إذا ما عقدنا مقارنةً سريعةً بين "الدولة الإسلامية في العراق والشام"، داعش، "والدولة الإسلامية" في إيران، فسنعثر بكلّ بساطة ليس على التشابه الشديد بينهما فحسب، بل على التطابق الحرفيّ في كلّ شيء. فعمامة المرشد الروحي علي خاميني، "قائد الثورة الإسلامية" سوداء، وكذلك عمامة زعيم المسلمين الجدد وخليفة داعش أبو بكر البغدادي. واللحية هي نفسها، بشقيّها الأبيض والأسود وحتّى طولها وطريقة قصّها وتشذيبها. والخطاب هو نفسه واللغة هي نفسها والأسلوب هو نفسه في إبادة الآخرين المختلفين – وهناك تطابق في الواقع بين الفقه السنّي والشيعيّ، فهما يتفقان مثلاً في تحليل شرب بول البعير وتحريم قطع الخبز بالسكّين – والأهداف هي نفسها والتي تقوم على تعزيز السلطات السياسية والاقتصادية والروحية وتوسيع النفوذ
الجغرافي. لكن هناك ثلاثة فروق جوهرية أوّلها وأهمّها هو أن الشاه عندما تخلّى عن العرش مجبراً غادر بلده الذي أسسه هو وأبوه رضا بهلوي، دون أن يدمّر مؤسساته وبناه التحتية مثلما يفعل الحاكم العربي عادةً. فاستلم الخميني ونظامه دولةً حديثةً نسبياً وجاهزةً من حيث القدرات الاقتصادية والعسكرية، فلم يفعلا سوى إقصاء بعض الجنرالات المحسوبين على نظام الشاه المخلوع، وأبقوا على كلّ شيء كما تركه الشاه، ولم يغيروا سوى الدستور والعلم، فوضعوا كلمة الله على العلم. على الرغم من أنّ الشاه كان شيعياً مؤمناً، وربّما كان أكثر إيماناً منهم، إذ أنّه هو الذي كان يهتم بصيانة "العتبات المقدسة" في العراق ويتبرع بالأموال الطائلة من أجل تجديدها. لكنّ دولة داعش لم ترث من نظاميّ صدّام والأسد البعثيين سوى الدمار الشامل والفقر المدقع. فعاجل النظام الإسلامي الجديد في تركيا إلى احتضان داعش وبمباركة أمريكية-غربية وتمويل سعودي وقطري وتنسيق أردني ومغربي. ونجح أردوغان في تشكيل محور "سنّي" بقيادته، وضم إليه فوراً النظامين الأردني والمغربي، ثم قدم الحساب إلى الملك السعودي والأمير القطري. ونحن نعلم بأنّ الأنظمة العربية النفطية الغنيّة لا تقدم دعماً مالياً إلا بشرط واحد وهو: قتل المزيد من العرب. وهذا أيضاً فرق آخر، فإيران تدفع أموالاً وتقدم سلاحاً لكي يقتل العرب بعضهم بعضاً، شريطة أن لا يقتربوا من إيران ونظامها.
والفرق الجوهري الثالث هو أنّ إيران استطاعت الاحتفاظ ببعض الاستقلالية ورفعت شعارات معاداة أمريكا والغرب وضرورة محاربة الشيطان الأكبر الذي تتمنّى أن تستورد منه الآن مئة طائرة بوينغ لتجديد أسطولها الجوّي. فتركها الغرب تفعل ما تشاء، لأنّ الدولة الشيعية الإيرانية لم تؤذ سوى العرب ولم تضعف سوى أنظمتهم ولم تحارب سوى الدول الشيوعية ومنها الاتحاد السوفيتي – هل تتذكرون رسالة الخميني إلى غورباتشوف والتي ناشدها فيها أن ينبذ الشيوعية ويعتنق الإسلام؟
في حين تحوّلت داعش إلى أداة قذرة تستغلها ستون دولة وتتحكم بها تركيا خاصةً، والولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا، بحجة دعم المعارضة المعتدلة.
ونودّ في الأخير أن نشير إلى أهم عامل في هذه المقارنة والذي قد يقلب المعادلة كلّها بين ليلة وضحاها ونعني به الشعب. فالشعب الإيراني إذا ما انقلب على النظام الشيعيّ، فإنّه سيلغي الدستور الدموي لنظام الخميني فوراً، بينما سيزداد العرب تمسكاً بكلّ ما هو قذر في معتقداتهم الدينية في حالة تحرير تراب العراق وسوريا من براثن داعش.
عن الفايسبوك