لم تأخذ إسرائيل السلام والتعايش وحل الدولتين على محمل الجد، وما كان لها أن تفعل ذلك وإلا نقضت أساسها الصهيوني الذي انبنت عليه، ونقضت كذلك نزوعها العنصري الديني بوصفها "دار اليهود في العالم"
نحن أيضاً لم نأخذ السلام على محمل الجد، في اختبار القدرة التاريخية على هضم إسرائيل كمكون غريب في المنطقة، تتصل بعض ثقافته الدينية أو كثيرها بما نحن عليه بالفعل من ثقافة دينية نابذة للآخر حتى الجار في العمارة، طالما لم يكن على ديننا أو حتى على مذهبنا في الدين نفسه.
والجميع على جانبي التراشق التاريخي ينتظرون لحظة.. الصفر.. التي لن تأتي أبداً، فلا إسرائيل بترسانتها النووية قادرة على محو الفلسطينيين أو العرب من الوجود، ولا العرب بكل عددهم البشري وجيوشهم قادرين على محو إسرائيل، لأن الأخيرة مكون استراتيجي في إدارة العالم الحديث غربياً.
والحال أن الأمر كله قد ينتهي إلى دولة واحدة في المستقبل لكل من يعيش على أرضها، لأن يهود إسرائيل حتى بالتوالد سيكونون آجلاً أو عاجلاً أقلية في دولتهم المغلقة بالتصورات التوارتية والصهيونية على أرض فلسطين.
وفي خلفية كل هذا يأتي التطبيع كما لو كان الخيانة العظمى التي ما أن يقترب منها أحد حتى يتم نهش لحمه، حدث ذلك مع علي سالم ويحدث حالياً مع أمين معلوف، بدون تقدير مبدئي لحق الإنسان أولاً: في اختيار موقفه حتى ولو كان على خطأ، حتى ولو كان يتعارض مع قدسية القضية الفلسطينية في الوجدان العربي.
على أنه كان من الممكن ولو نظرياً النظر إلى التطبيع بوصفه أداة إغراق للتكثيف الصهيوني الإسرائيلي في فلسطين، وجعل المكون العربي أكثر حضوراً وكثافة في سياق سياحي أو حتى اقتصادي وسياسي وثقافي، أي كسر الجدار العازل الذي تستقوي به إسرائيل علينا.
ففي النهاية فكروا في هذا: عدوك سيبقى جزءاً من وجودك، كما يعيش الفلسطينيون الآن في قطاع غزة والضفة وفي داخل فلسطين التاريخية.
وكلامي هذا لا يعني موقفاً شخصياً مرحباً بالتطبيع، وإنما إثارة للنقاش، إن كان ثمة نقاش حقيقي بالفعل حول مستقبل فلسطين والفلسطينيين ونحن كذلك في سياق مصائر رهيبة تضرب المنطقة، كما أنني لم أعول يوماً على مواقف "كبار مبدعينا ومثقفينا" كحائط صد ضد التطبيع أو التخلف، ولا أعتبر هؤلاء بمن فيهم معلوف نفسه أو سعيد عقل أو غيرهما رموزاً، بل هم بشر يبدعون ويمعنون في الخطأ والصواب كما غيرهم من البشر.
عن الفايسبوك