محمد حجيري | الأحد 21/02/2016
غالباً ما يرتبط اسم الممثلة السورية، ناهد علاء الدين المعروفة بـ"اغراء"، بالتعري والقُبل الساخنة و"الجرأة" في الأفلام التي شاركت فيها، وهي "للكبار فقط"، خصوصاً "عارية بلا خطيئة" و"الفهد"، من خلال المشهد الأشهر في تاريخ السينما السورية، على الإطلاق وهو مشهد إغراء، وهي تستحم عارية قرب أحد شلالات الماء في منطقة الربوة في دمشق، ومن بعد ذلك بداية علاقتها مع الممثل أديب قدورة، عندما ينام فوق جسدها وهي عارية تماماً.
لغاية اليوم، عندما يذكر أي كان فيلم "الفهد"، يتم ذكر مشهد تعري إغراء التي تقول عنه: "لقد قبلت بتصوير هذا المشهد إنقاذاً مني للفيلم، وذلك عندما انتهينا من تصوير الفيلم حضر إلي في ذلك الوقت مخرج الفيلم ومدير إنتاج الفيلم من المؤسسة العامة للسينما منتجة الفيلم، وطلبوا مني تصوير هذا المشهد إنقاذاً للفيلم، ويومها لم أجد من مناص لإنقاذ هذا الفيلم، وقبلت بالتعري كاملاً"، ويومها قالت إغراء أيضاً كلمتها المشهورة: "ليكن جسدي جسراً تعبرُ عليه السينما السورية"...
لوهلة لا ننتبه كثيراً الى هذا القول المنسوب الى اغراء، ربما بسبب قوة مشهد التعري، أو أن التعري (العربي) يصير "ينظر" إلينا في اللاشعور كأنه تنويم مغناطيسي، ولا ننتبه كثيراً إلى الكلام المكتوب، ولكن بفي لحظة حين نمارس تزجية الوقت في قراءة بعض من أقوال اغراء أو مقابلاتها، نجد ما ليس في الحسبان. فالفنانة صانعة الاغراء الجسدي الركيك، لديها في كلامها ملامح من الغواية، وحتى الكتابة عنها كانت تتم بشيء من الشغف. في مقابلة قديمة في احدى المجلات، نشرها الباحث محمود الزيباوي في "فايسبوك"، وهي مقابلة مشتركة مع اغراء وشقيقتها "فتنة" (اسمها الحقيقي سحر)، يعرّف الصحافي في المجلة الفنية، "إغراء"، بأنها "شقراء... وحلوة فيها أنوثة جارفة واستسلام يلهب الاعصاب، ومع ذلك فهي تكره الجنس... وتكره الذئاب من الرجال، وتعيش في عالم من الخيال، وفي أيام قيس وليلى وتحمل في وجهها براءة القديسين وتحكي عيناها حكاية الطهر"... لوهلة يظن المرء أنه يقرأ عن بطلة من أبطال روايات غارسيا ماركيز، ومزج بين الواقعي والغرائبي، بين العذرية والفحش، بين الشعر و"السذاجة".
يسألها الصحافي: ما رأيك في المرأة يا إغراء؟ تجيب: "المرأة فارس يحمل سيفه في فمه"، وهنا أيضا عبارة نحسبها من عبقريات السورياليين أو رواد قصيدة النثر، وتضيف ان الحب "شبح يتكلم عنه الجميع وقليلون هم الذين رأوه"، وقلب المرأة "قيثارة لا تبوح بأسرارها الا لمن يعرف كيف يعالجها". أما أكثر الأجوبة اثارة للانتباه لقارئ يتعاطى الشأن الثقافي، عندما يسألها الصحافي الذي لا نعرف اسمه، عن أفضل الكتب الاجتماعية والتاريخية فتقول: "أقرأ لبنت الشاطئ (عائشة عبد الرحمن) وتيمور (يرجح ان يكون محمود) وطه حسين، ومن الكتّاب العالميين فكتور هوغو وشكسبير وفولتير". أما شقيقتها "فتنة"، فتقرأ فرنسواز ساغان، الروائية الفرنسية الوجودية، التي لمعت عندما نشرت روايتها الأولى "صباح الخير أيها الحزن".
وأن تعلن اغراء وشقيقتها فتنة، عن أسماء الكتب والكتاب، فهنا إما فذلكة ابتكرها المحاور أو الصحافي، أو اننا نجهل "ثقافة اغراء"، فغالباً ما يكون لدى الصحافة الثقافية نظرة مسبقة واستغبائية و"استعلائية" عن أحوال الفنانات اللواتي يشتهرن بأجسادهن ولغة اجسادهن، فتكون هوايتهن المطالعة لكنهن لا يقرأن، وربما يقرأن بعض قصائد نزار قباني أو عبارات قليلة لجبران خليل جبران...
وخلال فترة محدودة عملتُ خلالها في الصحافة الفنية اللبنانية، كثيراً ما كنت أسأل الفنانات عن كتبهن المفضلة، فيكون الجواب المعروف والممل "الخيميائي" للكاتب المعروف باولو كويلو، كأنه جواب اللاقراءة... أما جواب "إغراء"، ففيه شيء من ملامح مارلين مونرو، التي شغلت الكثير من الكتّاب بصورها وهي تحمل الكتب النخبوية، لا أي كتب. فمارلين الشقراء المتهمة بالغباء و"البلاهة"، تحمل "عوليس" لجيمس جويس و"أوراق العشب" لوالت ويتمان، وهما من ابرز الكتّاب العالميين. وإذا قلنا انه يمكن استسهال قراءة وايتمان الشاعر، فعوليس الرواية السردية يلزمها قارئ محترف ومتمعن. فهل كانت مارلين قارئة محترفة أم هي لعبة الصورة والميديا؟ وهل كانت إغراء تقرأ فولتير أم هي لعبة التصريحات والتسلية وموضة الكلام؟
وإغراء الممثلة الشهيرة والمختفية أو المتقاعدة، التي اختارها المخرج السوري الراحل عمر اميرالاي لتكون مشروع فيلمه غير المنجز "اغراء تتكلم"، تقول في مقابلة أخرى مع مجلة "الشبكة"، إنها تحب شعر "الثوري والسياسي" أحمد فؤاد نجم، ولو لم تكن ممثلة أو فنانة لكانت "كاتبة قصة قصيرة" بحسب قولها. وما زالت حتى الآن تعتبر الجسد "ممراً للسينما"، وهي تعرت في زمن وتمجده، ولم تلجأ إلى التوبة والحجاب، ولم "تخجل" من ماضيها الغابر. وفي أقوالها، التي نستلها من "انتيكا" المجلات والصحف القديمة، جزء من المنطق. فهي، وإن تعرّت بالكامل وسمّت نفسها باسم صاروخي، لم تركّز في حديثها على الاغراء والتعري، ونظرتها الى هذين الأمرين فنية، وليست صرعة ايروتيكية جسدية: "الفن بحر واسع، والتعبير عنه يكون بأشكال مختلفة ومتنوعة، وبالتالي لا يجب ولا يجوز ومن المعيب أن يحكُم أيُّ إنسان على الفنان من أدائه الفني، الأداء الفني لا يحُكّم"... و"البوسة، والمايوه، والرقص الشرقي أساس نجاح أي فيلم في شباك التذاكر". والراجح أن جمهور الكبت يحمّل التعري السينمائي أكثر مما يحتمل، ربما بسبب صحراء الخيال.
عن المدن