الجزء 13 من مقال الدكتور محمد الحجيري "كان أبي، بين الحنين وصادق القول" مِن بين الحضور المحدّقين بالجدار، قْد كنتُ أنا الوحي...
الجزء 13 من مقال الدكتور محمد الحجيري "كان أبي، بين الحنين وصادق القول"
مِن بين الحضور المحدّقين بالجدار، قْد كنتُ أنا الوحيد الذي لم يَرَ "الطَيْفَ الروحي" للفَتَى المفقود يوسف، كما كُنْت أيضاً أنا الوحيدَ الَّذي لم يَسْمَعْ صوتَ ذَلِكَ الطَيْفِ. وإذا ما افْتَرَضْنا أنّ الطَيْفَ وَصَوْتَ الطَيْفِ مُجًرَّدُ وَهْمَين لا أكْثَر، ربّما سَيُصْبِحُ لزاماً علينا أن نفسّرَ ماهيّةَ هذين الوَهْمَين، وأنْ نُميطَ اللّثامَ عن آليّةِ انْتِيابـِهِما لفئةٍ من الناس، وأن نَتَقَصَّى أسبابَ امْتِناعِ ما تبقّى مِنْ غَيْرِ تِلْكَ الفِئَةِ على ذاك الانْتِياب؛ عِلْماً أنّ اسْتِخْدامَ الآلةِ ربّما يجعلُ الـمُمتَنِعَ أحياناً غيرَ مُمتَنِعٍ. وهذا ما يُطالِعُنا مَثَلاً عِنْدَما نستعملُ الـمِجَهَرَ لِرُؤيَةِ الخليّةِ الحيّةِ التي تَمْتَنِعُ رؤيتُها عُموماً على العَينِ الـمُجَرّدة. والسؤالُ الكبيرُ الَّذي يَطْرحُ نَفْسَهُ هنا، هو التالي: إذا ما قَبِلْنا جدلاً بِوَهْمِيّةِ "الطيفِ" وصَوْتِهِ، وإذا ما تَبَيَّنَ أنّ هذا الوهمَ بِمُجْمَلِهِ يَسْتَتْبِعُ بِشَكْلٍ ما حَقائِقَ مَلْموسَةً، كانَتْ مَجْهولةً من قَبْلُ، فَهَلْ يَبْقَى في هَذِهِ الحالَةِ ما قَبِلنا جَدَلاً بِوَهْمِيَّتِهِ مُجَرّدَ وَهْمٍ. وفق ما فَهِمْتُه من تصرّف مُعَلِّمَتي وأبي وأُختي وأخي، فإنّ فترةَ "التواصُل الروحيّ" الّتي استمرّت قرابةَ العشر دقائقَ، بَيْنَ مُعَلِّمَتي وطَيْفِ أخيها يوسف، وَبِمُشاركةِ أبي وأُختي وأخي قد انتَهت، وقد ودّع كلٌّ مِنْهُما الآخَرَ. وَتَوَقّفَ الحُضورُ عن التَحْديقِ بالجِدارِ الذي (خلافا للآخرين) بدا لي خاوياً... قالَتْ مُعَلِّمَتي وهِيَ تُمسك بَوَرَقَةٍ كُتِبت عَلَيْها بَعْضُ الأرْقامِ: لا أدْري كَيْفَ أُعَبِّرُ عن دَهْشَتي ولا كَيْفَ أشْكُرُكَ يا سَيِّد يوسف، فما أنْتَ أيّها الصِدّيقُ المجرَّبُ إلا قِدِّيسٌ حَقيقِيٌّ يَصْنَعُ العَجائبَ ويُساعِدُ الأخرين، ولكِنّ إيمانَك وتواضُعَك وزهدَك بمسرّات وطيّبات هذه الحياة يجعلونك تُلْبِسُ نَفْسَكَ وعائلتَك الطيّبةَ الصبورةَ ثوبَ الفَقْرِ والتقشّفِ اللّذَين يفرضان عليكم بَذْلَ الجُهْدِ الـمُضْني بُغْيَةَ الحُصولِ على لُقْمَةِ العَيْشِ وحبّةِ الدواء. وذَلِكَ كُلُّه في وَقْتٍ تستطيعُ فيه وبسهولةٍ أن تجمعَ لنَفْسِك ولعائلتك ما أحببت من كنوز الأرض. ليكن لك ما تريد يا سيّد يوسف، ولكنّني أنا ثريّةٌ ولن أرضى بعد اليوم أن تمسّ مخالبُ الفاقة والبؤس عائلتك لأنّك أسديتني معروفاً يتعدّى الخيال بعِظَمِهِ... اسْتَوْقَفَها أبي وقال: آنستي، لا ضرورة للشكر