تأمل... فيينا؛ هنا حيث الليل يشبه المشي في جنازة، حيث صدى خطاك يعيد معزوفة "ريكويم" وكأن هذي البلاد هي التي عزفت المقطوعة ا...
تأمل...
فيينا؛ هنا حيث الليل يشبه المشي في جنازة، حيث صدى خطاك يعيد معزوفة "ريكويم" وكأن هذي البلاد هي التي عزفت المقطوعة الجنائزية وليس موتزارت.
تصر هذه المدينة على أنها صبية من عائلة أرستقراطية، تسير على مهل، مدينة تشعرفيها وكأن الفقراء هم فقط في الحكايا، مدينة تُحمِّلك عبء القيم المترفة، كبوذي يأكل الكافيار لكنه حزين على حال الصومال! الجميع سعيد، الكل بخير، العجائز في المقاهي يحتسون القهوة و يرتدون زيا رسمياً، النساء يضحكن بخجل، لا أصوات قهقهاتٍ، لا صدى لنكات يرميها الشبان السكارى، لا رائح "لمشروبات" في الطرقات، الجميع مبتسم، الكل يحتسي القهوة بهدوء باستثناء بعض الشبان الخارجين تواً من أحد البارات، غالباً ما يكونون من الرومان و الإسبان، حينها فقط تسمع ضحكات، الجميع ينظر إليهم بذعر وكأنهم أيقظوا موتى الحرب بضحكاتهم.
يتجمع شبان ومراهقات حول عازف البزق التركي، يضعون القليل من "السنتات"، يبتسمون لعزفه النقي ويمضون، بالصدفة ترى أحدهم يرقص في الشارع وقد يكون عارياً يغني ويضحك، والناس يمرون بجانبه، يبتسمون ويمضون.
الشواهد على عصور مرت بها هذه المدينة تجعل منها متحفاً كبيراً؛ التماثيل، شوبان، شتراوس، بيتهوفن، القصور المضيئة والكنائس المعلقة بخيط منسدل من السماء، الأوبرا وشاشات العرض في الساحات، والأوركسترا، كل ذلك لايغير من أنها مدينة الشمس.

في الليل حين ينام ساكنوها، أرى النوافذ تعض أصابعها خوفاً من حرب قد تأتي وهم نيام، مدينة تئن من الملل كزانية شهية ملّت جمالها.
فيينا؛ امرأة يشتهيها كل الرجال، لكنها تنام وحيدة!
*شاعرة سورية مقيمة في فيينا
ليست هناك تعليقات