خاص---
قبل أي تحليل له معنى يرتبط بتشخيص متكامل لحدث الاستفتاء البريطاني، يمكن تقديم عدة ملاحظات:
١ - مازلنا علي الصعيدين السياسي والاقتصادي في ردة فعل . اسعار العملات ومؤشرات البورصات تدل على ذلك وهذا طبيعي . هذا لان الظاهرة جديدة وبسبب غياب القرار السياسي . اي نحن في ردة فعل وليس في جو قرار. القرار سيعطي التوجه العام للاحداث، وهذا مهم لاستقرار الرؤية .
٢ - رؤية القيادات البريطانية لمضاعفات الحدث، بعد انتهاء الحملة والبروباغندا ، ليست واضحة في شأن الخطوة التالية . الان وقد خرجت بريطانيا ليس هناك رأي حول كيفية الخروج والفترة اللازمة لانهاء العملية وعن مستقبل العلاقات بين بريطانيا والاتحاد الاوروبي. بريطانية تريد تأجيل استعمال المادة ٥٠ من اتفاقية الاتحاد الاوروبي التي تسقط عضوية اي دولة .
٣ - القيادة الاوروبية تريد تسريع عملية الخروج لكي تتفرغ لنتائجها ولكيفية اجراء عملية اصلاح سياسية لاعطاء نفس جديد لاوروبا لان الوضع لا يتطلب التأجيل . هذا الموقف قد يدفع الامور في بريطانية الى مزيد من التعقيد .
٤ - من الواضح ان القيادات البريطانية تريد المحافظة على علاقات قوية مع الاتحاد : مسألة تنقل المواطنيين والسلع ورؤوس الاموال ومسألة البريطانيين العمليين في اوروبا والاوروبيين العاملين في بريطانيا . لندن لا تريد تغييرات هامة على هذا الصعيد ، هذا ما صرحت به معظم الشخصيات البريطانية بعد الاستفتاء .
***
ليس بجديد رغبة غالبية بريطانية الانفصال عن الوحدة الاوروبية، هذا لا يفاجيء اي متابع لتقارير وكالات رصد الرأي في بريطانية. ابان رئيسة الوزراء ، تاتشر، في الثمانينات كانت نسبة الذين يطالبون بالانفصال فوق النسبة الحالية، وفي المتوسط ، خلال الخمسين سنة الاخيرة كانت تتراوح النسبة بين ٣٠ و٤٠ في المئة. كل القوى السياسية التي تعاقبت على الحكم كان لديها تيار معارض للوحدة الاوروبية ولبقاء بريطانيا عضوا فيها. وفي شكل عام كان من الممكن رصد قوة هذا التيار في اوساط الفئات الفقيرة الذين تأثروا اكثر من سياسة تاتشر الاقتصادية منها من عضوية بريطانيا في اوروبا الاتحادية . وكان هذا التيار اكثر تعبيرا في اوساط المحافظين التقليديين لا سباب اكثر ايديولوجية ( بريطانيا الامبراطورية ومخلفاتها) . لقد استفادة بريطانيا من اوروبا ومن عضويتها اقتصاديا ، كما يدل على ازدهار سريع وغير مسبوق لبورصة لندن وكل ما يدور في نطاقها من شركات تأمين ونمو للعديد من المصارف الاوروبية الضخمة بالاضافة الى مكاتب المحامات ووظائف كثيرة تعمل في جوانب عديدة من مراكز المال بما في ذلك النمو الكبير لقطاع التواصل وحتى لشركات الطيران بسبب ازدياد أمية لندن العالمية . كل ذلك تم في وقت فقدت فيه بريطانيا صناعاتها الاساسية التي حل مكانها قطاع الخدمات . لولا اوروبا لما استطاعت بريطانيا اجراء مثل هذا التحول باقل ثمن . كذلك لا يمكن المرور على الدور المركزي الذي لعبته بريطانيا في اوروبا . كل التحول الذي عرفته اوروبا نحو الليبريالية تم بحكم التأثير الهائل للفكر الانغلو-سكسوني وثقل