حسين الموزاني (نرجسية الشعراء)

alrumi.com
By -
0

اشتهر الشاعر محمّد مهدي الجواهري بلقب "شاعر العرب الأكبر". ويذكّرني هذا اللقب بالألقاب التي أسبغت على الحاج أمين الحسيني ومنها مثلاً المفتي الأعلى للقدس ورئيس المجلس الإسلامي الأعلى ورئيس اللجنة العربية العليا، رغم أنّه كان عميلاً بريطانياً. وجاء به البريطانيون، وخاصة الحاكم العسكري لفلسطين "السير هيربرت صاموئيل" من القاهرة حيث كان يتسكّع، وعينه في منصب "المفتي الأعلى" بعد رحيل أخيه الذي كان يشغل هذا المنصب. المهم نعود إلى موضوعنا الرئيسي ونترك تحليل شخصية أمين الحسينيّ للأشقاء الفلسطينيين. فبعدما حلّ الجواهري في مدينة براغ لم يتعلّم بالطبع أي كلمة تشيكية، سوى اسم المدينة وهو "براها" وقد كتب قصيدة جميلة فعلاً عن براغ، وهي قصيدة غزل مثيرة للغاية. وكان عندما تأتيه حوالة نقدية فإنّ فرع منظمة الحزب الشيوعي العراقي في براغ يبعث معه شاباً من الذين يجيدون اللغة التشيكية لينهي المعاملات المالية للجواهري، ولا يرسلون معه "رفيقاً قائداً" لأنّ القادة الشيوعيين لا يقلّون نرجسية عن الجواهري نفسه، فضلاً عن أنّهم لا يجيدون التشيكية. وكان هناك صادق الصائغ ومفيد الجزائري، وزير الثقافة العراقي في حكومة الاحتلال الأمريكي والمتهم بالتعاون مع المخابرات التشيكية - هسّا لو صاير عميل للاتحاد السوفيتي، بلله نكول ميخالف، لأن الطاسة ضايعة هناك، لكن للجيك؟ خايب أمداك ومدا الجيك وياك - فلله درّك يا حزب، كم قدمت من الشهداء، وكم قدمت من العملاء! المهم نعود مرّة اخرى إلى نرجسية الجواهري التي لا يخلو منها ربّما أيّ شاعر عراقي. فكلّف الحزب شاباً في العشرين من العمر ليرافق الجواهري، وكان عمر الجواهري لا يحسب بالأعوام آنذاك، بل بالعقود. وكان عندما يخاطب عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي "الرفيق" زكي خيري يقول له "ها وليدي زكي هاي شبيك متنّك؟" وكان زكي خيري قد اشترك في مظاهرة ببغداد عام ١٩٢٨ احتجاجاً على زيارة الداعية الصهيوني ألفريد مود للمدينة، فكسرت الشرطة الملكية عظم الترقوه للرفيق زكي، وكلّنا نعرف هذه القصّة العتيقة. فذهب الشاب مع الجواهري وقبضا الحوالة النقدية ثمّ جلسا يحتيسان الشاي في المقهى. فاحتار الشاب بأيّ لغة سيخاطب الجواهري وقد انتهت مهمته الآن. فأطرق لحظةً ثمّ قال :"أستاذ أبو فرات شنو رأيك بمظفّر النوّاب؟" فتطلع إليه الجواهري وكأنّه يسمع بهذا الاسم للمرّة الأولى وقال: "هذا أبو الريل أبو حمد مو؟" فشعّت عينا الشاب وتهلل فرحاً لأنّ الجواهري تحدث معه حديثاً أدبياً. لكنّ الجواهري سرعان ما عاد إلى صمته، ففكر الشاب مرّة أخرى، ثمّ سأل من جديد "أستاذ أبو فرات، تسمح لي أطرح عليك سؤال ثاني؟" فقال الجواهري "تفضّل وليدي" فقال الشاب: "شنو رأيك بياسر عرفات؟" فأجاب الجواهري ممتعضاً هذه المرّة وبجديّة خالية من أدنى ملمح للسخرية: "يبين الأخ خوش يسأل اسئلة"!

إرسال تعليق

0تعليقات

إرسال تعليق (0)