الفيلسوف السلوفيني سلافوي جيجك: «أنا ما زلتُ شيوعياً...» - الرومي

Breaking

Home Top Ad

Responsive Ads Here

Post Top Ad

Responsive Ads Here

الأحد، 14 يونيو 2015

الفيلسوف السلوفيني سلافوي جيجك: «أنا ما زلتُ شيوعياً...»


نوافذ  المستقبل

  
أن تؤلف كتاباً من تسعمئة وستين صفحة، وأن يكون عنوانه «أقل من أي شيء»، فهذا هو نوع النزوات التي يسترسل فيها الفيلسوف السلوفيني الشعبي، «الفيلسوف-البوب»، سلافوي جيجك. كنا نود أن نجري حواراً معه فور صدور كتابه مترجماً إلى الفرنسية في دار فايار. ولكننا فشلنا. سلافوي جيجك، وهو مدير الأبحاث في جامعة بيربك البريطانية، يتنقل في كتابه من موضوع الى آخر، يتكلم عن ماركس، وعن هيغل، عن شيوعيته، وعن قدر آخر من القضايا المتفرقة. هنا مقتطفات من كتابه «أقل من أي شيء»:

التقدم، هيغل والحداثة

يقول سلافوي جيجك في كتابه: «إذا أردنا أن نبقى يساريين اليوم، علينا التخلّي عن الفكرة المجازية القائلة بحتمية التقدم في التاريخ. هناك ربما ميل ما في التاريخ، ولكنه ميل نحو الكارثة، لا التقدم. أحب كثيراً تلك الجملة لوالتر بنجامين التي يقول فيها بأن مهمتنا اليوم ليست أن نتقدم في زمن التقدم، إنما ان نقرع ناقوس الخطر. تلك هي المعضلةّ. يقول هيغل بأن الفلسفة لا تستطيع أن تملي الوصفات، أو أن تحلل المستقبل. فقط بوسعها ان تنظر للزمن الحاضر. هيغل لم يكن غبياً. بل صاغ يوتوبيا ممكنة، لما سوف يحصل بعد الثورة الفرنسية. ولكنه أعطى أكثر من ذلك: هو في الحقيقة منفتح بقوة. لذلك أعتقد بأنه علينا العودة من ماركس إلى هيغل، خصوصا على ضوء أوضاعنا اليوم. هيغل أكثر مادية من ماركس، بمعنى أنه اكثر انفتاحاً على المعطى الواقعي. ومشكلته هي كيفية بقائه وفياً للثورة الفرنسية من دون تكرار فصول الإرهاب التي مرّت بها على يد اليعقوبي المتطرف روبسبيير. بهذا فان هيغل يمكن اعتباره من أنصار صاموئيل بيكيت، وشعاره المعروف «حاول مرة أخرى، وافشل ثانية، افشل بطريقة أفضل». فالموضوع ليس هو كيفية إعدادنا للثورة، فقد حاولنا وفشلنا! مشكلتنا هي تماماً من الصنف الذي يطرحه هيغل: أي كيف يمكننا، بعد التجربة الستالينية، أن نبقى مع مشروع التحرر، كيف يمكننا من بعدها أن لا نتحول إلى ليبراليين سينيكيين تهكّميين غير أخلاقيين، أو مجرد محافظين».

أنا، شيوعي؟

يتابع سلافوي جيجك: «بطريقة ساذجة وبلهاء، يمكنني القول، وبكلام بسيط :»حسناً، الشيوعية انتهت بالنسبة لي». ولكنني أبقى شيوعيا، شيوعي سلبي ومتواضع. أبقى ماركسيا بأي معنى؟ علينا أن لا ننسى ولا لحظة العلاقة القائمة بين ماركس والرأسمالية؛ وهي كانت علاقة شديدة الإلتباس. ذلك ان الرأسمالية، على الرغم من كل شيء، كانت، بمعنى ما، تسحر ماركس. كان ينظر اليها بصفتها النظام الأكثر ديناميكية، نظام يشبه المعجزة! وأنا موافق تماماً على هذا الرأي، الأمر الذي يتسبب لي بمشكلة سياسية. أقول «شيوعي»، وأصر على ذلك؛ ولا أقول «إشتراكي»، مثلا. ذلك لأن الجميع يمكنه أن يكون إشتراكياً، حتى بيل غيتس يمكنه أن يكون إشتراكياً. أن تكون إشتراكياً، يا الهي... يعني ان هناك أناساً يتعذبون، وانه علينا أن نساعدهم، أن نتضامن معهم، أن نقوم بنشاطات انسانية اغاثية، إلى ما هنالك من كلام تافه... ولكن المشكلة لا تكمن هنا، إنما في مقاومة الرأسمالية الشاملة. فالتفكير الكوني هو من سمات الشيوعية». 

