رأي الرومي
يبدو أن وتيرة الأحداث وحساسيتها في لبنان، سريعاً من جعلت نتائج الانتخابات البلدية على الهامش، وتلاشت زوبعة الانتصارات واوهام السياسيات الصغيرة الناتجة عن هذه البلدية أو تلك، وجل ما فعلته الانتخابات انها فجرت الخلاف بين بعض الأحزاب والعوائل، وعمقت الفجوة السياسية بين الرئيس سعد الحريري والجنرال أشرف ريفي، وان كان هناك سعاة خير للجمع بينهما بعد الاختلاف والافتراق والمزايدات التي أطلقها الجنرال...
صحيح ان لائحة ريفي البلدية فازت في طرابلس، وروج أنصاره على أن ما حصل "انتصار على حزب الله" أولا، مع عبارات "ولى زمن التنازلات في طرابلس"، ومرات يقولون انه انتصار على "نجيب ميقاتي" الذي دفع المال الوفير وقدم المشاريع ولم يحصد شيئا بسبب مواقفه السياسية، لكن في جوهر الامور، ما حصل كان "صفعة" لسعد الحريري من اقرب المقربين إليه. هزم الرئيس نجيب ميقاتي صحيح، وهزم الوزير محمد الصفدي أيضا صحيح، لكن في المعنى السياسي كانت النكسة لتيار المستقبل، اذ فسرت الأمور على أن ورثة الحريرية السياسية يأكلون بعضهم... وظهرت هشاشة تيار المستقبل في خضم الأزمة المالية التي يعيشها، والأخطر من كل ذلك، تبين ان خطاب العوائل والغرائز أقوى من الإنماء ووعوده.
والسؤال الآن، اشرف ريفي الى أين؟
من دون شك ان انتصار ريفي في انتخابات بلدية طرابلس جعله أمام الواقع وعليه تحديه، اذ حان وقت العمل وانتهى زمن المزايدات، فالبلدية ليست منبرا سياسيا وان كانت تؤسس لمرحلة مقبلة... لم يعد ممكنا المزايدة على سعد الحريري في قضية الشهداء او ثوابت رفيق الحريري. فقضية الشهداء لا تجدي في العمل البلدي ولا يمكن لدم الشهداء ان يكون بديلا عن الإنماء في مدينة تعتبر الأشهر بفقرها على ضفة المتوسط، ولا يمكن لخطاب الوفاء للدم أن يطعم خبزا لابناء ضواحي المدينة ولا يمكن ان يقدم لهم وظائف او رواتب شهرية. أيضا لا يمكن الحديث عن ثوابت رفيق الحريري من الجنرال ريفي، فالاخير لا يشبه الأول بشيء... رفيق الحريري قبل أوهام الثوابت، هو شخصية غير صدامية تصالحية مقربة من جميع الناس، قيمته كانت في شخصيته وقدراته وعلاقاته، لديه مشروعة، قليل الكلام كثير الأفعال، بينما ريفي ذات وتيرة عسكرية متوترة، يراهن على حلف مع حزب القوات اللبنانية ويعتبره حليفا استراتيجيا، في المقابل يعتبر رفيقه اللدود الوزير نهاد المشنوق ان الخلاف مع القوات استراتيجي، وهو بسبب ان القوات تريد ان يكون تيار المستقبل ممثلا للسنة فحسب وليس لديه نواب من المسيحيين.
أيضا خطاب ريفي سمعناه على مدى اكثر من عشر سنوات من قادة 14 اذار ولكنه في المحصلة لم يجد نفعاً، بقي خطاباً تلفزيونيا واعلامياً ممنوعاً من الصرف، لم يثمر سوى مزيد من الانقسام في الشارع، فالأزمة تبدو أكبر من لبنان، وخطاب المواجهة وان كان ضروريا مع "حزب الله"، لكن يظل الحزب الخميني أشرس بكثير من خصومه، الخطابات النارية والجريئة لا تغير في معادلة انه يملك خمسين آلف صاروخ ولديه دويلة وقوة عسكرية تفوق قدرات القوى الشرعية اللبنانية. وفي المحصلة الأمور لا تمشي إلا بتسويات تحتاج جهدا كبيراً، ومعادلات دولية وليس مجرد انتخابات بلدية في مدينة لبنانية...
بالمختصر المفيد، انتهى زمن المزايدات على سعد الحريري وحان وقت العمل في طرابلس... ننتظر كيف ستكون الأمور، ولبنان بلد يمتص كل شيء، بلد ذاكرته قصيرة، وانتصاراته كلها وهمية سواء في الحرب او في السياسة في البلدية، وليس انتصار طرابلس ببعيد عن هذه الأجواء، فقد ذهبت سكرة الانتصار واتت فكرة الواقع والعمل.
يتبع