جان – جاك لاروشيل
الأربعاء، ١٧ يونيو/ حزيران ٢٠١٥ (الحياة)
في ذكرى خمسين عاماً على غياب لو كوربوزييه (1887-1965)، ينظم مركز بومبيدو في باريس معرضاً يدور على أعمال المعماري الكبير عنوانه «مقاييس الإنسان». ويدعو المعرض الجمهور الى فهم مقاربة أكثر المعماريين نفوذاً في القرن العشرين، للإنسان. فمكانة الجسم ارتقت في أعماله مبدأ جامعاً عاماً تنتظم حوله أبعاد المكان، الداخلية والخارجية. ولا يسلط «مقاييس الإنسان» الضوء على مواقف لو كوربوزييه الأيديولوجية على رغم أن عدداً من الكتب الصادرة، أخيراً، تناول ميله الى الفاشية. والتزم المركز الباريسي تسليط الضوء على هذا الجانب من حياة المعماري الكبير في ندوة ينظمها في 2016.
واختار أوليفييه سانكالبر وفريدير ميغايرو عرض أعمال لو كوربوزييه في تسلسل زمني ييسر على الزائر تتبع مراحل عمل المعماري وإلقاء نظرة على الوثائق التي تحمل أثر العمل هذا بدءاً بالرسوم الهندسية والصور ووصولاً الى اللوحات والمنحوتات. وهذه الوثائق تسلم الزائر مفاتيح فهم أعمال لوكوربوزييه. ويفتتح المعرض بفيلم صغير الصوت فيه مشوش: يتعرف الزائر على المؤلف الموسيقي والخبير في شؤون الأطفال إيميل جاك- دالكروز (1865- 1950). وهو ابتكر طريقة تستند فيها الأذن الموسيقية إلى تجارب الجسم كله في علاقته بالمكان المحيط به والمشتمل عليه. ويدور كلام دالكروز على نموذج أو مثال تناغم وتناسق يتوجه إلى أطفال المعمورة كلها. وفي 1910، أنشأ مؤسسة في المدينة– الحديقة في هيلرو الألمانية ترفع لواء النموذج هذا. وجذب المشروع عدداً كبيراً من الفنانين، منهم لو كوربوزييه، فالمعماري تعرف إلى «دينامية المكان وجماليته التي تحتسب إيقاع الحركة والجسم المدرك». وهذه المفاهيم خلفت أثراً كبيراً في لو كوربوزييه. وإثر الحرب العالمية الأولى، رسم المعماري مكعباً بسيطاً أبيض اللون. وصار العلم على الوحدة المفاهيمية والإدراكية لحركة الـ «بوريسم» الفنية، وهي حركة تلت التكعيبية، ودارت أعمالها على أشياء الحياة اليومية وإعلاء شأن الأشكال البسيطة. واستند لو كوربوزييه والرسام أميديه أوزنفان إلى مبدأ البوريسم في أعمالهما، وسعيا إلى التزام رؤية تحتكم فيها الأشياء إلى مسار ناظم لا يتدخل فيه الإنسان. وفي وقت كان بيكاسو يقلّب أوجه شخصية الـ «أرلوكان» (المهرج في الكوميديا الإيطالية)، أرسى لو كوربوزييه نظاماً يرتب الأشكال والألوان ويلفظ كل اضطراب ومبالغة وفائض. وبدا أن نهجه أقرب الى تكعيبية مشذبة تهيمن عليها «روح صناعية وميكانيكية وعلمية»، على قوله.
