حرية التعبير في العالم (تقرير للإيكونوميست في يونيو 2016)

alrumi.com
By -
0

الهجوم على حرية التعبير


نعيش، بمعنى من المعاني، عصرا ذهبيا لحرية التعبير. فبوسع هاتفك الذكي أن يأتيك بجرائد من الجانب الآخر من العالم في غضون ثوان معدودات. وفي كل يوم ينشر أكثر من بليون تغريدة [تويتة]، ومنشور فيسبوكي، وتدوينة. وبوسع كل ذي اتصال بالإنترنت أن يكون ناشرا، وكل قادر على الوصول إلى ويكبديا أن يلج ملاذا آمنا يسود فيه التعديل الأول في الدستور الأمريكي.
غير أن المراقبين يقولون إن الجهر بالقول يصبح أكثر خطورة، وهم على حق في هذا. إذ يتبيَّن من تقرير لنا أن محددات حرية التعبير تزداد ضيقا. وما لهذا العالم إلا أن يسوده الجبن والجهل لولا تنافس الأفكار.
حرية التعبير تتعرض للهجوم عبر ثلاثة سبل. أولا: قمع الحكومات يتزايد. فلقد أعادت دول عديدة فرض محاذير الحرب الباردة أو محاذير أخرى جديدة. بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، نعمت روسيا بجدال محتدم حرٍّ من أي قيود. وفي ظل حكم فلاديمير بوتين ازدادت القيود إحكاما. جميع المنابر التليفزيونية والإخبارية الأساسية الآن خاضعة لسيطرة الدولة أو لسيطرة أصدقاء بوتين. وربما لم يعد من المحتمل إرسال من يطرح من الصحفيين أسئلة كريهة إلى معسكرات العمل، ولكن العديدين منهم اغتيلوا.
أصدر الزعيم الصيني زي جينبينج أوامره باتخاذ خطوات صارمة عقب وصوله إلى السلطة في 2012، مشددا الرقابة على وسائل الإعلام الاجتماعي، واعتقل مئات المعارضين، واستبعد الجدل اللبرالي في الجامعات لصالح زيادة جرعة الماركسية. وفي الشرق الأوسط، أتاحت الإطاحة بالطغاة أثناء الربيع العربي للناس أن يتكلموا بحرية للمرة الأولى منذ أجيال. وهذا مستمر في تونس، أما سوريا وليبيا فهما أشد خطرا على الصحفيين مما كانتا عليه قبل الثورات، ومصر يحكمها رجل يقول، وهو جامد الوجه، "لا تستمعوا إلا لي أنا".

الكلمات والعصي والحجارة
ثانيا: هناك عدد مقلق من اللاعبين غير الحكوميين الذين يمارسون الرقابة من خلال الاغتيال. ففي المكسيك غالبا ما يتعرض الصحفيون الذين يغطون أخبار الجريمة والفساد للاغتيال، وقد يكون هذا مسبوقا بالتعذيب. والجهاديون يذبحون من يرون أنهم وجَّهوا إهانة لعقيدتهم. وحينما يقول الكتّاب والفنانون أي شيء قد يعد قليل الاحترام للإسلام، تكون هذه مخاطرة. والمدونون العلمانيون في بنجلاديش يقطَّعون حتى الموت (كما يتبين في التقرير)، ورسامو الكاريكاتير الفرنسيون يتعرضون للرصاص في مقراتهم. والجهاديون يؤذون المسلمين أكثر ممن عداهم، وليس أقل وسائل ذلك أنهم يزيدون من صعوبة إجرائهم نقاشا أمينا حول الكيفية التي ينبغي أن ينظموا بها مجتمعاتهم.
ثالثا: انتشرت فكرة أن للناس والجماعات الحق في أن لا يتعرضوا للإهانة. وقد يبدو هذا أمرا لا غضاضة فيه. فالتهذب في نهاية المطاف فضيلة. ولكن حقي في أن لا أهان معناه أن يوجد من يراقب ما يقال عني، أو عن كل عزيز عليّ، من قبيل جماعتي العرقية، أو ديني، أو حتى معتقداتي السياسية. ولأن الإهانة نسبية، فالسلطة التي تراقبها هائلة واعتباطية.
ومع ذلك، يعتقد كثير من الطلبة في أمريكا وأوربا أنه لا بد من جهة تمارس [هذه الرقابة]، ولا بد من بعض التراجع إلى استبدادية سياسات الهوية، فيرون أنه ليس للرجال الحق في الكلام عن النسوية وليس للبيض حق الكلام عن العبودية. وآخرون منعوا متحدثين يتسمون بالعمق والشهرة ـ مثل كوندليزا رايس وأيان هيرسي علي ـ من الحديث في الحرم الجامعي (انظر التقرير).
إن الخوف على ضحايا التمييز أمر محمود. واحتجاج الطلبة في ذاته ضرب من ضروب حرية التعبير. ولكن الجامعة هي المكان الذي ينبغي أن يتعلم الطلبة فيه كيف يفكرون. وهذه المهمة مستحيلة إذا كانت الأفكار غير المريحةغير محددة. والاحتجاج قد يتحول بسهولة إلى أمر شديد الندرة: فجامعة كاليفورنيا على سبيل المثال ترى أنه من قبيل "العدوان العنصري البسيط" أن يقال إن "أمريكا أرض الفرص" لأن ذلك قد يعني أن من لا ينجحون لا ينبغي أن يلوموا إلا أنفسهم.

