زكريا محمد(*)حول الإسلام والميسر ومحمد الحاج سالم

alrumi.com
By -
0

يعتقد الأستاذ محمد الحاج سالم أن انتصار الإسلام كان في الواقع انتصارا على لعبة الميسر، وعلى مؤسسة كبرى تتبعه يفترضها سماها (مؤسسة الميسر). أي أن العدو الفعلي للرسول ودينه الجديد، دين الإسلام، وقتها كان الميسر ومقامروه وسيدهم الأسطوري (لقمان بن عاد). هذا هو جوهر أطروحته المكونة من 1500 صفحة ومن 900 مرجع، كما تردد الميليشيا الذكية التي حوله. 

وتعليقا على هذا يمكن لي أن أقول: هذا خطأ يا عزيزي. خطأ فاحش من شخص لم يفهم مطلقا ديانة الجاهلية، ولم يفهم كيف انبثق الإسلام منها. 

فالميسر مرتبط بالشرعة الإبراهيمية. إنه فرع منها. من أجل هذا صور الجاهليون إبراهيم على جدران الكعبة وهو يستقسم بالأزلام: أزلام القرعة وأزلام الميسر معا. والإسلام في الحقيقة شرعة إبراهيمية. وقد انبثق الإسلام من الشرعة الإبراهيمية بكل تنوعاتها (الأميين، الأحناف، طائفة الحلة). وطائفة الحلة يا سادة هي طائفة الرسول وعائلته في الجاهلية. نعم، عائلة الرسول كانت عائلة حلية لا حمسية، كما اعتقدت المصادر العربية تشوشا وخطا. وقد بينا هذا في كتابنا (ديانة مكة في الجاهلية: كتاب الحمس والطلس والحلة).
بناء عليه، فقد انبثق الإسلام في الواقع من بيئة لا تعادي الميسر، بل إنها على علاقة وطيدة به. إنه، أي الميسر، واحد من جذورها في الحقيقة. بالتالي، فرفعة إلى مستوى العدو الأول والأكبر للإسلام يدل على جهل مطبق بالإسلام وبديانة العرب في الجاهلية. 
وقد أوضحنا من قبل أن تحريم الميسر والخمر قد جرى بعد فتح مكة أو خلاله بسبب ما كانا يثيرانه من اضطراب في أوساط المسلمين، الذين كانت تقاليد الجاهلية من تزال قوية فيهم وبينهم. وإذا كانت غالبية المسلمين الأول قد جاءت من الشيع الإبراهيمية، وعلى الأخص من طائفة الحلة، فقد تغير الأمر بالتدريج. وحين وصلنا إلى فتح مكة كانت كتلة كبيرة من طائفة الحمس أيضا قد التحقت بالإسلام. أما الخمر فكاننت من تقاليد طائفة الحمس، في حين كانت الأزلام، أزلام الميسر وأزلام القرعة، من تقاليد الحلة. وكان هذان التقليدان معا يخلقان للرسول مشكلة. فقد كان القطاع الذي من أصل حمسي يشرب الخمرة، في حين أن غالبية قطاع الحلة يمتنعون عنها. وكان هذا يثير الحساسيات. وكذا الأمر كذلك مع الميسر لكن من جهة معاكسة. 
ولكي يخلص الإسلام من المشكلتين فقد حرم الخمر والميسر معا، وإن يكن تحريما غير جازم. 
وهذا يعني أن الإسلام وجه ضربة لطائفة الحمس عبر تحريم الخمر، وضربة للحلة عبر تحريم الميسر. ضربة هنا وضربة هناك كي لا تفلت الأمور. كي لا يُظن ان الرسول القادم من تقليد للحلة، ينتصر لطائفة الحلة عبر تحريم الخمر. لذا جمع الخمر والميسر معا في التحريم. لقد وازن بين الطائفتين، كما وازنها في مسائل كثيرة معروضة في سورة البقرة وسورة المائدة وخطبة حجة الوداع. مثلا كان موقف الحمس في حجهم هو المزدلفة، وكان موقف الحلة هو عرفة. وكانت كل طائفة من الطائفتين تتمنى أن يثبت الرسول موقفها. لكن الإسلام توصل إلى حل وسط بأن جعل للحج موقفين: واحد في عرفة وواحد في المزدلفة. لم يكن الرسول بقادر على أن ينحاز لطرف رغم أصوله الحلية. الانحياز كان سيؤدي إلى الانفجار. لذا فضل أن يكون (امة وسطا) بين الطائفتين الجاهليتين. وهذا هو الذي مكنه من أنجاز وحدة مكة، ووحدة الجزيرة العربية من ثم.
لكن من أين يمكن للذكاء المتوسط للأستاذ ان يدرك هذا التعقيد. الذكاء المتوسط يملك نظرية بسيطة جدا تقول أن الميسر هو الغول الذي كان يمنع الإسلام من التقدم، وأنه من دون سحق هذا الغول فلن ينتصر الإسلام. وقد تمكن الأستاذ سالم بالفعل، وعبر 1500 صفحة و900 مصدر كما تردد ميليشياه وراءه، من تحطيم غول الميسر، مما أدى إلى انتصار الإسلام في اطروحته الجامعية الفذة. 
لكن هذا الانتصار حصل فقط في أطروحته الجامعية الذذة لا على الأرض التاريخية. على الأرض الحقيقة كان الميسر والأزلام جزء من البيئة التي انبق منها الإسلام. أي أن الإسلام لم يكن محملا بالعداء للميسر وقداحه.
لقد كتب الأستاذ محمد الحاج سالم 1500 صفحة وزودها ب 900 مصدر، لكن النتيجة كانت صفرا. ذلك أن فرضيته الأساسية كانت حاطئة، وقائمة على جهل حقيقي بالإسلام وبديانة العرب في الجاهلية معا. لقد نضح الأستاذ سالم 1500 دلوا من البئر لكنه كان يصب ماء دلائه في غربال. والغربال لا يمسك الماء. لذا فلن تجد في غرباله ماء رغم تعبه وجهوده.
الذكاء هبة من الله. وهو يوزعه بالمقدار الذي يريده على الناس. يعطي هذا ذكاء كبيرا، ويعطي ذاك ذكاء متوسطا، ويشح على غيرهما. بالتالي فليس لنا أن نعيب على أحد قلة ذكائه. ليس علينا ان نعيب منحة الله مهما كان مقدارها. 
لكن هذا لا يعني أن نوافق على ما يقوله الأقل ذكاء.
Tags:

إرسال تعليق

0تعليقات

إرسال تعليق (0)