أميركا اللاتينية فريسة الشعبوية اليمينية واليسارية

alrumi.com
By -
0

Print A+a-

النسخة: الورقية - دوليالأربعاء، ١٣ يوليو/ تموز ٢٠١٦ (٠١:٠ - بتوقيت غرينتش)
أصوات قليلة حالت دون انتخاب ابنة المستبد ألبرتو فوجيموري (1990-2000) لرئاسة البيرو. فـ40 ألف صوت تفصل بين المرشحة كيكو فوجيموري، الشعبوية اليمينية، وبين الفائز بيدرو بابلو كوزينسكي، اليميني الوسطي. ففي الجولة الثانية من الانتخابات، في الخامس من حزيران (يونيو) المنصرم، أيد البيروفيون المقيمون في الخارج كوزينسكي ورجحوا كفته، على رغم أن آلاف البيروفيين المقيمين في اليابان صوتوا لابنة فوجيموري. فهم مثله يتحدرون من أصول يابانية واحدة. وفي بلد تهيمن عليه منذ 17 عاماً شعبوية يسارية مستوحاة من الرئيس الفنزويلي السابق، هوغو شافيز، اقترعت غالبية المقيمين في الخارج لشعبوية يمينية.
وقلة من المراقبين تطعن في صفة «شعبوية يمينية» حين تناول كيكو فوجيموري، وثمة إجماع على وصف قوى اليسار بالشعبوية. ولكن أوروبا تلتزم الحذر حين تطلق هذه الصفة (الشعبوية) على تيار سياسي الى اليسار. فشطر راجح من الشعبويين الأوروبيين هو الى أقصى اليمين.
ولكن الشعبوية في أميركا اللاتينية ضاربة الجذور في إرث الدراسات الإنسانية والاستراتيجيات السياسية. وثلاثة من أبرز أعلامها هم غيتوليو فارغاس في البرازيل (1930-1945)، والجنرال لازارو كارديناس في المكسيك (1934-1940) والجنرال خوان بيرون في الأرجنتين (1946-1955). وهؤلاء القادة الثلاثة أنشأوا حركات سياسية خلفت أثراً راجحاً في بلادهم. وإثر أزمة 1929، ضبطوا التطرف الشعبي من طريق سياسات اجتماعية حسنت أحوال المأجورين والفلاحين المعيشية واستوحت قانون عمل بينيتو موسوليني. وشرّعت هذه الدول الثلاث، البرازيل والمكسيك والأرجنتين، الأبواب أمام الجمهوريين الإسبانيين، ولكنها أوصدتها (الأبواب) في وجه اليهود الهاربين من اوروبا، وتذرعت بأنهم لاجئون دينيون وليسوا لاجئين سياسيين. واستقبل خوان بيرون المجرمين النازيين.
وفي القرن العشرين، لم يكن اليسار اللاتيني – الأميركي لصيقاً بالشعبوية، وتميز عنها. ولكنها كانت ظاهرة هجينة متغيرة الألوان ينقسم حولها المناضلون. فالشيوعيون والاشتراكيون والمناضلون من أقصى اليسار صاغوا هويتهم في مواجهة الشعبويين وسطوتهم على الحركة النقابية. وفي 1980، حين أسس النقابي البرازيلي، لويس ايناسيو لولا دا سيلفا، حزب «العمال»، رمى الى تمييز حزبه عن «الحزب الشيوعي البرازيلي» و «الحزب العمالي» الذي أسسه فارغاس وأداره ليونيل بريزولا. وفي 1999، قسّم بلوغ هوغو شافيز سدة السلطة في فنزويلا، صفوف اليسار، على نحو ما فعل قبل ثلاثين عاماً نظام الجنرال خوان ألفارادو في البيرو (1968-1975). فالإصلاحي العسكري البيروفي زرع البلبلة في صفوف اليسار والشقاق بين اليسار وأقصى اليسار. والشافيزية فاقمت تذرر المجتمع الفنزويلي. فأصاب الوهن الاشتراكية – الديموقراطية المحلية، «أكسيون ديموقراطيك»، ركن الاشتراكية الدولية في أميركا اللاتينية في عهد الديكتاتوريات العسكرية، في وقت انضم ما تبقى من الحزب الشيوعي الفنزويلي الى النظام الجديد.
وفي مطلع الألفية الثالثة، في أميركا اللاتينية وفنزويلا، تعذر تناول «اليسارييْن» والتمييز بين الإصلاحيين والشعبويين. وفي منتدى بورتو أليغري، كان التنافس بينهما بارزاً. ولكن عدوى الشافيزية انتقلت الى شطر راجح من اليسار اللاتيني – الأميركي. فاستعاض حزب «العمال» البرازيلي عن الإصلاحات البنيوية بتأييد كوبا وفنزويلا، واكتفى بالتقاط صورته مع قادة «بريكس» (البرازيل وروسيا والهند والصين وأفريقيا الجنوبية) الجماعية. فانحنت الديبلوماسية أمام الأيديولوجيا وتراجعت، وغرقت السياسة في وحول البترودولار.
والشعبوية هي نازع راسخ في السياسة اللاتينية – الأميركية العاجزة عن رص صفوف أحزاب متماسكة ومستدامة قادرة على إبرام تحالفات تجمع على مشاريع وخطط. والميل الى الشعبوية يصيب اليسار واليمين على حد سواء. ولكن اليسار كله لم يستسلم أمام الشعبويين. وخير مثال على ذلك الائتلاف الحكومي الوسطي اليساري في الشيلي والأوروغواي.
وليس انحسار أسعار المواد الأولية بعد بلوغها الذروة العامل اليتيم في الانعطاف الذي بدأ في أميركا اللاتينية منذ نهاية 2015. فثمة دواع سياسية وخاصة بكل بلد. فمع هزيمة البيرونية في الأرجنتين والتشافيزية في فنزويلا، اختار الناخبون التيارات الوسطية. وعلى خلاف ما يزعم الخاسرون، لم يبزغ عهد يمين حاد ولم تعد البلاد الى الديكتاتورية. والانتخابات وسطية وتفترض تحالفات ومفاوضات لبلوغ إجماع. ورفض تداول السلطة ينكر الوقائع الانتخابية والمؤسساتية. والشعبويون لا يقرون بدولة القانون وقواعد الديموقراطية الأولية.


* مراسل، عن «لوموند» الفرنسية، 30/6/2016، إعداد منال نحاس.
للكاتبTags not available
 
 
 

إرسال تعليق

0تعليقات

إرسال تعليق (0)