عن الفايسبوك
عندما قرأت "الديوان" الشعري الوحيد لوليد جمعة الذي رحل في منفاه الدنماركي قبل نصف عام، لفتت انتباهي ملاحظة استهل بها وليد جمعة ذكرياته عن مقهى "إبراهيم أبو الهيل" ببغداد والذي يعرف باسم "مقهى المعقّدين"، وكان الشاعر من روّاده الأوائل، مفادها أنّ هناك ثلاثة أنواع من الغربان، وفقاً لتصنيف الكاتب الروسيّ ألكسندر كوندراتوف، وهي غربان المدينة التي تختلف لغتها عن لغة غربان المدينة وثمّة نوع ثالث وهو الغربان الجوّالة التي تتنقل بين الريف والمدينة. ويعلّق وليد جمعة على ذلك بالقول إن هناك ثلاثة أنماط من البشر وهم:“أبناء العوائل ولهم طبيعتهم وعاداتهم وعلاقاتهم، وأبناء المقاهي، ثمّ أبناء الشوارع. ونادراً ما يقيم أبناء العوائل أيّة علاقة مع أبناء الشوارع. فقط أبناء المقاهي، الغربان الجوّالة وحدهم القادرون على التواصل مع أبناء العوائل والتعامل مع أبناء الشوارع باللغات والممارسات التي يتميّز بها المجتمع".
ولا نريد هنا تناول ترِكة الشاعر و آرائه، إنّما ذكّرني هذا التصنيف بقريب لي من طرف الوالدة واسمه حسن ورك، وكان مجادلاً عنيداً ولا يستشهد إلا بلينين، ولعّله أكثر من كان يستهد بفلاديمير إلتش لينين من العراقيين أجمعين. ويصنّف طبقة العمّال إلى عمال مهرة وبروليتاريا رثّة التي يطلق عليها الألمان اسم Lumpenproletariat والعمّال الزراعيين. لكنّه كان يبالغ كثيراً حتّى ذاع صيته في مدينة الثورة باعتباره شيوعياً مارقاً. وكان يعرض نظرياته في مقهى "حسن بلاسم" في قطّاع خمسة وخمسين في "الثورة داخل“. وكان يعمل مزارعاً في بلدية بغداد. ولأنّه لم يكن راضياً بلقب مزارع، فقد صار يبحث عن أساس نظري لمهنته. فقال ذات مرّة، وكنت حاضراً آنذاك، إنّ هناك فرقاً واضحاً بين الفلاح والمزارع والعامل الزراعي، فالمزارع الفنّي، أو العامل الزراعي، هو أكثر وعياً من الفلاح والمزارع وهو الذي ينقل الوعي السياسي إليهما، وقد حدث ذلك في مطلع السبعينات. وكان الفلاحون والمزارعون الرسميون يتطيرون منه رعباً، بسبب عينه العوراء من ناحية ونظرياته العمياء من ناحية أخرى. واحتارت بلدية بغداد بأمره، فصارت تحاول إبعاده عن بغداد بشتى السبل، إلى أن انتهى به الأمر "عاملاً زراعياً" في منطقة "سلمان باك" التي انتصب فيها المعلم الساساني المعروف باسم "طاق كسرى"، ملك الفرس قبل الإسلام.
فقال حسن ورك: إنه عندما ذهب إلى سلمان بك كان الفلاحون يجلسون على الأرض ويتناولون الغداء. وعندما أقبل عليهم هتف عن بعد: نقلوني لكم من بلدية بغداد. فردّ عليه أحد المزارعين مذعوراً: „بس لا حسن ورك!“ فأجابهم بلغة عربية واضحة، مفصّحاً حتّى اسم أبيه: „وحقّ لينين ما أتاكم إلا حسن ورق!“. ويبدو أنّ العالم العربي قد تجاوز الآن مرحلتيّ العور والعمى ودخل في مرحلة التوّحد السلبيّ التي لا براء منها ولا شفاء! على أساس حاسبين بغداد مدينة وهي يعضها المطي
ويعوص. وقد غادرها حتّى الغراب الأسحم!