ورفع الشاعر غيوم أبولينير لواء مفهوم الـ «نوفيل إسبري» (الروح الجديدة). وتنتسب هذه «الروح» إلى الإرث الكلاسيكي وتحتكم الى «حس الواجب الذي يتخفف من المشاعر ويحد أثرها ويضبط مظاهرها». وجعل لو كوربوزييه وأوزنفان البيان الأبولينيري لسان حال عملهما، ووسما مجلة نشراها بالتعاون مع بول ديرمييه بين 1920 و1925 بـ «نوفيل إيسبري». وشارك لوكوربوزييه وقريبه بيار جانيريه في معرض فنون التزيين والصناعة الدولي في جناح حمل الاسم نفسه (الروح الجديدة). والأثاث الذي صممه لو كوربوزييه كان في مثابة «عتاد». فبنى الأثاث معدنية وشكلها يحاكي الأنابيب. وهذه البنى ترسم شكل الأشياء من الكنبات إلى كرسي الاسترخاء والطاولات، وتتكيف مع أشكال الجلوس المختلف وأشكال الحركة المتنوعة. وفي توليف صوري صادر في 1928 عرضت شارلوت بيريان دراسة تقصت مراعاة المعماري الكبير حين تصميم الأثاث أشكال عمل مستخدمها ووضعيات جسمه.
وبدأ لو كوربوزييه في أربعينات القرن الماضي التفكير في مشروع انتهى بعد أكثر من عقد إلى تحديد مقاييس «مودولور»، وهو نموذج إنسان طوله 183 سنتم، أو 226 سنتم حين رفع اليدين. وقدم المعماري نموذجه على أنه معطى فلسفي وحسابي وتاريخي، وفي تصاميمه لوحدات سكنية في مرسيليا وريزييه وبرلين وبري وفيرميني، التزم لو كوربوزييه مقاييس «مودولور». وفي الوقت نفسه، بدأ يبتعد من النموذج الذي التزمه في رؤيته المعمارية والهندسية ليلج مرحلة «الاستثنائي» على قوله، أو «العصي على الوصف»، ونهل من مرحلة أبحاثه «السمعية»، واستوحى الأشكال الإنسانية في أعماله الجديدة حين تحديد أحجام الأشياء وألوانها. وفن النحت هو مرآة أثر الأشكال التي تحمل بصمات الأماكن المحيطة بها، على قول لو كوربوزييه.
* صحافي، عن «لوموند» الفرنسية، 7-8/6/2015، إعداد منال نحاس
الأربعاء، ١٧ يونيو/ حزيران ٢٠١٥ (الحياة)
في ذكرى خمسين عاماً على غياب لو كوربوزييه (1887-1965)، ينظم مركز بومبيدو في باريس معرضاً يدور على أعمال المعماري الكبير عنوانه «مقاييس الإنسان». ويدعو المعرض الجمهور الى فهم مقاربة أكثر المعماريين نفوذاً في القرن العشرين، للإنسان. فمكانة الجسم ارتقت في أعماله مبدأ جامعاً عاماً تنتظم حوله أبعاد المكان، الداخلية والخارجية. ولا يسلط «مقاييس الإنسان» الضوء على مواقف لو كوربوزييه الأيديولوجية على رغم أن عدداً من الكتب الصادرة، أخيراً، تناول ميله الى الفاشية. والتزم المركز الباريسي تسليط الضوء على هذا الجانب من حياة المعماري الكبير في ندوة ينظمها في 2016.
