عدد 11، ربيع 2015(كلمن)
إذاً، صار اسمي ”الشهيد عمر قدور“، هذا ما كنت أسمعه من مصوّر الجنازة الذي يشرح للمشاهدين ما سيرونه على شاشات التلفزيون أو بواسطة اليوتيوب. لفّوني بغطاء أبيض مرقّط بالأسود، وأخذوا لي لقطة تذكارية وأنا مسجّى على خلفية سوداء؛ حينها أيضاً سمعت المصوّر يشرح لأولئك الناس الغامضين من أكون. أقول إنهم أناس غامضون لأن الأهالي هنا يعرفونني، وليسوا بحاجة لتذكيرهم كل دقيقة، ثم إنني لا أدري لماذا ستنشر التسجيلات مقطّعة على دقائق أو أجزاء منها، تستدعي التعريف بي كل مرة!
متُّ قبل يومين من الآن، أيحقّ لي القول ”استشهدت“؟ خلال يومين فقدت ذاكرتي عما حدث لي في لحظاتي الأخيرة على قيد الحياة، لكنني الآن أعرف بوجود روايتين مقتضبتين عن مقتلي، واحدة تتحدث عن مقتلي برصاص قناص، والثانية تقول إنني قُتلت باشتباكات مع قوات النظام. من جهتي، لا أرى فرقاً بين الحالتين، فقد متّ وانتهى الأمر، متّ ولن أعود ثانية مجرد عابر يتلقى رصاصة قناص يدخن سيجارته على سطح مرتفع، ولن أعود أيضاً مقاتلاً يتحين فرصة ظهور القناص ليقتله. الحقّ أنني طالما تمنيت قتل ذلك القناص، تخيلت كيف سأتحين فرصة إشعاله سيجارته ليلاً فأحدد نقطة مقتله على ضوء الشعلة المنبعثة من الولاعة، تخيّلت سقوطه من فوق ذلك السطح، تخيّلت تشفينا جميعاً بمقتله القاسي، لكنني الآن لا أعرف معنى التشفّي، فالرصاص الذي اخترق جسدي أعطب الكثير من معاني الكلمات.
لو أنهم فقط يزيلون القطن الذي حشوا به أنفي، لأتنفس وسط هذا الزحام، فأنا لم أفهم يوماً لماذا يُسدّ أنف الميت بالقطن. انسداد أنفي يجعل سمعي ثقيلاً، وبالكاد أميّز ما يقوله صاحب الصوت العالي الذي يردد الأهازيج ثم يكررها المشيّعون بعده. أخمّن بعض الأهازيج من مشاركاتي السابقة في جنازات الشهداء، فعندما يقول ”كل يوم عنّا شهيد“ أعرف أنه سيقول بعدها ”والشهادة والله عزّ“، رغم أنني لا ألتقط من الجملة الأخيرة سوى كلمة ”عزّ“. عندما يقول ”والله لناخد التار“ أكاد أسبقه بالقول ”من ماهر وبشار“، مع أنني الآن أيضاً لا أفقه معنى الثأر.
في البداية، حملوا جسدي المسجى فوق النعش، وداروا بي عدة مرات حتى دختُ. وقتها تذكرت يوم زفافي، حين حمل أصدقائي هدايا العرس ورقصوا بها في حركة دائرية أمام بيت عروسي قبل تقديمها لها. نسيت اسم هذه الدبكة، لعل اسمها ”زفّة العروس“؛ اليوم صرت أنا الهدية التي ستُزفّ إلى التراب. في هذه اللحظة تذكرت طفلي، كدت أنطق باسمه رغم القطن الذي يسد أنفي، غير أنني نسيت اسمه فجأة! أنتظر من همهمة أولئك الذين يحملون النعش أن يقول أحد منهم إنني ”أبو فلان“، فلا يتلفظون سوى بكلمة الشهيد. مللت بسرعة كوني شهيداً، أردت أن يُقال عني شيء آخر، حتى اسمي يتوارى وراء وصف الشهيد، لولا ذاك المصور الذي يثابر على قول اسمي لتوثيق تسجيلاته.
