أمين معلوف في مصيدة الممانعة

alrumi.com
By -
0


راشد عيسى

أسوأ ما في الحملة الناشبة والناشطة حالياً تجاه الكاتب اللبناني الفرنسي أمين معلوف أنها تصدر عن إعلام الممانعة، وبالذات عن صحيفة ناطقة بلسان "حزب الله". 
لقد بات مألوفاً أن يفتّش إعلام الممانعة رؤوس الناس، ينصب حواجز طيّارة أمام مهرجان ثقافي أو سياحي في لبنان، إن أراد إفشال مهرجان يرعاه آل جنبلاط فما عليه إلا أن يفتش في تاريخ مغن أوروبيّ عن قيامه بزيارة لإسرائيل أو مصافحة لإسرائيلي (وبالطبع لا يجب أن نتوقع الحساسية نفسها لدى الغرب تجاه الإسرائيليين ونحاكمهم كما لو أنهم أصحاب القضية)، وإن أراد الثأر من محمود درويش، بسبب موقف سياسيّ لا يحفل بالأعلام ذات اللون الواحد، موقف مناهض للمتشدّقين باسم القضية، شنّ عليه أقسى الحملات فيما هو يزور مدينته حيفا ليقرأ فيها للمرة الأخيرة. 
لكن، وإن استطاع إعلام الممانعة أن يكشف عن ظهور معلوف على قناة إسرائيلية لا يعني أنه دائماً على حقّ، بل لا يعني أيضاً أنه حتى في هذه القضية تماماً على حقّ، خصوصاً أنه تمرّس في استخدام قضية الفلسطينيين، ورفض التطبيع غطاء لجريمة ودور سواء في الداخل اللبناني، أو في الخارج. 
كيف يأخذ إعلام الممانعة على معلوف هذه الزلّة، وينسى أنه ناطق باسم مَنْ خاض بالدم السوري (وقبله اللبناني) حتى العنق، من احتلّ وذبح وشرّد ودمّر، والإحصاءات باتت معروفة للجميع. 
قضية معلوف تُوّجت ببيان صدر عن "حملة مقاطعة داعمي إسرائيل في لبنان" يطالب الكاتب اللبناني بالاعتذار. وحتى الساعة لم يصدر عن الكاتب أي تصريح، ولو على سبيل نفي علمه بمعرفة هوية القناة، كما جرت العادة في مرات عديدة سابقة، حين تُجري صحف وقنوات مقابلات مع مبدعين عرباً بهويات مموّهة.
لكن من الواضح أن أمين معلوف، مؤلف "هويات قاتلة"، يعرف جيداً مكان قدميه، فقد كان جزءاً من حلقة في برنامج ثقافي (على قناة I24) تضمّن عدة فقرات، من بينها فقرة ظهرت فيها سيدة مغاربية فرنسية محجبة (هي لطيفة بن زياتن، وكانت ضمن وفد رئيس الحكومة الفرنسي مانويل فالس لدى زيارته الأخيرة إلى تل ابيب) قتل ابنها في فرنسا ضحية للإرهاب الجهادي، وهي جاءت هنا، إلى القدس، لتتوجه إلى الآخر، على حدّ قولها. إنه أمر يستحق الدرس، أن يدفع الإرهاب المتأسلم الناس إلى أحضان الآخر الإسرائيلي!
معلوف استُضيف في الحلقة ليتحدّث عن كتابه الأخير "مقعد على السين"، والذي يروي فيه سِيَر أسلافه على كرسي الأكاديمية الفرنسية، وربما كان مفهوماً أكثر لو أن الرجل تحدّث للقناة ليكشف (مثلاً) للجمهور الإسرائيلي عمّا لا يعرفه عن حقيقة دولته، حتى لا يبقى عذر لأحد ليقول "لم أكن أعرف". لكن ظهور معلوف كان من المجّانية بحيث أنه لم يترك لأحد فرصة الدفاع عنه، اللهم إلا من أرادوا مناكفة إعلام الممانعة، فقرروا الذهاب أبعد باتجاه إسرائيل.
لكن لنعترف أيضاً أن هناك تهافتاً لدى حيّز من النخبة السياسية والثقافية بات يستخفّ بمسألة التطبيع، وتكشف قضية معلوف وردود الفعل حولها جانباً كبيراً من رخاوة عربية، واستعداد للتهاون. 
وعلى سبيل المثال تضجّ أوساط المثقفين العرب في باريس بخبر دعوة لأمسية شعرية لشاعر سوري مبتدئ (عمر يوسف سليمان) لاجئ في باريس، إلى جانب شاعر إسرائيلي (أمير أور)، في إطار حوار شعري بين جيلين ولغتين وثقافتين! 
نفهم أن انكشاف أنظمة الممانعة يفضح زيف قواعد رفض التطبيع، ومكاتب مقاطعة إسرائيل، لكن لا بد من قواعد جديدة، قد يكون المختلف فيها النظر بعين الرأفة لوضع الفلسطينيين خصوصاً داخل الخط الأخضر، ممن يضطرون لحمل الجواز الإسرائيلي، أو لأمور أخرى كثيرة، يصعب علينا اكتشافها عن بعد. القواعد الجديدة إذاً يمكن أن تكون لمصلحة الفلسطينيين، لا من أجل إعلان صك براءة رسمي وشعبي لمحتل.
الغريب أن البعض يحاول أن يبرر فعل أمين معلوف باعتباره فرنسياً، وبالتالي يعتبرون أنه غير ملزم بما على اللبنانيين والعرب تجاه إسرائيل، ولكن حتى من هذا الباب دعونا نعاين أرشيفاً كبيراً من أدباء ومبدعين أوروبيين تعاطفوا مع قضية الفلسطينيين، ورفضوا التطبيع، رغم تعرّضهم لمضايقات، لنر مثلاً المقاطعة الأكاديمية لإسرائيل، بل والتضامن الكبير الذي نجده لدى المجتمع الفرنسي مع القضية الفلسطينية، التي يبدو معها تصرّف معلوف غير مفهوم بالمرة.
لا ندري إن كان معلوف قد استمع إلى نشرة الأخبار السابقة لظهورة على القناة، ولعلّها تحدثت عن مبادرة فرنسية للسلام رفضتها إسرائيل، وجرى تقزيمها بضغط أمريكي، لا ندري إن كان عرف بأن الحكومة الإسرائيلية اليوم هي الأكثر تطرّفاً مع تعيين أفيغدور ليبرمان وزيراً للدفاع، وإن كان عرف بزيارة الرئيس الإسرائيلي للمستوطنات الإسرائيلية في رام الله، في تأكيد صريح على بقاء الاحتلال، وانعدام أي رغبة إسرائيلية حقيقية بالسلام.
لا نتحدث هنا عن ترف الهويات، بل عن ظلم عايشناه جميعاً، كما عايشه معلوف، لحق بأهله اللبنانيين، كما لحق بالعرب جميعاً. فهل يعتذر حقاً!
 راشد عيسى
9 حزيران 2016
عن مدونة كوابيس

إرسال تعليق

0تعليقات

إرسال تعليق (0)