قتل داعش لعالم الاثار السوري خالد الاسعد، والتنكيل بجثته قرب اثار تدمر التي احبها وحافظ عليها كمن يعتني بعائلته، يعطي رمزية اكبر لكل ...

داعش باتت ايضا رمزاً . لم يعد أحد ُيذكرنا بأنها "دولة الخلافة في العراق وبلاد الشام". اختفى المضمون ومعه الصراع الفكري ـ التاريخي حول المُسمى وشروط استخدامه، لم يبق غير داعش وما ترمز له. يكفي ذكرها حتى تتدافع الاحداث بعظمتها، بروعتها ودراميتها .
داعش، بكثافتها الدرامتيكية، رَمز لم يظهر بهذا القدر من الفجاجة ، عاكسا وضعا ثقافيا وسياسيا وانسانيا. انها بالطبع وفي هذا الظرف المأساوي لشعب سوريا، لا تختلف عن ما يقوم به نظام عائلة الاسد من قتل وتدمير وتفكيك لمجتمع بكل تكويناته الثقافية التاريخية. داعش اضافت بُعدا تاريخيا للحدث، انها تعيد للوحشية ضروريتها في اعادة بناء للتاريخ والحاضر في آن معا. نوع من مسح الموجود ، اثار وناس وعادات وتقاليد وقيم .
تعود هذه الاضافة الداعشية لما يقوم به بشار الى انها استمرارية لكثير مما عايشناه من ثقافة ومن ثقافة سياسية على قاعدة انتاج وعي لا يخدم الا الآني، مستلزمات السياسة، اي السلطة. هذه الاخيرة هي التي اعتدنا عليها كمنظم لهذا الوعي، كمنتج، باللغة والمفاهيم ، لهذا الوعي الجمعي، بخطابيته ومرجعيته ( شرعينيته). الناصرية ، البعثية ، افكار سخيفة وسهلة، "مبسطة "، "مسطحة "، مجتزئة من ثقافة الصحوة الاسلامية ، الذي يمثل الاخوان المسلمين الشكل الاكثر تكاملا من الناحية الفكرية، ثقافة عايشت منذ نشآتها مراحل تفكك السلطة العثمانية الى بداية الحقبة الاستعمارية .
في ظروف هذه النشآة ان المشترك بين الجميع هو الرأي القائل بتماثل الفضاء الثقافي والفضاء السياسي. ليكون هناك تماثل يجب، حسب هذا الرأي، ان يكون هناك بداية تاريخية ، اي ارجاع الكل المختلف الى واحد. يجب ان يكون الحاضر استمرارا لهذه البداية . هذا التفكير لا يقبل الا التجانس ولا يرى غيره . التمايز الوحيد الموجود بين الناصرية والبعثية من جهة والتيارات الاسلامية ، من جهة اخرى ، يدور حول اولوية العربي على الاسلامي بالنسبة للاولى والاسلامي على العربي للفئة الثانية . استراتيجيتان لقوى سياسية للتصدي لواقع يشكل الاختلاف والخليط اهم ميزاته . كلاهما يشتركان في "ايديولوجية تعويضية " لماضي غابر .
من هذا المنطلق، يمكن اعتبار داعش، برغم فجاجة ممارساتها، استمرارية لنظرة الى البدايات، نظرة لا تقبل الا المتجانس بالمطلق، اي الواحد .
(*) باحث
ليست هناك تعليقات