بريطانيا السياسي في اوروبا. هذا التحول السريع والهائل في علاقات رأسمال بسوق العمل، لا سيما علاقات النظام المصرفي بتحرير سوق العمل وفرض شروطه على مجمل القوانيين التي تنظم علاقات اصحاب رأس المال باصحاب الاجور . تراجع الفكر الاشتراكي الديمقراطي الذي يعتبر سمة رئيسية للمجتمعات الاوروبية هو خير دليل على هذه الحقبة وحتى الان . الجديد في ما حصل هو نتيجة الهجمة الليبرالية وتراجع دور القعد الاجتماع القائم على التفاوض بين اصحاب رأس المال والنقابات ، وهو عقد مبني على فكرة عدالة اجتماعية تفاوضية يتم كل فترة تقيمها وفقا لمتغيرات الوضع الاقتصادي . في هذا السياق ، مع انحسار دور العقد الاجتماع وضعف شروط التفاوض، وارتفاع البطالة بفعل الازمات الاقتصادية الناتجة في غالبتها عن تقدم اللبيرالية الوحشة، نمت تيارات يمينية متطرفة واصبحت ذات قاعدة اجتماعية مهمة . هذا التيار هو الذي اخرج بريطانية من اوروبا وهو الذي في فرنسا وهولندا يدق ابواب السلطة. هذه التيارات هي الاكثر ليبيرالة لانها ضد النقابات وضد تقييد حرية رأس المال وضدد العقد الاجتماعي المبني على التفاوض والاجماع . اذن ليس هناك اي مفاجئة لما حدث في بريطانيا . الجديد والاكثر اهمية ، لان له عواقب سياسية في اوروبا ، هو اليمين المتطرف. لا اوروبا ليست عجوزة ، كما تحاول بعض الاقلام العربية قطع الطريق كعادتها على كل حوار مفيد، انها بلدان ديمقراطية مازالت تجدد في نظمها . اننا في مرحلة انتقالية صعبة بين حقبة الحركات الاجتماعية اليسارية وحقبة لم تظهر مكوناتها الفكرية والتنظيمية.
(*) باحث لبناني مقيم في فرنسا
قبل أي تحليل له معنى يرتبط بتشخيص متكامل لحدث الاستفتاء البريطاني، يمكن تقديم عدة ملاحظات:
١ - مازلنا علي الصعيدين السياسي والاقتصادي في ردة فعل . اسعار العملات ومؤشرات البورصات تدل على ذلك وهذا طبيعي . هذا لان الظاهرة جديدة وبسبب غياب القرار السياسي . اي نحن في ردة فعل وليس في جو قرار. القرار سيعطي التوجه العام للاحداث، وهذا مهم لاستقرار الرؤية .
٢ - رؤية القيادات البريطانية لمضاعفات الحدث، بعد انتهاء الحملة والبروباغندا ، ليست واضحة في شأن الخطوة التالية . الان وقد خرجت بريطانيا ليس هناك رأي حول كيفية الخروج والفترة اللازمة لانهاء العملية وعن مستقبل العلاقات بين بريطانيا والاتحاد الاوروبي. بريطانية تريد تأجيل استعمال المادة ٥٠ من اتفاقية الاتحاد الاوروبي التي تسقط عضوية اي دولة .
٣ - القيادة الاوروبية تريد تسريع عملية الخروج لكي تتفرغ لنتائجها ولكيفية اجراء عملية اصلاح سياسية لاعطاء نفس جديد لاوروبا لان الوضع لا يتطلب التأجيل . هذا الموقف قد يدفع الامور في بريطانية الى مزيد من التعقيد .
٤ - من الواضح ان القيادات البريطانية تريد المحافظة على علاقات قوية مع الاتحاد : مسألة تنقل المواطنيين والسلع ورؤوس الاموال ومسألة البريطانيين العمليين في اوروبا والاوروبيين العاملين في بريطانيا . لندن لا تريد تغييرات هامة على هذا الصعيد ، هذا ما صرحت به معظم الشخصيات البريطانية بعد الاستفتاء .