الحقيقة المزعجة

وللتعصب في أوساط اللبراليين الغربيين هو الآخر عواقبه غير المقصودة. فحتى الطغاة يعلمون أن إسكات المعارضين المفوهين السلميين يشوه السمعة. ولدى كل دول العالم تقريبا قوانين تحمي حرية التعبير. لذلك يبحث الطغاة طول الوقت عن ذرائع تبدو محترمة لسحق هذه الحرية. ومن هذه الذرائع الأمن الوطني. فقد حكم في روسيا أخيرا على المدون فاديم تايومينتسيف بالسجن خمس سنوات لترويجه "التطرف" بعدما انتقد السياسة الروسية في أوكرانيا. "وخطاب الكراهية" ذريعة أخرى. فالصين تحبس من يروجون لاستقلال التبت بدعوى "إثارة الكراهية العرقية"، والعربية السعودية تجلد المجدفين، والهنود قد يتعرضون للسجن حتى ثلاث سنوات إذا ما روجوا للاختلاف "على أساس الدين أو العرق أو الطبقة أو أي أساس مهما يكن".
يختلف الخطر على حرية التعبير في الجامعات الغربية كثيرا عن الخطر الذي يواجهه الملاحدة في أفغانستان أو الديمقراطيون في الصين. ولكن حينما يوافق المفكرون التقدميون على ضرورة خضوع الكلمات المهينة للرقابة، فهذا يساعد أنظمة الحكم الاستبدادية على تبرير محاذيرهم الكثيرة القاسية، ويساعد الجماعات الدينية المتعصبة على تبرير عنفها. وحينما يعترض دعاة حقوق الإنسان على ما يجري في ظل أنظمة الحكم القمعية، يكون بوسع الطغاة أن يشيروا إلى الدول الديمقراطية اللبرالية مثل فرنسا وأسبانيا اللتين تجرِّمان من "يمجدون" الإرهاب أو "يدافعون" عنه، وإلى تجريم دول غربية كثيرة إهانة دين أو إثارة كراهية عرقية.
الرئيس التركي رجب طيب إردوجان واحد من الرؤساء الذين يستمتعون بتوبيخ الغرب بسبب نفاقه. ففي الداخل، لا يتسامح الرجل مع إهانته في شخصه أو عقيدته أو سياساته. وفي الخارج، يطالب بمثل هذه اللياقة، ووجدها في ألمانيا. ففي مارس ألقى ممثل كوميدي ألماني قصيدة ساخرة منه إذ "يطارد التيوس ويقمع الأقليات" (والاتهام الجاد وحده هو الحقيقي)، فما كان من اردوجان إلا أن لجأ إلى قانون ألماني مهمل قديم يجرِّم إهانة رؤساء الدول الأجنبية. والمدهش أن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل سمحت باستمرار نظر القضية، والأشد إدهاشا أن تسع دول أوربية أخرى لديها قوانين مماثلة، وثلاث عشرة دولة لديها قوانين ضد إهانة رؤسائها أنفسهم.
تكشف استطلاعات الرأي أن دعم حرية التعبير في كثير من الدول الأوربية فاتر ومشروط. فلو أن الكلمات مزعجة، يفضل الناس أن تقوم الحكومة أو سلطة أخرى بإسكات من ينطق بها. وثمة مجموعة من الدول الإسلامية تتحزب من أجل تجريم إهانة الدين بموجب القانون الدولي. وعندهم كل الأسباب الوجيهة ليظنوا أنهم سوف ينجحون في مسعاهم هذا.
لذلك يجدر بنا أن نبسط الأسباب التي تجعل حرية التعبير أساس جميع الحريات. حرية التعبير هي خير دفاع ضد الحكم الرديء. فالساسة الذين يخطئون (والساسة جميعا كذلك) يجب أن يتعرضوا للنقد بلا حدود. وقد يستجيب من يستمعون إلى النقد، أما من يسكتون النقد فلا يمكن أن يتبيّنوا خلل سياساتهم. ولقد لاحظ أمارتيا صن ـ الحائز على جائزة نوبل ـ أنه ما من دولة ديمقراطية ذات صحافة حرة تعرضت لمجاعة.
في جميع مناحي الحياة، يفرز الجدل الحر الأفكار الجيدة من السيئة. والعلم لا يمكن أن يتطور إلا بمساءلة كل يقين قديم. والتابوهات عدو الفهم. وحينما تأمر حكومة الصين علماء الاقتصاد بتقديم تنبؤات متفائلة، فهي تضمن بذلك أن تتأسس سياساتها على معلومات خاطئة. وحينما تقصر كليات العلوم الاجتماعية الأمريكية تعييناتها على الأساتذة اليساريين، ينبغي أن تؤخذ أبحاثها بقدر أقل من الجدية.
