الأربعاء، ٢٠ مايو/ أيار ٢٠١٥ (الحياة) بي. بي. كينغ، صاحب الصوت الذي يبدو كأنه يحمل أثقال العالم والنحيب الصادر من غيتاره - وهو انتقل من حق...

بي. بي. كينغ، صاحب الصوت الذي يبدو كأنه يحمل أثقال العالم والنحيب الصادر من غيتاره - وهو انتقل من حقول القطن في ميسيسيبي إلى المسرح العالمي وبلغ ذروة موسيقى البلوز الأميركية - فارق الحياة قبل أيام في منزله في لاس فيغاس. وهو زاوج بين موسيقى الكونتري بلوز وأصوات وتيرة المدن الكبيرة وابتكر صوتاً يعرفه الملايين حين يتناهى إليهم: نوتة غيتار حادة كأنها لسعة ووميض صوت مرتعش سريع الانتقال من أسفل سلم الصوت إلى أعلاه، ونوتات تلتف وتزحف مثل الأفاعي وصوت يتأوه ويتلوى على وقع الرغبة والحنين والصبا والحب الضائع. «رغبتُ في مد الجسور بين غيتاري والانفعالات الإنسانية»، قال بي. بي. كينغ في سيرته الذاتية، «بلوز أول أراوند مي» (1996، كتابة ديفيد ريتز). وفي العروض، كان غناؤه وعزفه المنفرد يتدفقان كأنهما سيل واحد، وكأن نوتاتهما تصدر من عنق الغيتار، الذي يرتجف بين يديه ويئن كما لو كان جريحاً، في وقت يلف وجهه قناع الألم والمعاناة. وعدد كبير من أغانيه، شأن أكثر اغانيه رواجاً «ذا ثريل إذ غون» - هو شعر عن الألم والمثابرة.
ولاحظ مؤرخ الموسيقى، بيتر غورالنيك، أن السيد كينغ ساهم في توسيع جمهور موسيقى البلوز من طريق «عزفه المديني، وجمعه بين تأثيرات متعددة المصدر والروافد ليست فقط من بنات البلوز، وأسلوبه الرقيق والرغبة في الانفتاح على جماهير جديدة والتكيف معها وتقديم ما تستطيع التجاوب معه». وبي. بي. كينغ ارتقى إلى مصاف «فتى البلوز»، وهي صفة أطلقت عليه مع ذيوع صيته في أربعينات القرن الماضي. وزملاؤه من مغني البلوز، مثل مودي واترز وهولين ولف حملوا، ألقاب تحبب وثيقة الصلة بظروف عيشهم الصعبة. لكنه، على خلافهم، حمل اسم كينغ (الملك) منذ ولادته، على رغم أنه شب في تخشيبة محاطة بالفقراء الفلاحين والملاكين الأثرياء.
وترك كينغ مسقط رأسه ولم يعد إليه، إثر تصدر تسجيلاته الأولى لائحة أغاني البلوز في 1951. وبدأ الغناء في حانات ريفية وحلبات رقص صغيرة، وملاهٍ ليلية في الحارات. وأدى 342 عرضاً في 1956، و200 إلى 300 عرض سنوياً طوال نصف قرن. وأقبل على أغانيه محبو «الروك أند رول» من جيل الستينات والسبعينات الذين بقوا أوفياء له بعد أن تقدموا في السن. وعزفه خلف أثراً في أعمال أبرز عازفي موسيقى الروك على الغيتار في تلك المرحلة، ومنهم إريك كلابتون وجيمي هندريكس.
واعتبر كينغ أن عرضه في 1968 في فيلمور ويست، قصر الروك في سان فرانسيسكو، كان منعطفاً تجارياً في مسيرة عمله. وروى ما حصل يومذاك قائلاً: «حين رأيت أشخاصاً بيضاً شعورهم طويلة يقفون في طوابير أمام فيلمور قلتُ للمدير أنني أعتقد أنهم حجزوا لنا في مكان غير مناسب».
ثم قدمه على المسرح بيل غراهام أمام الجمهور الذي اشترى كل البطاقات قائلاً: «سيداتي سادتي، أقدم لكم الرئيس بي. بي. كينغ». «وقف الجميع، فبكيتُ... وهذه (اللحظة) كانت بداية كل شيء»، قال كينغ.
وفي عيده الثمانين، وهو توفي عن 89 عاماً، كان أكثر من مليونير. وحاز منزلاً كبيراً في لاس فيغاس، وخزانة مليئة بالبدلات المطرزة وسترات «السموكينغ»، وسلسلة من النوادي الليلية التي تحمل اسمه. وكان حب حياته هو الغيتار. وروى قصة هذا الحب مرات كثيرة: ذات يوم في مطلع الخمسينات، كان يعزف في قاعة رقص في تويست، فوقع شجار بين رجلين واندلع حريق. فغادر المكان مسرعاً ونجا من الحريق. لكنه تذكر أنه ترك غيتاره، وثمنه 30 دولاراً، في الداخل. فعاد إلى المبنى الذي تأكله النيران لإنقاذه (الغيتار). وتناهى إليه لاحقاً أن الشجار كان على استمالة سيدة اسمها لوسيل. ومذّاك إلى آخر حياته، أطلق اسمها على كل غيتاراته من ماركة جيبسون التي تشبه انحناءاتها أرداف أنثى. وتزوج كينغ مرتين، ثم عاد إلى العزوبية منذ 1966 إلى حين وفاته. ولكنه يقول أنه أنجب 15 ولداً من 15 امرأة، ولكن «لوسيل» واحدة رافقته على الدوام.
* عن «نيويورك تايمز» الأميركية، 15/5/2015، إعداد منال نحاس
للكاتب Tags not available
ليست هناك تعليقات