حسين الموزاني عن صلاح فائق: قيثارةٌ محطّمةٌ في ساحل

alrumi.com
By -
0

فايسبوك

ليس هناك أسهل من الكتابة عن الشعر، وليس هناك أشدّ صعوبةً من كتابته. وسيخرج بهذا الانطباع كلّ من يقرأ مجموعة صلاح فائق الإلكترونية التي تحمل عنوان "قيثارةٌ محطّمةٌ في ساحل". فصلاح فائق يبدو وكأنّه منقطع ومعزول عن العالم منذ دهر، وبهذا المعنى فهو لا يهمه إدراك الناس وبصيرتهم ورؤياهم، إنما يعتمد على مدركاته ومعايشاته اليومية البسيطة التي تتحول إلى لقطات حسّيّة خاطفة تقطع الأنفاس أحياناً لخفّة ركضها وهرولتها، فهي تمرّ سريعةً مثل عدّاء الماراثون، لكنّها طويلة أيضاً مثل مسافته. وما يشغله هنا هو القبض على الصورة، ولا شيء غيرها، فلا يفعل سوى وضع الإطار لها، بغض النظر عما إذا كان هذا الإطار قصيدة نثر أو تفعليةً. فهذا شأن سمكرييّ الشعر وحداديه ونجّاريه. ومع أنّ صلاح فائق اشتغل حداداً في السكك الحديدية في العراق، لكّنه لا يكتب بمطرقة بالطبع، إنما يمسّ، وعلى نحو مرهف، أوتار تلك القيثارة السومرية القديمة التي لم تلمسها أنامل العازفين منذ خمسة آلاف عام. فيتحول ما هو يوميّ على يديه إلى شيء خارق. ويقول صلاح فائق في قصيدته "رغبتي وقت الفجر":


"قضيتُ بعد ظهيرة اليوم أمام قوارب
 وكانت في قيلولة،
 صباحاً ابتعت معطفاً من دكّانِ
 للملابس المستعملة، وجدت في أحد جيوبه
 قطعة حشيش ودولارات،
 حاولت التفاوض هناك حول كلب، بأيّ مبلغ،
 لكنّ صاحبه، مستاءً، رفض عروضي
 ثمّ بدأ يبكي". 

فنرى هنا كلّ شيء واضحاً وبسيطاً ومألوفاً، الأمر الذي يغري بمجاراة الشاعر وتقليده في الصنعة. وهناك في الواقع عدة قراءات لهذا المقطع وهو لامتناه في تدفق صوره وظلالها، كما الشاعر نفسه الذي جبل على كتابة الشعر مثلما جبل أورفيوس على الغناء بعد أن أهداه إله الموسيقى أبولو قيثارةً، فصار ينشد وقد سحر البشر والحيوان والنبات وأصغى له حتّى الحجر. ويذكّر شعر صلاح فائق بطائر عراقي يطلق عليه العراقيون الجنوبيون لقب "ملهي الرعيان" أي الطائر الذي يصرف أنظار الرعاة عن مواشيهم. فهو طائر صغير أصفر الريش وذو صوت جذل ويشبه طائر Warbler . فكان هذا "ملهي الرعيان" يختار مكاناً قريباً من الراعي ثمّ يبدأ بالإنشاد، وإذا ما استأثر بانتباه صاحب الأغنام وأغراه بالقبض عليه فهو يحلّق مسافة قصيرة، ثمّ أخرى، ويستدرج الراعي حتّى يبتعد تماماً عن القطيع. وفي نصائحه إلى شاعر شاب، والذي يحاكي فيها رسالة ريلكه المعروفة يقول صلاح فائق: 
 "أكتبُ كما أتخيّلُ
 لا أعيد كتابة قصيدة
 مهما كان السبب :
أكتبُ قصيدةً أخرى".

وكذلك يفعل الطائر السومري الذي لا يعود إلى الوراء أبداً


Tags:

إرسال تعليق

0تعليقات

إرسال تعليق (0)