ينبغي أن يعترف القانون بالحق في حرية التعبير بوصفه حقا شبه مطلق. ينبغي أن تكون الاستثناءات نادرة. ينبغي حظر استعمال الأطفال في الأفلام الإباحية لأن في إنتاجها إضرارا بالأطفال. والدول بحاجة إلى إخفاء بعض الأسرار، وحرية التعبير لا تعني الحق في نشر شفرات إطلاق الأسلحة النووية. ولكن في أغلب المجالات التي تطالب فيها الحملات بالتهذب (أو الاحترام وهو أسوأ) لا بد من مقاومة هذه الدعوات.
تمثل قوانين التجديف في ذاتها مفارقة تاريخية. فالدين لا بد أن يكون منفتحا للجدال. والقوانين المناهضة لخطاب الكراهية ذاتية بصورة تمنع نجاحها، ويساء استعمالها على أوسع نطاق. وحظر استعمال كلمات أو حجج لاعتبار جماعة ما أنها مهينة لا يفضي إلى التناغم الاجتماعي. بل إن ذلك، على العكس تماما، يمثل دافعا للجميع إلى الحساسية الشديدة تجاه الإساءة وهو ما يسارع الساسة الانتهازيون المعتمدون على دعم الجماعات العرقية إلى استغلاله.
ينبغي حظر التحريض على العنف. ولكن، لا بد من تحديد ذلك على نحو محكم وقصره على الحالات التي يعتزم فيها المتكلم أن يحرض من يوافقونه في رأيه على ارتكاب العنف، وحينما يكون لكلماته تأثير فوري. هذا ينطبق مثلا على صياح شخص في جمع من الناس أمام معبد يهودي "هيا نقتل اليهود". أما كلمات يكتبها سكران على حساب فيسبوكي مجهول يقول فيها "إنني أتمنى لو يموت كل يهود العالم" فقد لا ينطبق عليها التعريف. أما قول شيء مهين عن جماعة يسارع أعضاؤها بعد ذلك إلى الشغب، فهذا يقينا قول لا ينطبق عليه التعريف. لأن أعضاء هذه الجماعة كان يجب أن يردوا بكلام، أو بتجاهل للأحمق الذي أهانهم.
في الدول ذات الأوضاع الملتهبة، مثل رواندا وبوروندي، تختلف الكلمات المحرضة على العنف عن هذه النوعية من الكلمات في دولة ديمقراطية مستقرة. ولكن المبادئ تبقى واحدة. وعلى الشرطة أن تتعامل مع التهديدات الجدية والطارئة، لا أن تعتقل كل متعصب ذي لابتوب أو هاتف كبير. (حكومتا رواندا وبوروندي للأسف لا تلتزمان بهذه الحدود).
ينبغي السماح لفيسبوك، وتويتر، وغيرهما من العمالقة الرقميين، بحرية تحديد ما تسمح بنشره. وبالمنطق نفسه، ينبغي أن تكون الجامعة الخاصة حرة، في حدود القانون، في فرض كود للتعبير على طلابها. فإذا لم ترق لك قواعد كلية مسيحية ترفض اللعن والإباحية والتعبير عن الإلحاد، يمكنك الذهاب إلى مكان آخر. ولكن أي كلية عامة، أو أي كلية تطمح إلى أن تساعد الطلبة على النمو فكريا، ينبغي أن تعرِّض طلبتها للأفكار التي تنطوي على تحديات. لأن العالم خارج الجامعة سوف يسيء إليهم كثيرا، ومن ثم عليهم أن يتعلموا كيف يقاتلونه بالمظاهرات السلمية، والمنطق، والتعبير عن النفس.

هذه قواعد جيدة للجميع. لا تحاولوا إسكات آراء تختلفون معها. قابلوا الكلام المردود عليه بمزيد من الكلام. انتصروا بالحجة دون اللجوء إلى القوة. ولا تفرطوا في الحساسية.
***

قيود تزداد إحكاما
حرية التعبير تتراجع
في يوليو 2012 نشر رجل يدعو نفسه سام باسيلي فيديو قصيرا عبر يوتيوب. أظهر فيه النبي محمدا يواقع العديد من النساء، ويشارك في معارك دموية صائحا "من لم يكن مسلما فهو كافر. والكفار، أرضهم، ونساؤهم، وأولادهم، غنائم لنا".
كان الفيلم على حد وصف الكاتب البريطاني سلمان رشدي "قمامة", وكان يمكن أن يبقى فيلم "براءة المسلمين" هذا مجهولا إلى الأبد، لولا أن ترجمه شخص إلى العربية وأعاد إطلاقه في سبتمبر من العام نفسه. وجاء مقدم برنامج توك شو مصري فأدان الفيلم، ولم يمض وقت طويل حتى كان هذا الفيلم الرديء سببا في اندلاع المظاهرات في شتى أرجاء العالم الإسلامي، بل وفي ما وراءه. فاغتالت جماعة مرتبطة بالقاعدة سفير أمريكا في ليبيا. واندلعت المظاهرات في أفغانستان، وأستراليا، وبريطانيا، وفرنسا والهند. وعرض وزير السكك الحديدية الباكستاني مائة ألف دولار لمن يقتل صانع الفيلم، ولم تتم إقالته. وبحلول نهاية الشهر كان خمسون شخصا على الأقل قد لقوا مصرعهم.
