أتذكّر أنّني قرأت مقابلة مع زها حديد في جريدة ألمانية أو إنجليزية قالت فيها إنّ عدد طالبات الهندسة المعمارية في جامعة بغداد
وقد تصفّحت يوم الأمس كتابيها اللذين يضمّان أعمالها الكاملة، ومازلت احتفظت بهما حتّى بعد أن بعت كتبي أو أهديتها إلى الآخرين.
خلال فترة الستينات كان أكبر بكثير من طالبات الهندسة المعمارية في جامعة لندن. ومع ذلك فقد طغى حضور مصمميّ المباني على المشهد المعماري العراقي، وقد حظي بعض المعماريين العراقين بشهرة واسعة. لكنّ أيّاً منهم لم يقدم نظرة شاملة للمعمار مثلما فعلت زها حديد. فهي أردات أن تحدث توازناً هندسياً لدخيلة الإنسان الفوضوية الغامضة وتوازناً ذهنياً لفوضى المدينة وضياع الفرد فيها. واستحدثت منظوراً جديداً للمكان، بحيث أنّها دمجت بين المكان العام والخاص عبر إزالة الزوايا الحادة. فهي تعتقد أن الإنسان خال من الزوايا، ويحتاج إلى أكبر قدر من المرونة والانسابية، حتّى يتداخل في المكان ويصبح جزءاً منه. وترى أنّ أسلوبنا السكني أو حياتنا المعمارية كانت خاطئة منذ تشييد أوّل مبنى في تاريخ البشرية في عصر السومريين، لأن تلك المباني كانت عملية وضيّقة ومنخفضة ومكعبة كالصناديق. ورأت أنّنا أمضينا حياتنا كلّها معلقين في صناديق كالبضائع، صناديق وأقفاض إسمنتية خالية من الرحمة والبعد الإنساني. فنسفت دفعةً واحدةً تلك الأنماط السكنية التقليدية الموروثة، ووضعت لها بديلاً هندسياً مرهفاً في شاعريته، وجعلت الإسمنت واللون يخاطبان الإنسان ويتحاوران معه. فانسنت بذلك المكان وغيّرت نظرتنا إلى العالم وإلى أنفسنا أيضاً. ولم تكتف زها حديد بتصاميم المباني العملاقة، بل إنّها صممت قطع أثاث وآنية وأدوات مطبخ للاستخدام اليوميّ. ومثلما نرى المقعد الواسع، غير المريح في الوقع، والذي وضعته في متحف MAXXI لفنون القرن الواحد والعشرين في روما. واهتمت أيضاً بالمداخل والأفنية الداخلية وأظهرت مراعاة كبيرة للطبيعة، مثل الشجر والماء. ولم تتجاهل قطّ الوظيفة العملية للمبناني، بل صنعت حتّى من ذلك الفراغ الممل أمام معهد العالم العربي بباريس بهواً للعروض الفنية Pavillon.