Page Nav

HIDE

Grid

GRID_STYLE

اخبار عاجلة

latest

محمد الحجيري*(معركة القلمون: هل تحصل؟)

كثر الحديث في الأيام الأخيرة عن "معركة القلمون" وأصبحت التوقعات عن بدء هذه المعركة تتفاوت بالساعات وليس بالأيام، فقد أوردت بعض و...


كثر الحديث في الأيام الأخيرة عن "معركة القلمون" وأصبحت التوقعات عن بدء هذه المعركة تتفاوت بالساعات وليس بالأيام، فقد أوردت بعض وسائل الإعلام معلومات عن حشودات كبيرة لحزب الله في منطقة البقاع الشمالي، إلى جانب استدعاء وسائل الإعلام بشكل مسبق لمواكبة المعركة المرتقبة..
لقد تم الحديث عن هذه المعركة سابقاً ربطاً بانتهاء فصل الشتاء وذوبان الثلوج في منطقة سلسلة جبال لبنان الشرقية، ثم كان يتم ترحيل ساعة الصفر لهذه المعركة من موعد إلى آخر..
لكن في الأيام الأخيرة، أصبح الحديث عن هذه المعركة حديث الساعة على كل وسائل الإعلام..
فهل هي حاصلة لا محالة؟
ولماذا لا يتم الإبقاء على الحالة السكونيّة أو الانتظاريّة؟
وماذا يمكن أن تغيّر هذه المعركة على المشهد السوري العام؟
من المعروف بأن هذه المنطقة التي تمتد لأكثر من سبعين كيلومتراً على الحدود اللبنانية الشرقيّة، تأوي بضعة آلاف من مقاتلي المعارضة السوريّة: فبينما تتواجد "داعش" في المنطقة الشمالية الشرقيّة، تتواجد النصرة وبقية الفصائل بما فيها الجيش الحرّ في المنطقة الجنوبية الشرقيّة. بمعنى آخر فإن داعش تتواجد بمحاذاة المنطقة التي يتواجد فيها الجيش اللبناني، بينما تتواجد بقيّة الفصائل في المنطقة المحاذية لتواجد حزب الله.
ومن المعروف أيضاً بأن تنظيم داعش يضم بين عناصره الكثير من الأجانب أو ممن هم من خارج منطقة القلمون، بينما تتشكل بقيّة الفصائل من سكان منطقة القلمون نفسها.
من المعروف أيضاً بأن سلسلةً من القرى التي تبدأ من القصير وحمص شمالاً، وصولاً إلى يبرود على تخوم مدينة دمشق جنوباً، قد ساهم حزب الله في السيطرة عليها وفي طرد فصائل المعارضة منها فتم التجاؤهم إلى هذا الشريط الحدودي الطويل الذي يتاخم قرىً لبنانية بدءاً من بلدة القاع شمالاً وصولاً إلى بريتال جنوباً مروراً بمدينة عرسال.
ومن المعروف أيضاً وأيضاً بأن هذا الشريط من القرى السورية يقع على الطريق السريع الذي يربط دمشق بالساحل السوري. وربما كان هذا سبباً رئيسياً لاستهدافها.
ما أهميّة تواجد مجموعات المعارضة في هذه المنطقة المعزولة من الجانبين السوري واللبناني في هذه المرحلة؟
أظن بأن لا أهمّية لذلك الآن. 
لكن إذا تغيّرت المعطيات لصالح المعارضة فستشكّل خطورة كبيرة لثلاثة أسباب:
أولاً، إن عناصر هذه الفصائل معنيّون ويتحيّنون الفرصة للعودة إلى قراهم التي أجبروا على النزوح عنها. وهذا ليس ترفاً بالنسبة إليهم، لذلك فإن أي تراخٍ في هذه المنطقة لجهة الداخل السوري سيكون محط ترصّد وسيشكل فرصة لفتح معركة قاسية تؤمّن لهم العودة.
ثانياً، إن العودة إلى هذه القرى ستشكّل خطراً كبيراً على تأمين التواصل بين دمشق والساحل السوري مروراً بمنطقة حمص. مع تكرار القول بأن جميع هذه القرى تقع على الخط السريع بين دمشق وحمص، (بدءاً من رأس المعرّة ويبرود وفليطا والنبك ودير عطيّة وقارة...) 