أدان باراك أوباما وهيلاري كلينتن كلا من الفيلم ورد الفعل عليه. واتصل الجنرال مارتن ديمبسي  ـ رئيس هيئة الأركان الأمريكية آنذاك ـ بقس  في فلوريدا يدعى تيري جونز ـ وهو الذي سبق أن أحرق نسخة من القرآن علنا ـ وطلب منه أن لا يروج للفيديو.
"تأملوا للحظة: أهم مسؤول في أعظم قوات مسلحة عرفها العالم يشعر أن من الضروري أن يتصل بقسيس في أقاصي فلوريدا ليتوسل إليه أن لا يروج فيلما تافها مدته ثلاث عشرة دقيقة على يوتيوب. هذه هي القوة غير المتناسبة في عالمنا المتصل" هكذا كتب تيموثي جارتن آش في "الكلام الحر"، وهو كتاب جديد وجيد في موضوع حرية التعبير. قصة "براءة المسلمين" تلقي الضوء على نقاط عديدة تتعلق بكيفية تطور حرية التعبير في السنين الأخيرة.
أولا، تيسِّر وسائل الإعلام الاجتماعي على الجميع نشر أي شيء على جمهور عالمي محتمل. وهذه دفعة كبيرة لحرية التعبير أدت إلى زيادة هائلة في حجم المادة المنشورة. ولكن حينما تتحرك الكلمات والصور بسرعة شديدة عبر الحدود، غالبا ما ينتج عنها صراع. فللأمم المختلفة أفكار مختلفة عما ينبغي أن يقال أو لا يقال. ولو كان المدعو مستر باسيلي قد نفّذ فيلمه هذا في أوائل تسعينيات القرن الماضي فربما ما كان أحد من المسلمين سمع به، وما كان أحد مات.
ثانيا، شركات التكنولوجيا مضطرة أن تتخذ قرارات شديدة التعقيد بخصوص الرقابة. فالشركات العالمية الضخمة مثل فيسبوك وتويتر تطمح إلى أن تكون محايدة من الناحية السياسية، لكنها لا تسمح بـ "خطابات الكراهية" والإباحية عبر منصاتها. وفي أمريكا طلب البيت الأبيض من جوجول ـ مالك يوتيوب ـ أن "يراجع" "براءة المسلمين" ليرى ما إذا كان قد اخترق الخطوط الإرشادية المتبعة في يوتيوب بشأن خطاب الكراهية. وقررت الشركة أنه لا يخترقها، بما أنه هاجم دينا (أي مجموعة أفكار) لا بشرا يعتنقون هذه الأفكار. لم يرغم البيت الأبيض جوجول على فرض رقابة على الفيديو، وبفضل ضمان حرية التعبير المكفول بموجب الدستور الأمريكي، لم يكن بوسع البيت الأبيض أن يفعل ذلك.
أما في بلاد أخرى، فتمتلك الحكومات سلطات أكبر بكثير لإسكات أي صوت. ولذلك طلبت إحدى وعشرون دولة من جوجول أن يحظر الفيديو أو ينظر في حظره. فاستجاب جوجول في حالة البلاد التي يحظى يوتيوب فيها بتواجد شرعي من خلال نسخة محلية، كالهند وماليزيا والمملكة العربية السعودية. أما في البلاد التي ليس له فيها وجود شرعي فقد رفض. فردت بعض الحكومات مثل حكومتي باكستان وبنجلاديش بحظر يوتيوب تماما.
اخرس وإلا قتلتك
ثالث التغيرات الحديثة هو أنه في حين درجت العادة على أن تأتي تهديدات حرية التعبير من الحكومات بصورة شبه كاملة، إلا أن هناك الآن لاعبين غير حكوميين يمثلون مصدر خوف مساويا للحكومة تقريبا. ففي المكسيك أو فنزويلا ـ على سبيل المثال ـ اختفى ما لا يقل عن سبعة عشر صحفيا أو اغتيلوا منذ عام 2010، ويفترض أن ذلك كان على أيدي تجار المخدرات. للعصابات هناك ذراع طولى: إذ هرب صحفي إلى العاصمة المكسيكية، فتم تعقبه وذبحه. وللعصابات هناك وسائل قاسية: إذ عثر في فبراير الماضي على جثمان صحفي ملقى على قارعة الطريق، مغلل اليدين، شبه عار، وحول رأسه كيس بلاستيكي.
وعلى المستوى العالمي، أدى اعتزام بعض المسلمين قتل من يرون أنهم يهينون نبيهم إلى خفوت النقاش في واحد من أديان العالم العظيمة، حتى في الأماكن التي لا يمثل فيها المسلمون إلا أقلية مثل أوربا. ويحاول الإسلاميون الراديكاليون تنفيذ كود تعبيري يكون الموت بموجبه هو عقاب مناقشة معتقداتهم مناقشة صريحة.
بدأ هذا في عام 1989 بتهديد من دولة، إذ أصدر آية الله الخميني ـ زعيم إيران ـ فتوى تهدر دم رشدي بسبب رواية رآها مهينة للإسلام. ودعا الخميني المسلمين التقاة في كل مكان بالعالم إلى تنفيذ حكمه. ومن شبه المؤكد أن أحدهم هو الذي قتل مترجم رشدي الياباني سنة 1991، وإن لم يتم اعتقال الجاني قط.