فأنت نقيّةُ الروح ولولا ذَلِكَ لما استطعتُ أن أفعلَ شيئا. وأنا لا أستطيعُ الوقوفَ جانباً عند تلمّسي الحزنَ والأسَى على وجوه الناس، إذا ما كان بِوِسْعي أنْ أسْتَبْدِلـَهما بِالفَرَحِ والـحُـبورِ، وذلك بالـمُطْلَقِ دون أيِّ بدلٍ، ولِوَجْهِ الله تعالى فحسب، وأنا لَسْتُ قدّيساً يَصْنَعُ العجائبَ، إنّما أنا إنسانٌ عاديٌّ ومثلي في الأنام كُثُرٌ، أسْعَى إلى مَرْضاةِ الله، وإلى راحة الضمير من خلال عملي الدؤوب الرامي إلى تأمين سُبل العيش لعائلتي. وأنا وعائلتي لن نرضى منك أكثر من الصداقة، وثمّة أمرٌ آخرُ تستطيعُ أختُك الدكتورة حياة مساعدتي فيه، وهو أقصى ما نستطيع قبولَهُ منكما وستعرفينه لاحقاً. وأرجوك يا آنستي أن تُبقى كلَّ ما حصل هنا منذ ساعة خَلَت وحتّى الآن طيّ الكتمان عن الناس جميعا بما فيهم من كان قريبا إليك. وإن أردت قول شيءٍ ما عمّا حصلتِ عليه من معلوماتٍ، فلا بأس بأن تدَّعي رؤيةَ ذَلِكَ في المنام، ولن يكونَ ما تدّعينه سوى كذبةٍ بيضاءَ لن تؤذي أحداً. وتعقيباً على ما جرى بينك وبين أخيك، ينبغي لي أن أخبرك أنّه بين الأرقام التي كُتِبَت على ورقتك توجَدُ إحداثياتُ نقطةِ المحيط حيث حدثت كارثة السفينة العملاقة، التي كان على متنها، وفق الصحافة، بضعة ألوف من الركاب. وأعتقد أنها كانت تحمل عشرات الأطنان من المعادن الثمينة. فاتصلي بشركة التأمين التي ينبغي أن تكون قد رصدت جائزة لمن يعثر على السفينة واخبريهم بأنّك على علم بشحنة المعادن، واطلبي منهم أن يرسلوا محاميا لاستلام الاحداثيات ولتوقيع عقدٍ يضمن لك الحصول على الجائزة وارسلي نسخةً عن العقد إلى السلطات الفرنسية وأضيفي أنّك قد عاينت المكان ورأيت هيكل السفينة منقسماً إلى جزئين هما على يابسة تقع تحت سطح الماء ببضعة أمتار فقط. وستحصلين على إمكانية عقد مؤتمر صحفي إذا ما اتصلت بنقيب الصحافة. وأعتقد أنّه صديقٌ لوالدك فاتصلي به مباشرةً بعد اتصالك بشركة التأمين ورفع المعلومة إلى السلطات. فقد يستطيع النقيب تنظيم مؤتمرك في المساء. وتكلّمي بالفرنسية والانكليزية لتسهيل نشر الخبر عبر وكالات الأنباء. وبالنسبة إلى الخزنة فهِيَ في مكتب والدك، وسأدلّك أين. وهِيَ تحتوي على وصيّتَي أبيك وأمّك وعلى بعض الوثائق المهمة التي بنبغي مناقشتها بينك وبين أختك قبل استدعاء محامي والدك، للإشراف على عملية القسمة. وعليكما أنت وأختك أن تعلما أن هذا المحامي كاذبٌ وسيىء ويحاول خداعكما وإيهامكما بعدم وجود للوصيّة في حين أنّه يمتلك صورة عنها. وثمّة كمية من النقود والمجوهرات في الخزنة، فخيّري أختَك أمام المحامي أن تنتقي النقود أو المجوهرات. أعتقد أنّها ستختار النقود وهذا عادل لكما انتما معا. ولوالدك في ذمة المحامي مبلغ مليون ليرة، عَلَيْهِ إعادتها قبل آخر السنة، وإلا