فايسبوك
يرى الزائر في مدخل جامعة هومبولد Humboldt في شرق برلين والتي نال ٢٩ خريجاً وأستاذاً فيها جائزة نوبل في مختلف العلوم، يرى قطعةً من المرمر نُقشت عليها إحدى فرضيات كارل ماركس وهي الفرضية الحادية عشرة والأخيرة من فرضياته حول الفيلسوف الألماني لودفيغ فويرباخ، الذي يطلق عليه لقب "قناة النار" التي طهّرت ماركس من أدران الدين حتّى بات في نظره أفيوناً للشعوب. وتقول هذه الفرضية: "لقد فسّر الفلاسفة العالم بأشكال مختلفة ليس إلا، والأمرُ يتعلّق بتغييره". ونحن نعلم بأنّ نظرية ماركس المادية تقوم على اعتبار العمل العامل الحاسم في التقدم البشري ونشوء الحضارة والقيم الإنسانية والأخلاق والتغيير الاجتماعي، على الرغم من أنّ ماركس نفسه لم يعمل في حياته عملاً منتظماً، إنما كان ثورياً محترفاً. ونحن نرى في هذا السياق مئات اللآلاف من الشباب العراقيين يتظاهرون منذ أسابيع احتجاجاً على ساسة العراق ورجال دينه وطوائفه وسرقاتهم وعمالتهم وضلوعهم في الأعمال الإرهابية. فحاولت "المرجعية" الشيعية غير المعترف بها من قبل تسعين في المئة من المسلمين في العالم، والتي يعتبر ممثلوها مارقين وكفرة يستحقون القتل، حاولت ركوب موجة الاحتجاجات وصار الناطقون باسمها يتصدرون المشهد السياسي وكأنهم هم الذين سيسقطون حكومة الفاسدين والعملاء التي أتوا بها هم أنفسهم وساندوها وقدموا لها الدعم في الانتخابات الأخيرة وتغاضوا عن جرائمها في حقّ الشعب العراقي. ويطلق مقتدى الصدر مثلاً على رجال "الحوزة" هؤلاء لقب "المرجعية الصامتة" لأنّها صمتت مثلاً عن الاحتلال الأمريكي للعراق، مدركةً بأنّ المحتلين سيتركون السلطة للأحزاب الشيعية التي تشرف عليها إيران. والآن يتظاهر العراقيون لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من البلد. ومع ذلك فإنّ الحكومة العراقية تتجاهل حتّى النداءات الخجولة التي توجهها المرجعية إلى الساسة بين الحين والآخر. وستتجاهل أيضاً مظاهرات العراقيين ومطالبهم المشروعة بإلغاء الطائفية ومحاربة الفساد وإصلاح القضاء وإعادة بناء البلد المدمّر. ولن يستيجب لهم هؤلاء الساسة بالطبع، فكيف يستجيبون لهم وهم يتجاهلون دماء مئات الآلاف من ضحايا الإرهاب والقتل اليومي وملايين المشردين داخل العراق وخارجه، ويتجاهلون حتّى احتلال داعش للمدن الشمالية وتدمير تاريخ العراق وحضارته؟
ولذلك نرى أنّ أحد الحلول العملية هو قيام الشباب في المحافظات الجنوبية باقتحام ما يسمّى بمجالس البلديات وإدارة شؤونهم اليومية بأنفسهم، فهم عماد العراق وذخره ومستقبله. وستدفع هذه الخطوة الحكومة "المركزية" إلى إعادة النظر في العديد من القرارات. وهذا المطلب سهل التحقيق بالمناسبة، لأنّ مجالس البلدية الفاسدة هذه والعميلة أخفقت في الحفاظ على مدنها أمام تنظيم داعش الأمريكي-الصهيوني وخرجت مذعورةً، فكيف لها أن تصمد أمام غضب الشباب الأبطال الحقيقيين؟ لكنّ الخطوة الأهمّ من ذلك كلّه هي البدء بالعمل فوراً وإعادة بناء العراق على أسس سليمة، وأنا مستعد أن أعمل كنّاساً في مدينة البصرة بعد تحريرها من براثن العجم.
وسنرى في الأخير أيّ لحية سيُكتب لها النصر، فهل هي لحية كارل ماركس أم لحية علي السيستاني!
كاتب عراقي