منذ ذلك الحين، انتشرت فكرة أن على المسلمين أن يدافعوا عن عقيدتهم باغتيالهم منتقديها. وأغلب المسلمين مسالمون، ولكن الأمر لا يحتاج إلا إلى قلة لتنفيذ ما يطلق عليه جارتن آش "فيتو القاتل". فالإسلامي الذي قتل السينمائي الهولندي ثيو فان جوخ لتنفيذه فيلما عن انتهاكات مسلم للنساء قال إنه لا يستطيع "أن يعيش في أي بلد يكفل حرية التعبير". وفي عام 2015 عصف مسلحان بمقر  مجلة شارلي إبدو الفرنسية التي نشرت رسوما كاريكاتورية لمحمد [ص] فقتلا اثني عشر شخصا. ونتيجة ذلك أن كثيرا من المتحدثين والكتّاب في العالم باتوا يخافون أن يسيئوا إلى الإسلاميين. وفي حين أن هناك مسرحية موسيقية هزلية عنوانها "كتاب المرمون" [وهي طائفة دينية] حققت نجاحا عالميا ساحقا، فما من مسرح في العالم يجرؤ على عرض مسرحية تقدم معالجة ماثلة للقرآن.
التخويف الإسلامي لا يعدو النموذج الأكثر تطرفا ضمن اتجاه أكبر مثير للقلق. فمن مساجد القاهرة إلى الفصول الدراسية في جامعة ييل، يطالب الناس من مختلف الأشكال والجماعات بالحق في أن لا يساء إليهم. وهذا يختلف كثيرا عن ضرورة أن يكون الناس بصفة عامة مهذبين. فالحق في عدم التعرض للإساءة يتطلب وجود سلطة لمراقبة كلام الناس. ويلاحظ فليمنج روز ـ رئيس التحرير السابق لمجلة جايلاندس بوستن الدنماركية ـ أن "الإحساس بالإساءة بات أسهل وأكثر شيوعا مما كان في أي وقت مضى". ولا ينبئك مثل خبير. فهذا رجل، بعد أن نشرت صحيفته رسوما كاريكاتورية لمحمد [ص] في عام 2005، مات ما لا يقل عن مائتي شخص.
المتعصبون الذين يمزقون الملاحدة حتى الموت في بنجلاديش مخيفون أكثر كثيرا من الطلبة الأمريكيين الذين يسكتون المتكلمين الذين يختلفون معهم. ولكنهم جزء من طيف واحد: فالفريقان يستعملان تعريفا ذاتيا للـ "إساءة" في قمعهم أي جدل. قد يفعلون ذلك بمقاطعة إلقاء الكلمات التي يعترضون عليها ـ في ما يسميه جارتن آش بـ "فيتو المضايقة". أو ربما يجنِّدون سلطة الدولة لإسكات المتحدثين الذين يسيئون إليهم. فيسارع رجال السياسة إلى ركوب الموجة ويتزايد استعمالهم للقوانين التي تجرِّم "خطاب الكراهية" عقابا للمعارضين.
وسوف تذهب هذه المقالة إلى أن حرية التعبير تنحسر. من المؤكد أن التكنولوجيا أعطت الملايين مكبرات صوت هائلة، فبات الجهر بالقول الآن أيسر منه أثناء الحرب الباردة حينما كان أغلب الناس يعيشون في ظل أنظمة حكم استبدادية. لكن في السنوات القليلة الماضية باتت المحاذير المفروضة على ما يمكن أن يقوله الناس أو يكتبوه أكثر إرهاقا.
لمنظمة فريدم هاوس الأمريكية البحثية مؤشر سنوي بحرية التعبير. وقد "انخفض هذا المؤشر في 2015 إلى أدنى مستوى له منذ اثني عشر عاما، مع سعي القوي السياسية والإجرامية والإرهابية إلى استعمال أو إخراس وسائل الإعلام في سياق سعيها الواسع إلى السلطة". نسبة سكان العالم الذين يعيشون في دول فيها حرية صحافة انخفضت من 38% سنة 2005 إلى 31% في 2015، والذين يعيشون في ظل حرية إعلام جزئية ارتفعت نسبتهم من 28% إلى 36%. وهناك جهات مراقبة أخرى لا تقل نتائجها كآبة. فمؤشر صحفيون بلا حدود العالمي لقياس حرية الصحافة يكشف عن انخفاص بنسبة 14% منذ عام 2013.
العم زي يراقبك
بين الدول الكبيرة، الصين هي الأسوأ. فالتعبير هناك لم يكن حرا قط تقريبا. في ظل حكم ماو تسيدونج، كانت أقل همسة معارضة تلقى عقابا قاسيا. وبعدما مات في عام 1976 بدأ يتاح للناس تدريجيا مزيد من الحرية لنقد الحكومة، طالما أنهم لا يتحدون احتكار الحزب للسلطة. وسارعت التكنولوجيا الرقمية من هذه العملية. وبحلول الوقت الذي وصل فيه زي جينبنج إلى السلطة في عام 2012 كان مئات الملايين من الصينيين ينعمون بنشر آرائهم عبر وسائل الإعلام الاجتماعي.