وربما كان هذا من أهم أسباب استهدافها بمشاركة أساسيّة من حزب الله.
ثالثاً، هي بلدات يقع بعضها على تخوم دمشق، مثل رأس المعرّة ويبرود وفليطا، وبالتالي فهي ستكون معنيّة بأيّ معركة قادمة في العاصمة السوريّة.
أظن أن هذه المعطيات تعزّز من احتمال المعركة القادمة.
لكن ما هي محاذير هذه المعركة؟ أو ما هي أثمانها؟
إن طبيعة الأرض في هذه المنطقة تختلف عن المعارك التي كانت تتم للدفاع عن قرية (أو بالمقابل للإستيلاء على قرية) لأن الاستيلاء بحد ذاته كان يشكل انتصاراً، بينما هذه المساحة الشاسعة تسمح بمرونة الحركة وبشن حرب استنزاف: فاعتماد خطة الكمائن المتدرجة والتخلي عن الأرض تفادياً لخسائر كبيرة تجعل منها معركة يُستنزف فيها الخصم مع صعوبة الحفاظ عليها إلا بأثمان كبيرة وبمعركة فاصلة تنهي وجود "الآخر" بشكل كامل.
ثانياً، إن المقاتلين المتواجدين في هذه المنطقة محاصرون بشكل كامل دون أن يكون لهم أي منفذ، إلا هذه المساحة الجبلية الواسعة، وبالتالي فإن الخلاص الوحيد بالنسبة إليهم هو القتال للحفاظ على النفس. وهذا سيجعل منهم مقاتلين أشداء.
ثالثاً، معرفتهم الواسعة بطبيعة الأرض.
هل هذه المعطيات ترجح حصول المعركة؟
لا شك بأن حزب الله يهيّء لهذه المعركة منذ مدة طويلة. 
لكنه في نفس الوقت يتهيّبها.
ولا يُفهم تخفيضه من سقف التوقعات إلا في هذا الإطار؛ فقد انتقل للحديث عن تعزيز حماية القرى السورية واللبنانية بعد أن كان يتحدث سابقاً عن القضاء على خصومه في هذه المنطقة.
وأنا أظن أن تعزيز الحماية للقرى اللبنانية ليس بحاجة إلى معركة كهذه، لكن ربما كان مثل هذا القول كمحاولة لتبرير ثمن الدخول في هذه المعركة.
لكن ماذا سيترتب على هذه المعركة في حال حصولها؟
في التفاصيل قد يغيّر، لكن لا أظن أنه سيغيّر في النهاية في مآلات الوضع السوري.
كما أظن بأن حزب الله قد ورط نفسه وورط الآخرين.
لقد دخل حزب الله في الأزمة السورية في وقت كانت المعارضة تحقق الكثير من التقدم على الأرض، وساهم في تغيير المعادلة، هذا صحيح، لكن أظن بأن ذلك ما كان ممكناً لولا غض النظر الأمريكي عن تدخله في وقت كان يتم فيه حجب المساعدات عن الجيش الحرّ.. ربما بهدف إطالة أمد الحرب السورية وإعطاء المجال في الوقت لمزيد من التدمير واستنزاف البلد بانتظار أمرٍ ما..
أما حين يتوقف الأمريكي عن حجب التسلح عن المعارضة السورية (والذي يبدو أنه حاصل هذه الأيام) فلن تكون قوّة حزب الله في الوضع الذي يسمح لها بتغيير المعادلات، وستكون كل الخسائر (وهي كبيرة جداً على كل المستويات: الحاضرة والمستقبليّة) قد ذهبت هباء.
نتمنى لهذه الحرب ألا تقع.
كفانا كل الحروب التي كان يمكن ألا تقع.. ومنها الحرب الأهليّة اللبنانية.
أتذكّر في هذا المقام عنوان جيرودو: "حرب طروادة سوف لن تقع"
كل حروب البشرية كان يمكن الاستغناء عنها.. ربما.
الأحد 3/5/2015

* استاذ فلسفة 

ليست هناك تعليقات