تعهّدت للمعصومة هايكة فاغنر بأنّني أتضامن معها في عدم متابعة البطولة الأوروبية لكرة القدم التي تقام حالياً في فرنسا. ويعود سبب رفضنا لعدم المتابعة هو الاحتجاج على النزعات القومية التي باتت تهيمن على الخطاب الأوروبيّ بشكل عام. وهايكه تعتبر أوروبا وطنها الروحي والثقافي وترى ثقافتها تتعرض الآن للتدمير من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، الحلف الأنكلو-ساكسوني العتيد، والإسلام السياسيّ في تركيا والسعودية وإيران. بيد أنّني نكثت العهد واعترفت لها اليوم بأنّني رأيت مباراة الافتتاح يوم الأمس، فغفرت لي هفوتي.
لكنّني أردت هنا العودة إلى واقعة حدثت في بغداد قبل أكثر من أربعين عاماً، حيث أجريت مباراة بين المنتخب العراقي ونظيره الكوريّ الشمالي. وكان مهاجم المنتخب العراقي فلاح حسن الملّقب بـ"ثعلب الكرة" العراقية يقيم في مدينة الثورة آنذاك، حيث كنّا نقيم أيضاً ونشاهد المباراة في تلفزيون مقهى الحيّ. وفلاح قريب لنا من ناحية والدتي، فهو ينتمي إلى فخذ بيت هلال الذي يعود إلى آل ربيع الذين يعودون بدورهم إلى آل أزيرج. وكنت أرى والده "حسن آل نحو" في المآتم والاجتماعات العشائرية مثل الخصومات و“الودي“ و „العطوة" و"كسر العصا" وما إلى ذلك. وكان رجلاً وقوراً وبسيطاً وأميّاً ولا علاقة له بالنحو قطّ. بينما كان فلاح نفسه متعلّماً ومثقّفاً يسارياً. وكان معنا أثناء مشاهدة تصفيات كأس آسيا قريب آخر اسمه كاظم نشْيده، وكان ظريفاً وحاضر البديهية، ويكنّى باسم أمّه نشْيده. وكان عضواً في نقابة الجلود ببغداد. وحدث أن كسر الكوريون ذراع فلاح حسن. وقد رفعه المدافع الكوريّ نحو خمسة أمتار إلى السماء وبعدما سقط على الأرض انكسرت يده. فانتفض كاظم نشيده غاضباً وقال "هسا آل ربيع يودون كوامه لكيم إيل سونغ" ثمّ ارتجز أهزوجةً:
„كلّ لسوينج ابن كوينج/ الطك فليح ما ننساه!“
وتعني: ابلغ كيم إيل سونغ، وكان رئيس جمهورية كوريا الشعبية الديمقراطية آنذاك، بأنّنا لن ننسى إصابة فلاح حسن. وكان على الحكومة الكورية في هذه الحالة أن تقدم "عطوة"، مهلةً، إلى عشيرة آل أزيرج ثمّ تأتي إلى مضيف العشيرة فتدفع الفصل، الديّة. بيد أنّ الزعماء الكوريين كانوا منشغلين بالتحضير لصناعة القنابل الذرية والنووية، فلم يحملوا تهديد آلبو أزيرج محمل الجدّ.
ويبدو أنّ كاظم نشيده كان عبقرياً، وسابقاً لزمنه. فقد شاء القدر أن تقدم شركة "دايو" الكورية فصلاً لـ "آل الفضلي" وهم من أهالي مدينة الفاو الجنوبية، وذلك بسبب اعتداء أحد الكوريين على العامل عبد الكريم خليفة الفضلي. وبلغ حجم الفصل سبعة آلاف دولار أميركي وإجازة لمدة شهرين براتب كامل. مما يعني أفضل بكثير مما حققته نقابة كاظم نشيده لعمّالها!
وكم أتمنّى أن يدفع لنا كيم جونغ أون، حفيد كيم إيل سونغ ووريث دولته، تعويضاً عن كسر ذراع فلاح حسن، حتّى لو كان قنبلةً قذرةً صغيرةً، أو يقدم اعتذاراً على الأقل.
يابه خوش دولة وخوش نظام وخوش حكومة وخوش برلمان وخوش حرب على "الإرهاب".
شكراً للأخ شاكر الناصري الذي سمح لي بنقل صور الفصل العشائري من صفحته.
النص لحسين الموزاني روائي ومترجم عراقي مقيم في ألمانيا
قرصنة عن الفايسبوك