أعترف أن العدد الضخم من المشيّعين يرضيني، يبدد وحشة لحظاتي الأخيرة على الأرض. وأهم من ذلك، سيزهو ابني الذي نسيت اسمه بجنازتي المهيبة، في الواقع ليس لدي ما أورثه إياه سوى هذه الجنازة، وربما سيطرب كلما تكرر اسمي على اليوتيوب، سيقول بفخر لأقرانه ”هذا أبي“. ربما غداً ستأتي به زوجتي لزيارتي، وترشّ الماء فوقي. ستبكي لأن دمعتها سهلة كالمعتاد، وستنظر إليه بحسرة، أعلم أنها لن تحزن عليّ بقدر حزنها على الطفل الذي صار يتيماً، وأنا من جهتي لن يزعجني حزنها على الولد. هي أصلاً كانت طوال الوقت غير راضية عني، وكانت تقول طوال الوقت أنني سأتسبب في يتم ابني، بل تقول غاضبة إنها لن تخرج في تشييعي، مع علمنا نحن الاثنين بالعادات التي لا تسمح للنساء بالمشاركة في التشييع.
لست مستعجلاً الوصول إلى المقبرة، لست متلهفاً للحظة الفراق الأخيرة، والمشيّعون لم تفرغ جعبتهم بعدُ من الهتافات. هي فرصة كي أسترجع ما أستطيع من ذكرياتي على مهل، فرصة أن أفكر كميت، وأن أطل على حياتي الماضية كأنني رجل آخر. طوال وجودي على الأرض، تمنيت لو أكون شخصاً آخر غير ما أنا عليه؛ الموت المبكر لم يكن في حسباني، ولا الشهادة أيضاً. أشعر في هذه اللحظات بأنني تخلصت من كل ما وددت تغييره ولم أتمكن، ثمة ثقل ينزاح عني هو ثقل ما فعلته مرغماً أو مكرهاً، وحتى ثقل ما فعلته بسعادة، الحق أنني لم أعرف الفرح طويلاً في حياتي، وبالطبع لن أبحث عنه بعد الآن. لا أشعر بندم على شيء، وكم أتمنى لو أشعر بقليل منه، ببعض من الحسرة. أحس كأنني في أحسن حالاتي وأنا مرفوع على الأكفّ، تفصلني عن الأرض أجساد صلبة هادرة، بينما أسبح في غبش لذيذ لا يحسه أحد سواي.
الكثيرون يظنون أن الموتى يرون ما لا يراه الأحياء، أحسّ أن لي هذه القدرة حقاً، فأرى أحداثاً لم تقع، وأعرف أنها ستقع، لكنني لا أستطيع إنذار من حولي بها. أرى جمعاً كبيراً من الدبابات والمصفحات والشبيحة يقتحمون زملْكا غداً، أرى النساء والأطفال يختبئون من الرصاص الذي يُطلق بكثافة، وعلى كل ما يتحرك في الشارع، بل أرى القذائف تفتح كوات في حيطان البيوت، وأرى من خلال كوة طفلة صريعة في عمر ابني. أرى ذلك الضابط الذي أصابه رفاقي السابقون بطلقة في كتفه، فأمر بإبادة كل ما هو حي، وأسمعه يطلب تعزيزات من قيادته، ثم يغلق اللاسلكي ويشتم قيادته ورئيسه اللذين لا يرسلان التعزيزات بالسرعة المطلوبة، ثم يبصق كأنه يفعل ذلك على الفروج التي شتمها للتو. مجلس عزائي لم يكتمل، فقد انفض المعزون تحت زخّ الرصاص قبل اليوم الثالث. غداً ستكون هناك جنازات جديدة، وسينسى الجميع باستثناء بعض النسوة من جيراننا واجب مواساة امرأتي وطفلي، سيأتين ليخبرنها عن الشهداء الجدد، وعن الأبطال الذين أوقعوا عدداً كبيراً من القتلى في صفوف قوات النظام، قبل أن يضطروا إلى الانسحاب أمام التعزيزات الإضافية. كأنني أشاهد كل ما يجري على الشاشة، وأكاد أسمع المصور الذي يصور جنازتي الآن وهو يشرح للمشاهدين: ”زملكا، ريف دمشق، اقتحام البلدة من قبل عصابات الأسد بتاريخ 31/1/2012“. لكنه لا يقول شيئاً، يصمت من مخبئه الذي يصور منه رتل المصفحات والجنود؛ شجرتا نخيل تميل أوراقهما بفعل الرياح تحجبان نصف المشهد تقريباً، بينما تمر المصفحات ولا نسمع سوى هدير مجنزراتها. قبل شهرين من الآن اقتحموا البلدة أيضاً، حينها لم تكن هناك مصفحات، أتوا بناقلات الجند العادية، كنا نصلّي الجمعة في الجامع قبل الانطلاق في المظاهرة، وكان لتلك الجمعة اسم لا أذكره جيداً، ربما تسمية تدل على طلب حماية دولية أو منطقة آمنة.