عندما قرأت "الديوان" الشعري الوحيد لوليد جمعة الذي رحل في منفاه الدنماركي قبل نصف عام، لفتت انتباهي ملاحظة استهل بها وليد جمعة ذكرياته عن مقهى "إبراهيم أبو الهيل" ببغداد والذي يعرف باسم "مقهى المعقّدين"، وكان الشاعر من روّاده الأوائل، مفادها أنّ هناك ثلاثة أنواع من الغربان، وفقاً لتصنيف الكاتب الروسيّ ألكسندر كوندراتوف، وهي غربان المدينة التي تختلف لغتها عن لغة غربان المدينة وثمّة نوع ثالث وهو الغربان الجوّالة التي تتنقل بين الريف والمدينة. ويعلّق وليد جمعة على ذلك بالقول إن هناك ثلاثة أنماط من البشر وهم:“أبناء العوائل ولهم طبيعتهم وعاداتهم وعلاقاتهم، وأبناء المقاهي، ثمّ أبناء الشوارع. ونادراً ما يقيم أبناء العوائل أيّة علاقة مع أبناء الشوارع. فقط أبناء المقاهي، الغربان الجوّالة وحدهم القادرون على التواصل مع أبناء العوائل والتعامل مع أبناء الشوارع باللغات والممارسات التي يتميّز بها المجتمع".
ولا نريد هنا تناول ترِكة الشاعر و آرائه، إنّما ذكّرني هذا التصنيف بقريب لي من طرف الوالدة واسمه حسن ورك، وكان مجادلاً عنيداً ولا يستشهد إلا بلينين، ولعّله أكثر من كان يستهد بفلاديمير إلتش لينين من العراقيين أجمعين. ويصنّف طبقة العمّال إلى عمال مهرة وبروليتاريا رثّة التي يطلق عليها الألمان اسم Lumpenproletariat والعمّال الزراعيين. لكنّه كان يبالغ كثيراً حتّى ذاع صيته في مدينة الثورة باعتباره شيوعياً مارقاً. وكان يعرض نظرياته في مقهى "حسن بلاسم" في قطّاع خمسة وخمسين في "الثورة داخل“. وكان يعمل مزارعاً في بلدية بغداد. ولأنّه لم يكن راضياً بلقب مزارع، فقد صار يبحث عن أساس نظري لمهنته. فقال ذات مرّة، وكنت حاضراً آنذاك، إنّ هناك فرقاً واضحاً بين الفلاح والمزارع والعامل الزراعي، فالمزارع الفنّي، أو العامل الزراعي، هو أكثر وعياً من الفلاح والمزارع وهو الذي ينقل الوعي السياسي إليهما، وقد حدث ذلك في مطلع السبعينات. وكان الفلاحون والمزارعون الرسميون يتطيرون منه رعباً، بسبب عينه العوراء من ناحية ونظرياته العمياء من ناحية أخرى. واحتارت بلدية بغداد بأمره، فصارت تحاول إبعاده عن بغداد بشتى السبل، إلى أن انتهى به الأمر "عاملاً زراعياً" في منطقة "سلمان باك" التي انتصب فيها المعلم الساساني المعروف باسم "طاق كسرى"، ملك الفرس قبل الإسلام.
فقال حسن ورك: إنه عندما ذهب إلى سلمان بك كان الفلاحون يجلسون على الأرض ويتناولون الغداء. وعندما أقبل عليهم هتف عن بعد: نقلوني لكم من بلدية بغداد. فردّ عليه أحد المزارعين مذعوراً: „بس لا حسن ورك!“ فأجابهم بلغة عربية واضحة، مفصّحاً حتّى اسم أبيه: „وحقّ لينين ما أتاكم إلا حسن ورق!“. ويبدو أنّ العالم العربي قد تجاوز الآن مرحلتيّ العور والعمى ودخل في مرحلة التوّحد السلبيّ التي لا براء منها ولا شفاء! على أساس حاسبين بغداد مدينة وهي يعضها المطي