سيصبح بيتُه وأملاكُه كلُّها لك ولأختك، فذكّريه بذَلِكَ. أمّا الباقي من الأمور فمؤجل ولكلّ حادث حديث. قال يوسف لابنته: انتبهي لأخيك سنعود بعد قليل، وتابع، هيا بنا! موجهاً كلامه لي ولمعلّمتي. دخلنا المكتب، وطلب والدي من معلمتي أن تقرضه سنسالها الذهبي لبعض الوقت، ففعلت، فأمسك السنسال من طرفه وأرخى طرفه الآخر فبدأت حركة اهتزازيّة باتجاه أحد جدران المكتب فرفع السنسال قليلا فزادت الحركة الاهتزازية. اقترب من الحائط وتفحّصه بعناية وطلب مني أن إغلق باب المكتب وأن أضيء الضوء وأن أُسدل السواتر القماشية على الحائط الزجاجي- الخشبي الفاصل ما بين المكتب والمكتبة. وطلب أبي من معلمتي أن تريه الأرقام المكتوبة على الورقة فأشار إلى الرقم الثالث وقال لي أطفئ لأنوار ففعلت، ونظر في العتمة الشديدة إلى الجدار فوجد في أسفله نقطةً مضيئة صغيرة جداً، فانحنى وتفحّصها، وإذا به يجد زرّاً مستديراً مخفيّا تحت قطعة قماش لها نفس لون الجدار. طلب مني والدي إضاءة الغرفة، وضغط الزرَّ فانفتحت فجوة مربعة في الجدار قياس 75×75، وكان في داخلها بابٌ لخزنة حديدية. أخذ والدي الورقة من معلمتي وشكل التوليفة المطلوبة فسمعنا "تكتكة" داخلية فُتح باب الخزنة إثرها. تراجع أبي قليلا وقال لمعلمتي، لقد انتهت مهمتي ومهمة ابني الأعرج المتعكِّز محمد فهيّا بنا يا بني. وإن كان بودّك أن تطعمينا كما وعدتِ فعليك أن تفعلي ذلك الآن وسيكون من الأنسب أن تتفقّدي محتويات الخزنة مع الدكتورة حياة، فضحكت معلمتي وأغلقت الخزنة وخبأت الورقة في جيبها واستردت سنسالها من يد والدي الممدودة باتجاهها. وقالت يا سيد يوسف يبدو لي أنّك أمهر من شارلوك هولمز.
كان والدي يدرك تماما أنّه لن يستطيع أن يستمرّ طويلا في العمل المضني في البستان وفي براد السمك، واقتنع بضرورة تفعيل البحث عن وظيفة، ربّما في القطاع العام. ولقد كان لقاؤه مع الدكتور حياة فاتحة خير عَلَيْهِ، ذَلِكَ أنّ طلب الوظيفة في وزارة الصحّة العامّة الَّذي قدّمه منذ فترة قد اجتاز كلَّ المراحل بما في ذَلِكَ الفحص الخطّي الَّذي نال فيه علامة عالية. بقي بين والدي وبين الحصول عَلَى الوظيفة توقيعُ الوزير فقط لا غير وكانت الدكتورة حياة قد أخبرته البارحة أنّها تعرف الوزير جيّدا، فقد كانا زميلي دراسة في كلية الطب. وقد تلقى والدي وعدا قاطعا من الدكتورة حياة أن تتابع بسرعة وبكل الإمكانيات المتوفرة ملفه لدى الوزير. ولذلك قرّر التوقّف عن العمل في براد الأسماك. وعند ظهيرة ذلك اليوم لفته الخبر التالي في الراديو:
