يستقبل المولود الجديد الحياة بصرخة، صرخة بداية ليست سوى صدى صرخة نهاية حملها معه من حياة سابقة. صرخة كأنها نفير بوق تعلن بداية حرب أزلية بين الحياة و الموت.
ويبدأ مشوار التحدي، طريق لم يختر سلوكه و لم يكن له يد في خط اي من تعرجاته و مطباته و مفارقه و ما أكثرها.. لا أحد يخبره ان اللفة التي البسوه إياها ليست سوى الوجه الآخر لكفن مؤجل و أن كل خطوة يخطوها، كل قرار يأخذه، كل دقة قلب يتبعها، تقربه اكثر و اكثر من بداية النهاية.
هذه النهاية تندس جذورها مع أول نفس يختلج صدورنا، إذ يدخل محمل بعادات و تقاليد مجتمع فرض علينا. و يزداد الحمل يوما بعد يوم الى أن ينحني قلبنا تحت أوزار الحياة و تتأصل هذه الجذور لتكبل عروقنا و تتمدد كالأعشاب الضارة في أوردتنا.
لكن روحنا تبقى حرة، طليقة، خفيفة كنسمة صيف تحاول رفعنا الى الأعلى بينما تشدنا أثقال حياتنا المرسومة المعلبة مسبقا نحو اسفل السافلين. و هنا خلال لعبة الشد هذه قد نفقد التوازن و نجد أنفسنا معلقين بحبال أفكارنا حائرين بين تسلق هذه الحبال للوصول الى سماء متلألئة بأضواء الأمل و الحرية و بين لفها حول أعناقنا و الإستسلام لشعور الإنقياد المخدر.
الإختيار لم يكن و لن يكون ابدا بالسهل المطاع و لكن الحيرة و التردد يبقيان الأصعب. علينا التحرك أيا كانت الوجهة الى الأمام أو الى الوراء، الى الأعلى أو الى الأسفل المهم أن لا نقف، أن لا نصبح كالجماد، أن لا نفقد القدرة على التغيير، أن لا ننصاع وراء صراخ الجموع المبرمجة. علينا أن نسمع صمت أنفسنا و نملأ الفراغ كي لا يملؤنا.
قد لايكون قرار البداية بأيدينا و لكن قرار النهاية يعود لنا وحدنا. الإنتحار لايكون فقط بإيقاف دقات القلب او بسلب النفس من الصدور، فإنتحار الأمل، كما إنتحار الفرح، كما انتحار الحرية، وجوه لعملة واحدة. قد تؤمن لنا الراحة و لكنها لن تكون أبدية و لن تكون حقيقية مثل فقاعة صابون تبهرنا بألوانها و شفافيتها و لكنها ما تلبث أن تختفي دون أثر يذكر.
علينا أن لا نجعل نهايتنا هشة كوجعنا، فلنأخذ هذا الوجع الذي يختلجنا و نحوله الى قوة، ولنتذكر دائما علينا أن ننكسر ليشع النور من داخلنا و يسطع. ليكن الإنتحار إنتصار على الإنكسار.