واختار أوليفييه سانكالبر وفريدير ميغايرو عرض أعمال لو كوربوزييه في تسلسل زمني ييسر على الزائر تتبع مراحل عمل المعماري وإلقاء نظرة على الوثائق التي تحمل أثر العمل هذا بدءاً بالرسوم الهندسية والصور ووصولاً الى اللوحات والمنحوتات. وهذه الوثائق تسلم الزائر مفاتيح فهم أعمال لوكوربوزييه. ويفتتح المعرض بفيلم صغير الصوت فيه مشوش: يتعرف الزائر على المؤلف الموسيقي والخبير في شؤون الأطفال إيميل جاك- دالكروز (1865- 1950). وهو ابتكر طريقة تستند فيها الأذن الموسيقية إلى تجارب الجسم كله في علاقته بالمكان المحيط به والمشتمل عليه. ويدور كلام دالكروز على نموذج أو مثال تناغم وتناسق يتوجه إلى أطفال المعمورة كلها. وفي 1910، أنشأ مؤسسة في المدينة– الحديقة في هيلرو الألمانية ترفع لواء النموذج هذا. وجذب المشروع عدداً كبيراً من الفنانين، منهم لو كوربوزييه، فالمعماري تعرف إلى «دينامية المكان وجماليته التي تحتسب إيقاع الحركة والجسم المدرك». وهذه المفاهيم خلفت أثراً كبيراً في لو كوربوزييه. وإثر الحرب العالمية الأولى، رسم المعماري مكعباً بسيطاً أبيض اللون. وصار العلم على الوحدة المفاهيمية والإدراكية لحركة الـ «بوريسم» الفنية، وهي حركة تلت التكعيبية، ودارت أعمالها على أشياء الحياة اليومية وإعلاء شأن الأشكال البسيطة. واستند لو كوربوزييه والرسام أميديه أوزنفان إلى مبدأ البوريسم في أعمالهما، وسعيا إلى التزام رؤية تحتكم فيها الأشياء إلى مسار ناظم لا يتدخل فيه الإنسان. وفي وقت كان بيكاسو يقلّب أوجه شخصية الـ «أرلوكان» (المهرج في الكوميديا الإيطالية)، أرسى لو كوربوزييه نظاماً يرتب الأشكال والألوان ويلفظ كل اضطراب ومبالغة وفائض. وبدا أن نهجه أقرب الى تكعيبية مشذبة تهيمن عليها «روح صناعية وميكانيكية وعلمية»، على قوله.
ورفع الشاعر غيوم أبولينير لواء مفهوم الـ «نوفيل إسبري» (الروح الجديدة). وتنتسب هذه «الروح» إلى الإرث الكلاسيكي وتحتكم الى «حس الواجب الذي يتخفف من المشاعر ويحد أثرها ويضبط مظاهرها». وجعل لو كوربوزييه وأوزنفان البيان الأبولينيري لسان حال عملهما، ووسما مجلة نشراها بالتعاون مع بول ديرمييه بين 1920 و1925 بـ «نوفيل إيسبري». وشارك لوكوربوزييه وقريبه بيار جانيريه في معرض فنون التزيين والصناعة الدولي في جناح حمل الاسم نفسه (الروح الجديدة). والأثاث الذي صممه لو كوربوزييه كان في مثابة «عتاد». فبنى الأثاث معدنية وشكلها يحاكي الأنابيب. وهذه البنى ترسم شكل الأشياء من الكنبات إلى كرسي الاسترخاء والطاولات، وتتكيف مع أشكال الجلوس المختلف وأشكال الحركة المتنوعة. وفي توليف صوري صادر في 1928 عرضت شارلوت بيريان دراسة تقصت مراعاة المعماري الكبير حين تصميم الأثاث أشكال عمل مستخدمها ووضعيات جسمه.
وبدأ لو كوربوزييه في أربعينات القرن الماضي التفكير في مشروع انتهى بعد أكثر من عقد إلى تحديد مقاييس «مودولور»، وهو نموذج إنسان طوله 183 سنتم، أو 226 سنتم حين رفع اليدين. وقدم المعماري نموذجه على أنه معطى فلسفي وحسابي وتاريخي، وفي تصاميمه لوحدات سكنية في مرسيليا وريزييه وبرلين وبري وفيرميني، التزم لو كوربوزييه مقاييس «مودولور». وفي الوقت نفسه، بدأ يبتعد من النموذج الذي التزمه في رؤيته المعمارية والهندسية ليلج مرحلة «الاستثنائي» على قوله، أو «العصي على الوصف»، ونهل من مرحلة أبحاثه «السمعية»، واستوحى الأشكال الإنسانية في أعماله الجديدة حين تحديد أحجام الأشياء وألوانها. وفن النحت هو مرآة أثر الأشكال التي تحمل بصمات الأماكن المحيطة بها، على قول لو كوربوزييه.
* صحافي، عن «لوموند» الفرنسية، 7-8/6/2015، إعداد منال نحاس