ورأى زي هذا مثيرا للأعصاب، ففرض إجراءات صارمة. وكثف آلاف الرقباء الصينيين جهودهم لحظر الرسائل الإلكترونية الهدامة. وبدأ التحرش أو الحبس يلاحقان مئات المحامين أو الناشطين. وتعرض الجدل الحر في الجامعات للقمع (ويجري توجيه الطلبة والمعلمين وتحفيزهم على مزيد من الالتفات إلى اللينينية الماركسية). وبحسب منظمة "لجنة حماية الصحفيين" في نيويورك، كان ما لا يقل عن 49 صحفيا صينيا في السجن في ديسمبر 2015. وفي ابريل من العام نفسه، صدر حكم مشدد في حق صحفي متقدم في السن "لتسريبه أسرار الدولة"، ولم تكن تلك الأسرار إلا وثيقة حزبية تحذر من أفكار "غربية" مثل حرية الإعلام.
ويظل كثير من الصينين متقدمين بخطوة على الرقباء، إذ يستعملون برامج الكمبيوتر لتجاوز سور فايروول الصيني العظيم ويصلون إلى مواقع الإنترنت الأجنبية. ومع ذلك، من المؤكد أن إجراءات زي الصارمة سوف تضعف بلده. فلو لم تحظ المعلومات بحرية الحركة، سيكون من الصعب الابتكار أو اتخاذ القرارات السليمة.  وفي الشهور الأخيرة، مع تذبذب أسواق المال، مضى الحزب يضغط على الاقتصاديين لكي يعرضوا صورا متفائلة، وحذروا المحللين الذين يتنبأون بالكوارث لكي يصمتوا أو ينكروا آراءهم هذه. فكيف يفهم السياسيون الاقتصاد إذا لم يكن مسموحا لأحد بالمناقشة؟ الإجابة لكم.
في الصين، الدولة هي مصدر جميع أشكال الرقابة تقريبا. وإذا كان للمنظمات الخاصة دورها، فهي في النهاية تأتمر بأوامر الحزب لكي لا تثير غضبه. فـ بايدو ـ وهو شبيه جوجول الصيني ـ يحظر كل النتائج التي يحتمل أن تكون هدامة. وبما أن جوجول يرفض القيام بذلك، فهو عاجز عن العمل في الصين. ويكيبديا ويوتيوب وفيسبوك وتويتر محظورة كلها أيضا.
في العالم الإسلامي ـ للمفارقة ـ يتعرض الكلام لهجمة من الدولة ومن لاعبين غير حكوميين بالقدر نفسه. ففيتو القاتل حاضر بقوة في أماكن مثل بنجلاديش والعراق ونيجريا والصومال وسوريا. وفي العديد من الدول العربية، بعد ازدهار عابر لحرية الجدل أثناء الربيع العربي، باتت الأنظمة أشد قمعا مما كانت عليه الأنظمة القديمة.
انظروا إلى مصر، أكثر الدول العربية سكانا. في عام 2011 أدت المظاهرات الحاشدة إلى الإطاحة بالطاغية حسني مبارك، ولفترة بات المصريون أحرارا يقولون ما يشاؤون. ولكن حكومة الإخوان المسلمين المنتخبة في 2012 قيَّدت العلمانيين، والانقلاب الذي أطاح بها في 2013 زاد الطين بلة بحسب ما يقول محمد عبدالسلام من مؤسسة حرية الفكر والتعبير وهي إحدى جماعات الضغط المصرية.
أُغلقت المنابر الإعلامية المناصرة للإخوان المسلمين التي اعتبرها عبدالفتاح السيسي ـ حاكم مصر الحالي ـ منظمة إرهابية. وصدر قانون جديد يجرّم الصحفيين الذين ينشرون "أخبارا أو بيانات غير صحيحة" (أي: كل ما يخرج على الخط الرسمي). وفي فبراير حذّر السيسي قائلا "لا تستمعوا إلى أحد غيري. أنا باتكلم جد".
اعتبر الصحفيون الأجانب جواسيس فهربوا من البلد. والصحفيون المحليون ساءت أحوالهم أكثر من ذلك. فاعتقل المصور محمود أبوزيد وهو يلتقط صورا للسلطات أثناء إطلاقها الرصاص على مظاهرات إسلامية في 2013.  وهو في السجن منذ ذلك الحين بتهمة "الإضرار بالوحدة الوطنية" حيث تعرّض للضرب والتعذيب ومنعت عنه الرعاية الصحية.
وفي السابع من مايو أوصت محكمة مصرية بالإعدام لثلاثة صحفيين اتهمتهم بالتجسس. فأنكر الصحفيون التهمة، إذ قال أحدهم إنه يعاقب لنشره وثيقة مسربة محرجة. والنظام المصري يفتقر ِإلى الكفاءة بقدر ما يتسم بالقمع، ومن آيات ذلك أن بعثت مذكرة داخلية حول قمع الصحافة إلى الصحافة نفسها بالمصادفة.
