Page Nav

HIDE

Grid

GRID_STYLE

اخبار عاجلة

latest

بين فتاة سلفادور دالي و رَجُل ماغريت

محمد حجيري الأحد 16 أكتوبر 2011 -   تأويلات كثيرة قد يخرج بها المتأمل في لوحات الفنانين التشكيليين العالميين، خصوصاً اللوحات الغامض...

محمد حجيري



الأحد 16 أكتوبر 2011 -  

تأويلات كثيرة قد يخرج بها المتأمل في لوحات الفنانين التشكيليين العالميين، خصوصاً اللوحات الغامضة منها أو الساحرة. هنا نظرة  إلى «شخص عند النافذة» للرسام الإسباني سلفادور دالي و{لا يمكن إعادة إنتاجه» للرسام البلجيكي رينيه ماغريت.

الشخص الواقف عند النافذة في لوحة سلفادور دالي هو آنا ماريا شقيقة الفنان التي كانت موضوعاً لعدد من بورتريهاته التي رسمها في عام 1925. عرضت اللوحة في أول معرض منفرد للوحات دالي في برشلونة، فنالت إعجاب بابلو بيكاسو الذي كان حاضراً. ربما يكون بيكاسو المشهور بتجربته الفنية في مجال اللون الأزرق قد سُحر بأزرق «شخص عند النافذة».
لا تظهر آنا ماريا في اللوحة سوى من الخلف فيما أخفى دالي وجهها، وهو تصرف غريب منه أعطى في حينه تفسيرات وتخريجات سايكولوجية كثيرة، والمشهد عموماً يمنح إحساساً بالهدوء والطمأنينة، وهي سمة نادرة وغير مألوفة في معظم رسومات دالي.
لم يرسم رينيه ماغريت امرأة، بل رجلاً في المرآة، ويبدو هذا الفنان في لوحته أكثر غموضاً من دالي. يعود تاريخ اللوحة إلى عام 1937، أما  الرجل فيها فهو صديق الرسام الكاتب الإنكليزي إدوارد جيمس، ونراه من الخلف واقفاً أمام مرآة وظهره لنا.
من الطبيعي أن نشاهد على صفحة المرآة انعكاسَ وجه الرجل ظاهراً لنا، لكن ما فعله ماغريت أنه قدم ما لم يكن في الحسان، إذ لا نرى وجه الرجل الذي ينظر إلى المرآة بل ظهره. لا نرى وجهه أبداً، ذلك في مشهد يدلّ على الزيف وخيانة الصورة. هكذا كانت هذه اللوحة حجة لتأويلات شاعرية وفلسفية كثيرة.
بين لوحة دالي ولوحة ماغريت يمكن تأويل بعض الجوانب في المشهدية الفنية استناداً إلى نقاد الفن والشعراء والكتاب، فعند الوقوف أمام عمل دالي يبدو إطار اللوحة نفسه نافذة مشرعة على نافذة داخلية أخرى.
يقرأ دالي جسد شقيقته بلغة الاستدارات المثيرة، لغة تدفع الباحث إلى أن يتوجّه بتركيزه نحو هذا الجزء المهم من اللوحة، لا لكونه المركز فحسب بل لأنه «الفخ» الذي ينشر شباك إغرائه ليسقط المُبتلي بالنظر في الإغواء. رسم دالي شقيقته وهي تتجه وتشرف بجسدها وحواسها نحو الخارج وتترك الخلف لتصنع حواس الآخرين وتبرهن أنها لعبة صلة الوصل والبصبصة المريبة. لا نرى وجهها، إلا أنه من الممكن التنبوء بدعوة غير معلنة توعز لمن يتطلع إليها بالمشاركة والاندماج في رؤية الخليج والبحر وتأمل عمق اللوحة وخلفيتها. لم يكتفِ دالي بتوظيف النافذة والستارة كإشارتي عبور وانتقال، بل لوّن بهما ثوب الصبية أيضاً، فنرى موج البحر وموج ثياب شقيقته التي رسمها بكتلة من الأزرق الفيروزي المتموج بالضوء.
كانت آنا ماريا بمثابة الأم لشقيقها دالي الذي استخدمها كعارضة لرسوماته، إلى أن ظهرت عشيقته غالا في حياته عام 1929 لتزيحها وتجلس مكانها، الأمر الذي أذكى مشاعر العداء والحقد في قلب ماريا. في ما بعد، كتبت الأخيرة تقول عن شقيقها صفات يبدو أنها لم تعجبه، إذ كانت تتناقض مع الصورة التي حرص هو على رسمها لنفسه في سيرته الذاتية، ما دفعه إلى رسم نسخة أخرى من هذه اللوحة وأطلق عليها اسماً مهيناً بحقّ شقيقته.

مرآة مزيفة

يبدو ماغريت أكثر شاعرية في لوحته من دالي، ولوحته تحمل أكثر من تفسير، فلم ينسَ ماغريت، زيادة في إدهاش الناظر وإرباكه، أن يرسم إلى جانب المرآة كتاباً لشاعره المفضّل الأميركي إدغار الآن بو يحكي فيه عن رحلة متخيلة. كان ماغريت متأثراً به وبقصائده الكثيرة عن الموت، ويقال إن أوّل ما فعله عندما حلّ في أميركا هو زيارة ضريح الشاعر الأميركي.
من يقرأ أقوال ماغريت في الفن والثقافة يمكن له استنباط معنى لوحته «لا يمكن إعادة انتاجه» ولوحاته الأخرى، فهو يقول إن إدراكنا عن أنفسنا ليس هو بالضرورة الصورة التي يرانا عليها الناس. كذلك يرى أن العين لا تعدو كونها مرآة ذات بعد واحد، وليست أكثر من مرآة مزيّفة لأنها لا تستطيع حتى أن ترى نفسها.
في قصة لوحة دالي، نلحظ عمق التأزم في العلاقة الأخوية (دالي وشقيقته)، فالفنان الذي اشتهر بأنه رفث شقيقته عندما كانت في الثالثة من عمرها، لم يتردد في رسمها بطريقة إيحائية و{غرامية» إذا جاز التعبير، والشقيقة التي كانت مدللة في لوحات الرسام ما لبثت أن ناصبته العداء بعد تقربه من غالا. أما لوحة ماغريت التي وضعها الشاعر اللبناني بسام حجار على غلاف مجموعته «سوف تحيا من بعدي»، فهي من دون شك إشارة الى أن لا شيء يبقى، لا شيء كما يتوقع المرء، كل شيء من حولنا هو زائف أو خائن ومخادع، والأمر نفسه في لوحة دالي وقصتها

ليست هناك تعليقات