حسين الموزاني
يطلق اليساريون الألمان اسم "قطاع غزّة" على شارعيّ كارل ماركس وزونن أليه Sonnenallee في حيّ نويكولن البرليني. وتنطوي هذه التسمية على معنيين، أحدهما اجتماعي سياسي والآخر جغرافي. لأنّ عبارة Gazastreifen الألمانية تعني قطاع غزة بمعنى الشريط الساحلي، نظراً للامتداد العمودي على ساحل البحر المتوسط، وبهذا المعنى فإنّ شارع كارل ماركس وزونن أليه هما شريط غزّة في برلين حيث يقيم عدد كبير من العرب، وخاصةً القادمين الجدد من بلاد الشام. وتجد هناك أجود أنواع الفول والحمّص والفتّة والتبّولة والمناقيش وما إلى ذلك. لكنّني لم أسمع عربياً واحداً يتحدّث عن كارل ماركس نفسه ، إلا بمعنى "والله اليوم أكلنا مناقيش عند كارل ماركس". وعندما جبت هذا الشارع طولاً وعرضاً يوم الأمس والتقط لي الفنّان طالب حسين عدداَ من الصور، تذكّرت مقولة ماركس الشهيرة القائلة إنّ الدين أفيون الشعوب. وهناك من يزعم بأنّه قد يأتي بوصف أشدّ بلاغة وقسوةً من ذلك إذا ما أراد أن يصف الإسلام على سبيل المثال، فيقول إنّ الدين طاعون الشعوب. وتعميماً للفائدة، نورد هنا مقاطعَ من مقالة ماركس التي نشرها عام ١٨٤٤ بعنوان "نقد فلسفة الحقّ الهيغلية"، والتي جاء فيها:
"إنّ الدين هو زفرة المخلوق المهموم ووجدان العالم القاسي، مثلما هو روح الأوضاع الخالية من الروح، وهو بالتالي أفيون الشعب. والصراع ضد الدين هو صراع غير مباشر مع عالم يمثّل فيه الدين النكهة الروحية، فالدين هو الشمس الوهمية التي تدور حول الإنسان وهو واقف في مكانه بلا حراك".
ويقول ماركس أيضاً إنّ نقد الدين هو الشرط الأساسي لكلّ نقد آخر. ومع ذلك فيجب أن اعترف بأنّ المناقيش الفلسطينية كانت لذيذةً وزهيدة الثمن. وبالمناسبة حاولت بلدية برلين إلغاء اسم الشارع، لأنّه اسم أيديولوجي تحريضيّ، فصوّت سكّان الشارع في استفتاء عام ضد هذه الفكرة اليمنية، فاحتفظوا باسم فيلسوف البروليتاريا العالمية ومنظّرها الثوريّ.