"نقلت وكالات الأنباء العالمية إن فرق البحث قد عثرت على حطام السفينة العملاقة التي فُقدت العام الماضي قبالة السواحل الارجنتينية وكان على متنها حوالى ثلاثة آلاف راكب، كانت تقلهم من أميريكا الجنوبية إلى أوروبا كما عُثر على أطنان من المعادن الثمينة مع الحطام. وتجدر الإشارة إلى أنّ العثور على الباخرة الفرنسية قد حدث إثر تلقي السلطات رسالة تبيّن بدقة إحداثيات موقع الكارثة، وتصف هيكل السفينة الذي انشطر إلى قسمين موجودين على يابسة مغمورة بمياه عمقها أمتار معدودة، وهذا يؤكّد اصطدام السفينة العملاقة بشبه جزيرة غير معروفة تقع تحت مستوى الماء بقليل. وقد أشارت الرسالة إلى وجود عشرات الأطنان من المعادن الثمينة على متن الباخرة أما الرسالة فقد وجهتها مواطنة فرنسية من أصل لبناني فقدت أباها وهو عالم مشهور وأمها وأخاها الصغير في الكارثة المذكورة. وكانت هذه السيدة قد عقدت مؤتمراً صحفيا في بيروت أعلنت فيه عن إحداثيات حطام السفينة، وطالبت السلطات بالعمل على منحها الجائزة التي تستحقها. وصرّح أحد القضاة الفرنسيين أنّه لا مفرّ من إعطاء السيدة المذكورة النسبة المئويّة المنصوص عنها في القانون الفرنسي لأنّ السفينة فرنسية ومكان الحادث هي مياه دولية. وقدر بعض الخبراء أنّ الجائزة ستزيد عن 300 مليون دولار". وقد سُرّ يوسف لهذا الخبر.
كان والدي قد وفّر بعضِ النقودِ قبل بَدْئِهِ العملَ في برّاد السمك، أي في فترة ِعَمَلِهِ كَسَمْكَريٍّ جوّالٍ. واعتَبَرَ هو ووالدتي أنّ صرف تِلْكَ النُقودِ ينبغي أن يَنْحَصِرَ بتسديد الأقْساط المدرسيّة دون سواها وذَلِكَ مهما كلّف الامر. وتِبعاً لطُرق التوفير السائدة والمتوارثة لدى قرويي ذَلِكَ الزمان، اشترى أبي بتِلْكَ النُقودِ الوَرَقيّة-غيْرِ الموثوقِ بها- حوالى ثلاثين ذهبيةً رشادية وأودعها كيساً قماشياً تُخبِّئُهُ والِدَتي في وِسادِتها. وبَعْدَ العارِض الصِحِّي الَّذي ألمّ بي، وَغَداةَ الزيارةِ إلى مَنْزِلِ مُعَلّمَتي، تَمَكّنَ أبي من الحُصولِ عَبْرَ الهاتِف عَلَى مَوْعِدٍ لِرُؤيَةِ مديرِ مَدْرَسَتي الساعة الرابعة بعد الظهر. وكان أبو مارون قد تحدّث مع والدي بخصوص تولّيه مسألةَ دفع فاتورة كلفة طبابتي وعلاجي كوني جُرِحْتُ في البستان خلال العمل، ولكنّ والدي رفض بشدّة، وقال في خلاصة الحديث: يا خواجة أبو مارون انتم لا ناقة لكم ولا جمل فيما حدث. أخذ والدي عشر ذهبيات من وسادة والدتي وخرج من البيت باتجاه المَدْرَسَة، فوصل الساعة الرابعة إلا عشر دقائق، فسلّم عَلَى الناطور وقال له: أرجو منك أن تستوقف إبني الصغير عمر، وأن تخبره بأنّ والده عند مدير المَدْرَسَة. وقل له أنّني أريده أن ينتظرني هنا في الداخل قرب البوابة الرئيسيّة دون الخروج إلى الطريق العام. فقال الناطور حسنا أنا أعرف إبنَيك وسأنقل للأصغر منهما ما قلته لي، فقال أبي: شكراً، وتابع طريقه باتجاه الإدارة. كان الأستاذ جوزيف بانتظاره، فوقف عند مدخل مكتبه ولم يطل الأمر به، فها هو أبي قد وصل وبادره المديرُ بالتحية قائلا: أهلاً