكا لأنه اكتشف لعبتي وقال وقد استحسن الملعوب : يخرب بيتك شغلتلي فكري .. أي معك حق .. مزارع يا أبو المزارع .. رح احكيلو لرياض شو عملت فيي .. !
وبقي محمود الحبيب ، الناحل ، الأنيق ، الأريستقراطي ، المتوتر على الدوام شعرا وفكرا ومساجلة ، بقي طيلة المعرض يقول لي : تفضل يا أبو المزارع .. فينك يا أبو المزارع .. قلتلي مزارع .. ؟
ثمة مؤانسات بيني وبينه ومفارقات أخرى أرويها لاحقا ..
لتبق ذكراك عطرة أيها الشاعر الكبير الحبيب .. أيها الوريث الشرعي لإيقاع الشعر العربي .
*قاص لبناني
عن الفايسبوك