يزعم السيسي أنه يتصرف بوصفه أبا لمصر، وهو بمشاعره الأبوية يخشى أن يتعرض أبناؤه لأمور الكبار. ولذلك يزج بالكتاب الوقحين في السجن. وتقول الجماعات الحقوقية إن عدد القضايا المتعلقة بـ "ازدراء الدين" و" الفحش" (وغالبا ما يستعمل في مقاضاة المثليين) بلغ ذروة غير مسبوقة.
تنقب السلطات في فيسبوك وتويتر بحثا عن معلومات تتعلق بمظاهرات مستقبلية (والمظاهرات غير مشروعة) ولجمع الأدلة ضد المعارضين. صدر حكم بالحبس ثلاث سنين في حق الطالب عمرو نوهان لنشره صورة للسيسي بأذني ميكي ماوس. وآخرون حبسوا لإدارتهم مواقع إلكترونية بغير ترخيص. وعند سؤال وكيل وزارة عما يجعل أحدا بحاجة إلى تصريح لذلك قال "ليس بوسعك أن تقود سيارة بغير رخصة. لا تستطيع أن تدير موقعا إلكترونيا بغير رخصة أيضا. الأمر سواء".
في جميع أرجاء العالم، شجَّع انتشار العنف المنظم الحكومات على تلجيم التعبير الذي يرون أنه يعزز الإرهاب. وحتى في الدول الديمقراطية اللبرالية بدأت الحكومات لا في معاقبة من يحرضون على العنف عامدين، بل والمتحدثين الصادمين أو حتى المبالغين.
في فبراير على سبيل المثال، تم اعتقال اثنين من فناني تحريك الدمى في مدريد. كان عرضهما "الساحرة ودون كرشتوبال" مستفزا: إذ تتلقى راهبة طعنة بصليب، ويشنق قاض في أنشوطة. ولكن ما أثار استياء الشرطة كان مشهدا لدمية على شكل شرطي يتهم ساحرة بدعم الإرهاب ويضع بين يديها لافتة تدعو إلى مناصرة جماعتي القاعدة وإيتا. والفنانان الآن في انتظار المحاكمة ومواجهة السجن ثلاث سنوات لـ "تمجيدهما الإرهاب". ويقال إنهما مندهشان من التهمة.
في أغلب أرجاء أوربا تستعمل القوانين المضادة للإرهاب بحماس أكبر من ذي قبل. ويرجع هذا جزئيا إلى أن الحكومات أكثر خوفا من الإرهاب، ولكنه يرجع أيضا إلى أنها بدأت تراقب وسائل الإعلام الاجتماعي، حيث يسهل البحث عن الكلمات التي يمكن أن تكشف عن التعاطف مع الإرهابيين. فبرغم أن إيتا تخلت عن السلاح منذ 2011، تضاعف عدد الأسبان المتهمين بتمجيد الإرهاب خمس مرات منذ ذلك الحين.
فرنسا جرَّمت "الدفاع عن الإرهاب" في عام 2014 ونفذت القانون بمزيد من العنف منذ هجمات باريس في العام الماضي. وفي الأيام التالية لمذبحة شارلي إبدو، فتح القضاء 69 قضية "دفاع عن الإرهاب". وصدر حكم بالحبس لمدة عام في حق شخص صاح في الشارع "أنا فخور أنني مسلم. أنا لا أحب شارلي. كانوا محقين حينما فعلوها".
استحدثت دول كثيرة أو أحيت قوانين ضد "خطاب الكراهية" غالبا ما تتسم بالعمومية والغموض. ففي فرنسا أدينت بريجيت باردو الممثلة خمس مرات لتحريضها على الكراهية العنصرية بشكواها ـ نتيجة لحبها للحيوانات ـ من طرق الذبح الحلال. والمادة 153أ من القانون الجنائي في الهند ـ والتي وضعت في ظل الحكم البريطاني ـ تعاقب بما يصل إلى خمس سنوات كل من يروّج للتنافر "على أساس الدين أو العرق أو محل الميلاد أو السكن أو اللغة أو الطبقة أو الجماعة أو أي أساس مهما يكن".
هذه القوانين أدوات متاحة لأصحاب السلطة يتحرشون من خلالها بأعدائهم. وهي أبعد ما تكون عن تشجيع التناغم بين الجماعات المختلفة، إذ هي تشجّعها على مقاضاة بعضها البعض. ويصبح الأمر خطرا للغاية حينما يتدخل فيه السياسيون الانتهازيون. فالذين يعتمدون على أصوات جماعة معينة غالبا ما ينتفعون من هذه القوانين عند المطالبة بمعاقبة شخص بزعم الإساءة إلى جماعتهم، وبالذات قبل الانتخابات. فعلى سبيل المثال، عندما أبدى مثقف هندي يدعى أشيس ناندي ملاحظة دقيقة حول الطبقات الدنيا والفساد في مهرجان أدبي سنة 2013، غضب بعض الساسة المحليين غضبا عارما  أدى إلى اتهامه بموجب "قانون منع الأعمال الوحشية" في الهند.
ولا يزال لدى كثير من الدول قوانين ضد التجديف، ومنها أربع عشرة دولة في أوربا. فقد أدينت ريتا مايستير، السياسية الأسبانية اليسارية، في مارس بالإساءة إلى المشاعر الدينية أثناء مظاهرة في كنيسة كاثوليكية، كشفت النساء فيها عن صدورهن، وتبادلن القبل ويقال إنهم هتفن "أخرجوا صلواتكم من مبايضنا"، وتم تغريمها ما يوازي 4812 يورو.