وسهلا سيّد يوسف، تفضّل بالدخول والجلوس، أريد أن أهنِّئك عَلَى سلامة محمد، فلحسن الحظّ قد تعافى سريعاً وهو يتابع الدروس الآن. فشكره أبي، وقال: أنا أتيت لأعرب عن امتناني وتقديري لكم ولإدارتكم عَلَى الاهتمام بابني خلال العارض الصحي ولكي أردّ لكم ما دفعتموه بدل طبابة وثمن دواء لولدي، وهذا حقٌّ لكم ودَيْنٌ علي. فقال المدير: لا فضل لنا إذا ما اهتمينا بتلامذتنا، فهذا واجبنا، وابنك من المتفوقين بين تلامذتنا الَّذين نراهن عَلَيْهِم في رفع اسم مَدْرَسَتنا عاليا، ولذَلِكَ سوف نعفيه من القسط السنوي ومن فاتورة الطبابة والأدوية التي ترتبت عَلَى عارضه الصحيّ. فقال أبي أنا أشكر إدارتكم الكريمة التي غمرتنا بلطفها وكرمها. قال المدير: سيد يوسف هل لي بسؤال؟ فقال أبي: تفضّل: فقال المدير: أخبرني من فضلك كيف وأين درست أصول علم الجبر؟ وهل وجدت صعوبة كبيرة في تلقين تِلْكَ الأصول لابنك محمّد؟ أجاب والدي : تبدأ الحكاية من بعيد عِنْدَما كنت فتياً. كنت آنذاك مغرما بالأدب الشعبي وكان لوالد أحد أترابي مكتبة غنية بتلك الكتب فأعارني يوما أحد مجلدات ألف ليلة وليلة حيث وردت عبارة "الجبر والمقابلة". ودفعتني حشريتي إلى تقصّي الأمر عند ابن خلدون وغيره إلى أن عثرت على كتاب الخوارزمي، وبعض أجزاء كتاب شجاع بن أسلم. ولقد دُهشت عندما وجدت أن العمليات الحسابية المعروفة التي تُطَبّق على الأعداد قابلةٌ للتعميم على المجاهيل التي لا نعرفها ونبحث عنها. ولقد تضلّعت من هذا المجال وكنت أحلّ كلّ المسائل التي أواجهها أو التي أُسأل عنها بواسطة الجبر. أما ابني محمد فلم أتوقع منه أن يفهم هذه الأمور المجردة بتلك السرعة الكبيرة وفي هذا العمر المبكر. فقد بدأت معه بمسائل حسابية بسيطة ومن ثمّ تعقدت المسائل وخاصّة الهندسية منها مما اضطرني أحيانا ان استخدمَ الجبرَ دون أن أُفْهِمَهُ ماذا أفعل، ووجدت لديه إصرارا لا مثيل له على فهم تلك الطرق التي أسماها حساب المجاهيل ووجدتني أدخل معه في شرحٍ مُسْهَبٍ وعميقٍ لمفهوم المجهول وفي دراسة تقنياته المختلفة، وقد أذهلني أنّه قد استوعب بأشهرٍ قليلةٍ ما تطلّب استيعابُه منّي سنوات طويلة. تابع والدي حضرة لمدير لقد أحضرت بعض النقود لأدفعها على الحساب. قال المدير: للأسف قد غادر الموظفون. سوف أعطيك الآن وصلا مؤقتا أُتْبِعْهُ غدا بوصلٍ رسميٍّ. فأخرج والدي الذهبيات العشر ووضعهما أمام المدير الذي ابتسم، وقال: للأسف لا أعرف قيمة الليرة الرشادية، غدا سيهتمّ المحاسبُ بالأمر، وأعطى والدي وصلا ً كُتب عليه أنّه تمّ دفع عشر ذهبيات رشادية للمدير بدل أقساط مدرسية. غادر يوسف المكتب بعد توديع المدير ليجد صغيره ينتظره في الأسفل، فشكر الناطور، وسار باتجاه بيته متسائلا تُرى أيمتى سيستلم وظيفته الجديدة؟
ليست هناك تعليقات