فداء عيتاني... الا ليتنا ابتلينا بالفاشية

alrumi.com
By -
0


لو قدر الله وابتلينا بالفاشية لكان البعض منا قد تمكن من رسم خيوط لمواجهتها، على الاقل اعتراضيا، لفظيا، الا ان ما ابتلينا به عنصرية متصدعة، ومنهزمة، سكرت من كثرة رائحة الدم والكراهية المتصاعدة من كل حدب وصوب، واستمدت من فاشيات اخرى صلفها وعنجهيتها، مفتقدة لابسط قواعد السلوك القويم او مشاريع الفاشيات السياسية.

لا يحق لقوى حالية في المنطقة العربية التحدث بسردية فاشية، وحدهما حزب الله ودولة الخلافة (داعش) يحق لهما اطلاق الصفة الفاشية على نفسيهما، بعدهما قد تأتي جبهة النصرة وقد لا تستوفي كل الشروط، ولكنها حتما في المرتبة الثالثة، بعد وراثتها لاهم نقاط قوة تنظيم القاعدة، وحفاظها على فعالية تكاد تكون الاعلى بين فروع التنظيم. البعث يكاد يكون متلاش، ونظامه السوري الاخير يتهاوى كنظام وقد اعلن الافلاس السياسي منذ ما يزيد عن عشرة اعوام، ان لم يكن عقدين ونصف من الزمن، واصبح منتحل صفة الفاشية، بينما في الواقع ليس اكثر من دولة الجريمة المنظمة، او العائلة المافياوية التي يغزوها الفساد بعد ان عممته بنفسها كأسلوب حكم.

حزب الله ودولة الخلافة (داعش) يمكنهما الافتخار بحملهما لنواة مشاريع عنصرية تحاول تأسيس النقاء العرقي – المذهبي، في اطار دولة صغيرة، معلنة او مضمرة، تمارس النبذ تجاه المختلف او الاخر. واعلاء شأن الامة التي يجمعها عنصر واحد، الدين المذهب الخ.

ولكن بين الفينة والفينة تصعد الى السطح فاشيات وعنصريات تكاد تعصى على التفسير، فان كانت الفاشية تسعى لبناء الدولة الخالدة التي تحمل حلول لكل مشاكل المجتمع، فان العنصريات التي تتفجر لا تحمل الا بقايا فاشيات مهزومة، ومحبطة، والكثير من عناصر التفكك والنبذ وطرد الاخر، دون ان تقدم اي مشروع، او حتى دون ان تتمكن من تقديم نفسها بشكل واع، او تنتمي لمشروع واضح.

وهكذا انفجرت موجة من الكراهية المتبادلة ما بين اللبنانيين والسوريين على خلفية محاولة تسلل بعض العناصر الاسلامية، التي يرجح ان تكون منتمية الى تنظيم الخلافة (داعش). وكان كافيا ان يفشل هؤلاء العناصر في التسلل ويفجرون انسفهم على دفعتين، حتى ينكشف كل مستور بين اللبنانيين والسوريين، من عداء وكراهية واحقاد عنصرية، وباستخدام مختلف الشتائم والاوصاف.

القتلى من تنظيم داعش، ممن يفترض انهم انتحاريون اكثر من الضحايا المدنيين من اللبنانيين، والفائدة الوحيدة المرجوة بعد تفجير مشابه هي وضع هؤلاء القتلى الانتحاريين في حساب المروية التي يعتمدها حزب الله، وطبعا المزيد من تحلل السلطة اللبنانية، وخاصة اجهزتها الامنية، التي تتجاوز بصعوبة الايام في محاولة البقاء على قيد الحياة بعد تحلل السلطات الاخرى في البلاد.

الا ان الاحقاد اللبنانية المتوارثة من اجيال سابقة ظهرت على السنة الاجيال الجديدة، مستخدمة نفس الحكايات والافكار والشعارات التي خيضت بها الحرب الاهلية قبل اربعين سنة من الان، ولم يتسن للمرددين من الموتورين حتى استثناء الفلسطينيون من نزعاتهم العنصرية، بل حافظوا على شعارات ابائهم في الكراهية والحقد، فورد في كلامهم وشتائمهم ذكر الفلسطينيين، الذين لا ناقة لهم ولا جمل في كل ما حاليا.

لم تنحصر موجة الكراهية العنصرية في الفئات المسيحية، التي رفعت في مرحلة من المراحل “اعرف عدوك: السوري عدوك” (هكذا السوري، وليس النظام او البعث او البعثيين)، بل امتدت الى العديد من الذين ايدوا الثورة السورية، والتي كان جل تأييدهم للثورة مرده كراهية النظام القائم، والى انصار حزب الله طبعا، الذي يستندون في الكراهية الى مروية الحزب اولا حول القتال في سوريا والتدخل الاحتلالي، وثانيا الى التنابذ المذهبي بينهم وبين السنة، الذين تحولوا في نظرهم الى “سعوديين وهابيين ارهابيين” كائنا من كانوا وكيفما اتجهوا.

النزعات العنصرية هذه لن تلبث لاحقا ان تنعكس كراهية بين الطوائف اللبنانية نفسها، هي كانت في الماضي القريب جدا كذلك، سواء ابين السنة والشيعة، ام بين الشيعة وجزء من المسيحيين، او بين المسيحيين وبعضهم، او بين الدروز والسنة والمسيحيين (الخ). وكونها باغلبها مجرد صدى لفاشيات صغيرة مهزومة، ستتردد مطولا بين جنبات المكونات المذهبية اللبنانية ضاربة حينا هنا وحينا هناك.

لم يخيب السوريون الرجأ اذا اجابوا على موجة الكراهية اللبنانية باعلان مكنوناتهم الاشد قتامة تجاه اللبنانيين، معممين في الواقع على كل الشعب اللبناني الصفات السلبية نفسها، فكل الشعب اللبناني كذا وكيت، ولا تخرج هذه الامواج من الكراهية الا من خلال مصدرين، الاول هو بقايا الفاشية البعثية التي غرست عمقيا في شعب باكمله رغم ارادته، وثانيا من ردة فعل مقهورة عما عاشه البعض من السوريين في لبنان في الاعوام الاخيرة، او ما سمعوه عن ممارسات طاولت اللاجئين، وجلها صحيح.

لن تنكسر موجة الاحقاد والكراهية بكلمات طيبة، ولن تتراجع بموجب “حسن نوايا” الخلافة الاسلامية (داعش) او حزب الله، على العكس طبعا، فهي العوامل التي تشجع وتحفز استمرارها، ولن يقتنع سوري بحسن طوية لبناني، او يقتنع اللبنانيون بالمظلومية السورية متعددة المصادر. كل ما هناك اننا سنراكم احقادا نجعل ابنائنا يرددونها من بعدنا، تماما كما يحصل اليوم، ان لم نتفق على صيغة لحياة مشتركة في بلادنا تبدو كل يوم ابعد فابعد.

 عن https://godottoldus.wordpress.com/2016/07/03/%D8%A7%D9%84%D8%A7-%D9%84%D9%8A%D8%AA%D9%86%D8%A7-%D8%A7%D8%A8%D8%AA%D9%84%D9%8A%D9%86%D8%A7-%D8%A8%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%A7%D8%B4%D9%8A%D8%A9/


إرسال تعليق

0تعليقات

إرسال تعليق (0)