والحكومات الإسلامية مثل حكومتي باكستان والعربية السعودية (التي تعاقب بعنف من يجدف على الإسلام) ترغبان بشدة في تضمين القانون الدولي حظرا للإساءة إلى الأديان. وتذهب الحكومتان إلى أن هذا توسيع طبيعي لمفهوم "خطاب الكراهية" الغربي. وتوافقهما على ذلك بعض السلطات الغربية: فالشرطة الدنماركية وجَّهت اتهامات أولية في فبراير الماضي لرجل قام بإحراق القرآن، محيية بذلك قانونا ضد التجديف لم يتم استعماله ضد أحد منذ عام 1946.
أوربا مليئة بالقوانين العتيقة التي تجرّم أنواعا معينة من الخطاب السياسي. فإهانة "شرف" الدولة جريمة في تسع من دول الاتحاد الأوربي، والإساءة إلى رموز الدولة كالعلم جريمة في ست عشرة دولة، والإساءة إلى الأجهزة الحكومية جريمة في ثلاث عشرة دولة. وقد يكون القذف جريمة في 23 دولة أوربية. وبلغاريا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وهولندا والبرتغال تعاقب القذف بقسوة لا سيما حينما يكون موجها لمسؤولين عموميين. بعض هذه القوانين نادر الاستعمال، وفرنسا تخلصت من قانونها ضد إهانة رأس الدولة في عام 2013 بعد خمس سنوات من اعتقال متظاهر رفع لافتة تصف الرئيس نيكولا ساركوزي بالأحمق (وما كانت اللافتة إلا استشهادا بعبارة قالها ساركوزي نفسه لمتظاهر آخر).
أما في ألمانيا، فينتظر الممثل الكوميدي جان بوميرمان اتهاما بالإساءة إلى رئيس دولة أجنبية، بعد أن ألقى قصيدة ساخرة من الرئيس التركي رجب طيب اردوجان وبعض الماشية اللعوب. والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل تدرس حاليا إلغاء القانون. وفي بولندا والبرتغال ودول أخرى قوانين مماثلة تجرِّم الإساءة إلى رؤساء الدول الأجانب. أما أبناء أيسلندا فيمكن نظريا أن يعاقبوا على هذه التهمة بالسجن لست سنوات.
يقول سكوت جريفن من معهد الصحافة الدولي إن "هذه هي نوعية القوانين التي تكافحها في الدول التي تفتقر إلى حرية التعبير". أنظمة الحكم الأوتقراطية غالبا ما تتذرع بهذه القوانين الغربية لتفرض إجراءات صارمة على حرية التعبير. الصين وروسيا تتهمان المعارضية بـ"ترويج الإرهاب" و"المخاطرة بالأمن الوطني" أو "إثارة الكراهية العرقية". وقد يعني هذا ببساطة التعبير عن التعاطف مع أهل التبت عبر وسائل الإعلام الاجتماعي ـ وهو ما حبس من أجله المحامي الصيني بو زيكيانج تسعة عشر شهرا. حكومة رواندا تستعير من قوانين الاتحاد الأوربي ضد إنكار الهولوكوست فتتهم خصومها بالدفاع عن الإبادة الجماعية سنة 1994 وتعمل على إسكاتهم. وقد يضحك الأوربيون من قوانين تايلاند الملكية، إذ قوضي تايلندي أخيرا لسخريته من كلب الملك. لكن حينما يكون لدى ثلاث عشرة دولة أوربية قوانين تجرم الإساءة إلى رأس الدولة، يصعب في هذه الاحالة تفادي الاتهام بالنفاق.
بوسع أي نظام مصرٍّ أن يفكر في سبل لتقييد كل صوت يثير ضيقه. فخديجة اسماعيلوفا صحيفة من أزربيجان كشفت تفاصيل فضائحية عن ثروة العائلة الحاكمة، فما كان من أمرها إلا أن تلقت صورا في البريد سنة 2012 تصورها وهي تمارس الجنس مع صديقها، بعدما زرعت كاميرا سرية في شقتها. ووصل إليها خطاب تهديد بنشر فيديو لها عبر الإنترنت إذا لم توقف تحقيقاتها في الفساد. ورفضت، ونشر الفيديو على موقع يقال إنه تابع لحزب معارض. وحينما لم يسكتها هذا، اتهمت اسماعيلوفا بالتهرب من الضرائب وتحريضها أحد زملائها على الانتحار. وبرغم أن هذين الاتهامين كانا بغير أدلة، صدر في حق اسماعيلوفا حكم بالحبس لسبع سنين.
غير أنه بعد اللجوء إلى القانون الدولي، وبعد حملة لإقناع المانحين ـ مثل أمريكا ـ بالتدخل، تم الإفراج عن اسماعيلوفا في الخامس والعشرين من مايو. ذلك أنه حتى الحكومات القمعية قد تخجل أحيانا فتحسن التصرف.


تقرير لإيكونوميست ـ 4 يونيو 2016

إرسال تعليق

0تعليقات

إرسال تعليق (0)