اليسار و«الرقابة على الأحلام»

وفي صفحات أخرى يكتب سلافوي جيجك: «أحب تلك الصيغة التي روّجها الفيلسوف الفرنسي ألان باديو، والقائلة بأن علينا البدء بإقامة الرقابة على أحلامنا. فعندما نترك عالمنا لنتخيل عالما آخر، نُدخل أنفسنا إلى سجن. هذا كلام يمكن ان يغضب الإنسان اليساري. ولكنني مع فكرة أن يذهب المرء إلى النهاية: الى حيث يُعاد الإعتبار للدولة! فأنا أعتقد بأن مواجهة مشكلاتنا تتطلب إقامة تشكيلة إجتماعية كبرى. يقولون بأن الدولة فقدت سلطتها. ولكن هذا كلام غير صحيح. فالرأسمالية المعاصرة هي أكثر من أي يوم مضى تابعة للدولة. وعندما يقول هيغل بأن الدولة هي الوجود المرئي لله، فهو ربما على حق. مشكلة اليسار انه يحلم من بعيد، بدل أن يستعيد الدولة» (...). 

هل أنا مرغم أن أحب جاري؟

يتابع سلافوي جيجك: «اعتقدنا بأن الرأسمالية سوف تسمح لنا بإذابة الهويات الجزئية... حتى الساعة، يسيطر نوع من الرأسمالية حيث يمكن للعولمة أن تتعايش بصورة مثالية مع الهوية الإثنية أو العنصرية، القويتَين... الفيلسوف الفرنسي جاك لاكان سبق وأن توقع بأن الأسواق المشتركة سوف تدفعنا نحو أشكال من العنصرية.

إن الحدود التي تقف عندها الكونية، هي أنماط الحياة. وما يهمّني شخصيا، هو نوع العنصرية التي يعاد إنتاجها في تفاصيل الحياة اليومية. لديّ أصدقاء يساريون معادون للعنصرية، ولكن عندما يقترب منهم شخص آسيوي أو أسود البشرة، يصابون بنوع من الاضطراب. تزعجهم تفاصيل صغيرة، من نوع «أنا لا أحب مطبخهم»، أو «لا أحب هندامهم» الخ. العالمية بنظري ليست فكرة القيمة العالمية السائدة في كل مكان، كما تشير كتيبات اليونسكو، الناشرة لثقافة عالمية والحاملة نظرة مبتهجة بالإرث الثقافي العالمي... أنا أكره هذا النوع من التصورات. فأنا اعتقد أن العالمية الوحيدة، هي عالمية النضال السياسي والاجتماعي، الجبهة الموحدة التي تسمح بولادة نوع من التماهي، نوع من التضامن الحقيقيّين. لا أحب اليساريين الليبراليين، أو دعاة التعددية الثقافية، الذين يقولون إن عليهم أن «يتفهّموا الآخر». كلا أنا لا أريد أن أفهم الآخر، لا يهمّني أبداً تفهم الآخر. المثال بالنسبة لي ليس أن أعيش في عمارة يقطنها فيتناميون أو لاتينيون أميركيون، أو سود. طبعا أعيش في عمارة كهذه، ولكن كما قال بيتر سلوتردجيك، اننا، في حالات كهذه، نحتاج إلى «شيفرة اللباقة والحصافة». هذا هو العداء الحقيقي الأصيل لمعاداة العنصرية: نوع من «التجاهل»، نوع من التحفظ المهذب، نوع من الاحترام. أريد أن أعيش في مدينة فيها كل الثقافات، على ان تحفظ كل واحدة منها مسافتها تجاه الأخرى، وأعتقد بأن هذا الأمر ليس بالسيئ على الإطلاق» (...). 

روبير أمجيوري وانستازيا فيكرين. صحيفة «ليبراسيون» الفرنسية (7 حزيران 2015). 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Post Bottom Ad

Responsive Ads Here

الصفحات