خاص الرومي
قالت عمتي: "كمّلها بيشتو وأخذ شرموطته"، تتر ومحمد علي أكدوا أنها كانت تعمل في بيت للدعارة في الشيخ مقصود، وحين ضحك عدنان وهز رأسه ودندن " ناكم ناكم، ميرا ناكم" خمّنا أنه نام معها بالتأكيد.
وفي الصباح التالي الذي ذهبت فيه عمتي مع مفيدة وسعاد إلى جب القبة للتزود بمونة الجبنة، قال خوشناف وهو يسحب من يدي رواية "في معترك الحياة " لمكسيم غوركي التي أعارني إياها مدرسي عبدالرزاق حمامي لعطلة الصيف: لا تصدّق ما يقولونه، إنه فنان وسترى.

في المئة متر بين حمام آلمه جي والزاوية التي كان أولاد العسلية يديرون فيها محل الفول حكى لي خوشناف عن الحادثة الفريدة التي إكتسب فيها بيشتو لقبه، فحين ظهرت علامة الحمل على إبنة أخيه وهي بعد عذراء، أتى الجيران والأقارب إلى منزله وحكوا عن إكتئاب أخيه وشكّه في إبنه البكر هفال، ثم دار لغط كبير فما كان من بيشتو إلا أن قام من مجلسه وقال ما حسم وأسكت وذهب مثلاً : يا جماعة، الإير إلنا والكس إلنا، و لا يتدخل حدا بيناتنا.
في منزله في قسطل حرامي بدا أنيقاً بنحوله ووجهه الحليق، قادنا من الممر إلى المطبخ، جلب المازيات وكأسين وزجاجة عرق وقبل أن يجلس ناولني علبة كولا، وحين قام إلى الغرفة الجوانية ليعود بطنبور باغلمه ويغني، نكزني خوشناف مشيراً إلى مرطبان عسل على الرف: زليخان بتدهنلو بالليل وبتمصلو.
تزوج في السبعين من زليخان الخمسينية التي وصلت إليه بحقائب من المراهم والعطور وكريمات الفازلين وكانت عمتي تقول بأنها تعطيه الحبوب لذلك ترى عينيه حمرواتين دائماً.
كان مشهوداً له كفنان بين الأكراد لكنه كان يرفض أن يترك أثراً، لا يغني في الأعراس، ولا يشارك في حفلات الأحزاب، ولا يسجل الأغاني، يروي قصص صداقاته مع المغنيين، يذكر أن جميل هورو وعائشة شان ظلا يتنايكان في فندق بإستانبول حتى الصباح ويعتبره صوتاً ذهبياً، وأن آديك أفضل من عزف على الطنبور، وحين رأى أنه أسرف في الشرب وفي الحديث قام وقادنا إلى الغرفة وأخرج جهاز فيديو قديم ليشاهد ربما للمرة المئة أو الألف الفيلم نفسه حيث يسوق إبراهيم تاتلسيس الشاحنة بين أورفة و إستانبول، يغني معه الأغاني التركية، ولم يتمالك نفسه فبدأ يبكي ربما للمرة المئة أو الألف حينما أخذت البطلة تعلق نفسها بحبل وأتى إبراهيم لينزلها عن الشجرة ويرفعها على ذراعيه وهو يصرخ: أمينة أمينة، ولتظهر إشارة ( son ) معلنة نهاية الفيلم ونهاية الزيارة.
حين هبطنا الدرج لنخرج من المنزل، ألتقطتنا زليخان، ومعها أكياس الخضرة والفواكه، كانت تشبه سيدات الأرمن بلباسها العصري، ضحكت لنا وودعتنا وحين مررت بجانبها أمسكت يدي وقبلتني على خدي وقالت:
سلملي على أبوك إذا إجا.
كان المؤذن يرفع نداء صلاة المغرب من مسجد أسامة بني زيد، أخذنا نتمشى نحو الأقيول، خوشناف يصفر، وأنا أحاول أن أمسح عن خدي قبلة العسل التي إلتصقت به إلى الأبد.
* شاعر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق