منذ أربعين عاماً، بالتحديد، غادرت منزلي. كانت سايغون، عاصمة فيتنام الجنوبية، على وشك ان تسقط في ايدي جنود فيتنام الشمالية، وان تُمنح اس...
منذ أربعين عاماً، بالتحديد، غادرت منزلي. كانت سايغون، عاصمة فيتنام الجنوبية، على وشك ان تسقط في ايدي جنود فيتنام الشمالية، وان تُمنح اسماً جديداً هو «هو شي منه». كان ذلك في الثلاثين من نيسان، 1975، كنت، وقتئذ، في السابعة عشرة من العمر.
في تلك الاثناء، كنت أقطن مع أعمامي، لذلك اصطحبوني معهم عندما ولوا الأدبار. شعرت بالخجل لأنني كنت في الجانب المهزوم من الحرب. ومع ذلك، أحسست بالاطمئنان: فالملايين الذين ظلوا هناك، بدوا أنهم معرضون لحمام دم على ايدي الشيوعيين. كان ابواي من بين هؤلاء: والدتي تاهت في دانانغ، وسط فيتنام، وأُلقي القبض على والدي (كان موظفاً رسمياً لدى حكومة فيتنام الجنوبية). اثناء الهجوم الذي شُن خلال احتفالات رأس السنة الفيتنامية، ثم اقتيد اسيراً الى مكان مجهول في فيتنام الشمالية. لم يخطر لي ان اراهما ثانية، ولكن، في العام 1984، حدث ان التأم شملنا في كاليفورنيا. كذلك، لم يخطر لي أنني سأعود إلى فيتنام.
تطلّبت زيارتي الأولى الى فيتنام، عقداً ونصف العقد. كما استغرق القرار النهائي لانتقالي الدائم الى هانوي، عقداً آخر ونصف العقد. ولا تزال الحكومة الفيتنامية تحتفل، حتى اليوم، بذكرى انتصارها في الثلاثين من نيسان. وتعمّ الاحتفالات الرسمية هذا العام، بالذكرى الأربعين للانتصار المشار إليه، جميع أنحاء البلاد. ومع ذلك، يبدو أن قلة من المواطنين، يهتمون بذلك. وبالنسبة إلى أولئك الذين يقفون إلى جانب النظام في محاولتهم تمجيد الماضي، فإنهم لا يفعلون أكثر من إثبات سياسات الفشل التي ترتبت على ذلك.
في أميركا، كان ينبغي عليّ أن أشرح ان فيتنام ليست حرباً، فقط، بل هي بلد ذو تاريخ، وثقافة وشعب. هنا، يتهمني الفيتناميون بأنني مهووس بالحرب (الحرب الاميركية كما يسمونها)، ومع ذلك، فان معظم الفيتناميين الذين أعرفهم ينظرون إلى الحرب باعتبارها لحظة هامة في تاريخهم، جرى الاستيلاء عليها، بخديعة إعلامية.
منذ اسبوعين، ينهمك المسرح الوطني، في هانوي، بعرض مختارات خاصة من الافلام السينمائية، إحياء للذكرى الاربعين للحدث. وفي هذه المناسبة، انتشرت لافتات ترويجية غطت الواجهة البيضاء، لمبنى المسرح. ولكن من بين الأفلام الإثني عشر التي تُبث على شاشة المسرح، أربعة فقط من انتاج فيتنامي: أحدها وثائقي جيء به من المحطة الرسمية للتلفزة، والثلاثة الأخرى ُسمح بها من قبل وزارة الثقافة. أمّا الأفلام الثمانية المتبقيّة، فهي من انتاج هوليودي، معظمها ينتمي إلى سينما الحركة والإثارة. يُذكر ان صناعة السينما في فيتنام (انتقلت إلى القطاع الخاص) تنتج أفلاماً قليلة عن حرب فيتنام، غير أنّ قلة ترغب في مشاهدتها، في حقيقة الأمر.
أيضاً، في سياق الاستعداد للاحتفال بالذكرى، ثُبتت في معظم أنحاء المدينة، لوحات إعلانية جديدة، تنطوي إحداها على بوستر ذي ألوان برّاقة، يظهر عليه بوضوح البروباغندا الشيوعية التي كانت تستخدم، منذ عقود خلت، وقد برز العلم الأحمر والنجمة الذهبيّة. ولم يحدث، من قبل، أن دوّن المعلقون على الفايسبوك ملاحظات تفوح منها رائحة السخرية من هذا التصميم، بهذا القدر (سرعان ما أُزيلت هذه اللوحة من مكانها). ويتذمر الناس، على مواقع التواصل الاجتماعي من ان الحكومة تسيء استخدام كلمة «تحرير»، خصوصاً في إشارتها إلى ما فعلته حيال المواطنين في فيتنام الجنوبية؛ فالسياسات الاشتراكية التي طبقتها الحكومة هناك، جلبت الفقر بمستويات فاجعة. غالباً ما اقرأ، على هذا الصعيد، تعليقات يدعو أصحابها إلى الامتناع بما فيه الكفاية عن استسقاء الدم بالدم الذي كان أُهرق خلال الحرب. كما أنني غالباً ما أقرأ مقالات أُعيد نشرها. مقتبسة من الإعلام الغربي، حول فشل المصالحة منذ أربعين عاماً.

من ناحيتها، أقدمت الحكومة على الانتهاء من تنفيذ منصّة ضخمة على مقربة من قصر «إعادة التوحيد» في سايغون القديمة، حيث سيقام عرض عسكري مصحوباً باحتفالات عارمة. ويتولى التلفزيون الرسمي بث وقائع المناسبة مباشرة على الهواء، أعلمني أصدقائي أنهم لن يشاهدوا البث التلفزيوني. فالاحتفال بالذكرى يتزامن مع عيد العمال؛ لذلك سيمضون عطلة طويلة، نهاية الاسبوع، بعيداً عن الحدث.
[ نغوين كوي دك، صحافي سابق في الولايات المتحدة، ويدير حالياً، صالة للفنون في هانوي؛ صحيفة «أنترناشونال نيويورك تايمز» الاميركية (30 نيسان 2015).
ليست هناك تعليقات