***
ليس بجديد رغبة غالبية بريطانية الانفصال عن الوحدة الاوروبية، هذا لا يفاجيء اي متابع لتقارير وكالات رصد الرأي في بريطانية. ابان رئيسة الوزراء ، تاتشر، في الثمانينات كانت نسبة الذين يطالبون بالانفصال فوق النسبة الحالية، وفي المتوسط ، خلال الخمسين سنة الاخيرة كانت تتراوح النسبة بين ٣٠ و٤٠ في المئة. كل القوى السياسية التي تعاقبت على الحكم كان لديها تيار معارض للوحدة الاوروبية ولبقاء بريطانيا عضوا فيها. وفي شكل عام كان من الممكن رصد قوة هذا التيار في اوساط الفئات الفقيرة الذين تأثروا اكثر من سياسة تاتشر الاقتصادية منها من عضوية بريطانيا في اوروبا الاتحادية . وكان هذا التيار اكثر تعبيرا في اوساط المحافظين التقليديين لا سباب اكثر ايديولوجية ( بريطانيا الامبراطورية ومخلفاتها) . لقد استفادة بريطانيا من اوروبا ومن عضويتها اقتصاديا ، كما يدل على ازدهار سريع وغير مسبوق لبورصة لندن وكل ما يدور في نطاقها من شركات تأمين ونمو للعديد من المصارف الاوروبية الضخمة بالاضافة الى مكاتب المحامات ووظائف كثيرة تعمل في جوانب عديدة من مراكز المال بما في ذلك النمو الكبير لقطاع التواصل وحتى لشركات الطيران بسبب ازدياد أمية لندن العالمية . كل ذلك تم في وقت فقدت فيه بريطانيا صناعاتها الاساسية التي حل مكانها قطاع الخدمات . لولا اوروبا لما استطاعت بريطانيا اجراء مثل هذا التحول باقل ثمن . كذلك لا يمكن المرور على الدور المركزي الذي لعبته بريطانيا في اوروبا . كل التحول الذي عرفته اوروبا نحو الليبريالية تم بحكم التأثير الهائل للفكر الانغلو-سكسوني وثقل بريطانيا السياسي في اوروبا. هذا التحول السريع والهائل في علاقات رأسمال بسوق العمل، لا سيما علاقات النظام المصرفي بتحرير سوق العمل وفرض شروطه على مجمل القوانيين التي تنظم علاقات اصحاب رأس المال باصحاب الاجور . تراجع الفكر الاشتراكي الديمقراطي الذي يعتبر سمة رئيسية للمجتمعات الاوروبية هو خير دليل على هذه الحقبة وحتى الان . الجديد في ما حصل هو نتيجة الهجمة الليبرالية وتراجع دور القعد الاجتماع القائم على التفاوض بين اصحاب رأس المال والنقابات ، وهو عقد مبني على فكرة عدالة اجتماعية تفاوضية يتم كل فترة تقيمها وفقا لمتغيرات الوضع الاقتصادي . في هذا السياق ، مع انحسار دور العقد الاجتماع وضعف شروط التفاوض، وارتفاع البطالة بفعل الازمات الاقتصادية الناتجة في غالبتها عن تقدم اللبيرالية الوحشة، نمت تيارات يمينية متطرفة واصبحت ذات قاعدة اجتماعية مهمة . هذا التيار هو الذي اخرج بريطانية من اوروبا وهو الذي في فرنسا وهولندا يدق ابواب السلطة. هذه التيارات هي الاكثر ليبيرالة لانها ضد النقابات وضد تقييد حرية رأس المال وضدد العقد الاجتماعي المبني على التفاوض والاجماع . اذن ليس هناك اي مفاجئة لما حدث في بريطانيا . الجديد والاكثر اهمية ، لان له عواقب سياسية في اوروبا ، هو اليمين المتطرف. لا اوروبا ليست عجوزة ، كما تحاول بعض الاقلام العربية قطع الطريق كعادتها على كل حوار مفيد، انها بلدان ديمقراطية مازالت تجدد في نظمها . اننا في مرحلة انتقالية صعبة بين حقبة الحركات الاجتماعية اليسارية وحقبة لم تظهر مكوناتها الفكرية والتنظيمية.
(*) باحث لبناني مقيم في فرنسا