زهير دبس(*)... انتظار بين موتين

alrumi.com
By -
1

"عاجل"، "ورد الآن"، "مباشر"، "منذ قليل"، "خبر عاجل"... لم تعد هذه الكلمات والعبارات التي تقفز فجأة وتحتلّ شاشات التلفزة والإذاعات وسائر وسائل الإعلام، سوى عناوين للموت تبشّر اللبنانيين بأنّ هناك فصلاً دمويّاً جديداً سيعيشون مآسيه ويحتلّ حياتهم ويدمي قلوبهم ويأخذ فلذات أكبادهم... الخبر يبدأ صغيراً ويبدأ بالتدحرج ككرة نار... "ورود أنباء عن سماع دوي انفجار في المحلّة الفلانية"... وما هي إلا دقائق حتّى تبدأ الصور الأولى البعيدة والتي غالباً ما تكون عبارة عن سحب دخان أسود يتصاعد فوق المدينة لتتوالى الأحداث والوقائع... انقطاع الاتصالات الخليويّة نتيجة الضغط على الشبكة... تقطع وسائل الإعلام برامجها وتبدأ بالتغطية المباشرة من قلب الحدث... يختفي المارّة من الشوارع وتخلو من السيّارات، تتسمّر النّاس أمام الشاشات لمشاهدة فصل جديد من فصول الموت... يبدأ عدّاد الموت بتسريع وتيرة أرقامه: عشرة شهداء، عشرون، ثلاثون، خمسون وربّما أكثر... تبدأ المستشفيات بنداءات التبرّع بالدم... تنطلق تصريحات الإدانة والاستنكار والدعوة إلى الوحدة الوطنيّة... يتوافد المسؤولون إلى موقع الجريمة وينفتح الفضاء على مصراعَيه. تفتح أقسام الأخبار في التلفزيونات استديوهاتها للمحلّلين والسياسيين ليردّد الجميع عبارات اعتادت آذاننا سماعها: "الإرهاب لا دين له ولا منطقة" و"الرحمة للشهداء والشفاء للجرحى"... تبدأ صور الشهداء بالظهور على مواقع التواصل الاجتماعي ونبدأ بالتعرّف إليهم ومعرفة قصصهم وحكاياهم... يُصدر وزير التربية قراراً بإقفال المدارس ورئاسة الحكومة تعلن الحداد العام... تبدأ القرى والبلدات باستقبال جثامين أبنائها ويوارى الشهداء في الثرى ونعود لممارسة حياتنا بشكل طبيعي ونعود ننتظر فصلاً دمويّاً من جديد...
إنّه انتظار بين موتَين، وبينهما تبقى حياتنا مشرّعة على الجحيم. ننتظر انفجاراً جديداً يودي بأهل وأخوة وأبناء وأحبّة هم أبناء وطننا وفقراؤه ومعذّبوه.. لا شيء يلوح في الأفق، لا وميض ضوء في نهاية النفق... نتساءل بألم وحسرة كم من الانفجارات ستحصل ويدفع ثمنها أهلنا وأحبّتنا ووطننا لكي نعي ونتّعظ ونجنّب بلدنا الحريق الكبير المندلع في المنطقة، ويمتدّ إلينا ليحرق بلدنا وأهلنا... كم من الوقت سيمضي وكم من الدمار والموت سيحصل لنعي أن لا خلاص لنا إلا بوحدتنا وتماسكنا وتمسّكنا بمؤسّساتنا الدستوريّة، الوحيدة القادرة على حمايتنا وحماية لبنان من ذلك الجحيم الذي يلفّ المنطقة ويحيط بنا.
كم انفجاراً يجب أن ننتظر لكي يجتمع مجلس الوزراء ويلتئم مجلس النوّاب ويتمّ انتخاب رئيس للجمهوريّة؟ وكم شهيداً يجب أن يسقط لكي يقتنع الجميع أنّ الدولة بمؤسّساتها الأمنيّة هي الوحيدة القادرة على حماية الجميع؟ وكم من الوقت يجب أن يمرّ لكي ندرك أنّ الحقد والكراهية لا يبنيان وطناً ولا يصنعان سلماً ولا ينصران قضيّة؟ وأنّ مصطلحَي "التعايش" و"الشراكة" يجب أن يرتقيا إلى مصطلح أعمق وأشمل هو "المواطنة" التي تلغي الفوارق الطائفيّة والمناطقيّة والعنصريّة بين الناس.
 "عين السكّة" في برج البراجنة محطّة جديدة من محطّات الموت والدمار، تُضاف إلى أسماء المناطق الأخرى التي سبقتها، والشهداء الذين نتعرّف إليهم بعد كلّ انفجار تُضاف أسماؤهم أيضاً إلى اللائحة الطويلة التي تتضاعف أرقامها تفجيراً بعد تفجير...
في هذه اللحظات العصيبة التي يمرّ بها لبنان، لا يسعنا إلا الترحّم على الأرواح البريئة التي سقطت والدعاء بالشفاء للجرحى والابتهال إلى الله.. اللهم نجِّ وسلّم.


*رئيس تحرير مجلة المغترب، النص عن الفايسبوك..

Tags:

إرسال تعليق

1تعليقات

إرسال تعليق