لا زلت أحاول تذكر اسم ابني، الغريب أنني أتذكر العديد من التفاصيل التي لا أريد استرجاعها الآن، وأعجز أمام اسمه! أتذكر مثلاً كرهه لكنزة الصوف التي حاكتها جدته، وإصراره على خلعها بسبب انزعاجه من ياقتها العالية. كأنني أراه غداً يهرب إلى الحمام عندما يسمع صوت الرصاص، وهم يقتحمون الشوارع، يضع يده في فمه ويقرض أظافره بأسنانه. ثم أتخيله، كما فعل طفل من باباعمرو أثناء قصف الحي، يستمر في القضم ويأكل رؤوس أصابعه دون انتباه تحت وطأة الرعب. أكاد أناديه من هنا ألا يخاف، فأكتشف عجزي كجثة معطوبة، تتجمع الأحرف في رأسي، ولا أستطيع ترتيبها لتصنع اسماً. هي أربعة أحرف، أنا واثق جداً من ذلك، لو أسميته على اسم أبي كما كنت أُكنّى لما نسيته؛ ما اسم أبي؟ لقد نسيته هو الآخر! كأنني جثة مقطوعة من جثة أخرى، فلا أب لي، هكذا ستأتي منظمات لتوثّق اسمي بلا أب أيضاً. أقرأ الصفحة الخاصة بي لدى إحداها فأجد اسمي ”الشهيد عمر قدور“، يخطر لي أن الشهيد هنا صفة علمية أو مهنية تشبه حرف الدال قبل الاسم، تشبه الطبيب أو المهندس، يخطر لي أن مهنتي هي الشهادة، وأنني لم أزاول مهنة أخرى في حياتي. لا أجد على الصفحة تفاصيل أخرى عني، باستثناء أنني ذكر ومولود في دوما، فلا اسم لأبي أو أمي، كل حقول الجدول الخاص بي فارغة، حتى الحقل الذي يخص عدد الأولاد مكتوب فيه (0)، لكنني متأكد تماماً من أن لي طفلاً، وأن عدم تذكري اسمه الآن لا يجردني من أبوتي. أستطيع الإتيان بمئات البراهين على وجود طفلي، في موبايلي مئات الصور له، وهو يضحك، وهو يبكي، وهو يكشر تكشيرته التي كانت تضحكني أكثر من ابتسامته؛ هذه الصورة تحديداً كنت قد وضعتها كخلفية للشاشة لأراها دائماً أمامي، قبل أن ينصحني رفيق لي باستبدالها لأن صور الأولاد الماثلة أمامنا توهن من عزيمتنا، أزلتها مجاملة له ليس إلا. لو أنهم تركوا معي الموبايل لأستأنس به في عتمتي.
يهتف المشيّعون حولي ”جيش الحر يا جيش الله... خود سلاح وخود رجال“، لم أنتبه إلى المسافة التي قطعناها حتى الآن، لا أدري إن كنا قطعنا ”مسجد التوبة“ أم لم نصل إليه بعد. بصيرتي تقول لي أن أطلب من المشيعين ألا يمروا من أمامه، أن يتركوني ويذهبوا إلى بيوتهم لئلا يتعرضوا للخطر. يختلط الأمر عليّ للحظات قبل تأكدي من أن بصيرتي تعرض لي جنازة أخرى، جرى تشييعها أيضاً في الثلاثين من الشهر، لكن في الثلاثين من شهر حزيران القادم. إنه تشييع عبد الهادي الحلبي، أعرف ”الحلبي“ منذ بدء نشاطه هنا، وقبل انكشاف أمره للكثيرين لدى اعتقاله من قبل ”المخابرات الجوية“، أعرفه باسمه الحقيقي وأتذكره تماماً، لكنني لن أبوح به الآن لئلا أعرّض عائلته للخطر. لو أستطيع، بدل البوح باسمه الحقيقي، أن أخبر المشيعين بما سيحدث في جنازته، لو أتمكن من إنذار فارس قبلاوي أو يامن الطرشة أو مؤيد الدباس، وآخرين لا أراهم الآن غير أنني متأكد من مشاركتهم في جنازتي؛ فقط لو أتمكن من إنذارهم بالانفجار الذي سيقع عندما سيشيعون عبد الهادي، لو أتمكن من إخبارهم عن السيارة من نوع ”سابا“ التي ستنفجر أثناء مرورهم أمام ”مسجد التوبة“. سيضحك أسامة باستخفاف كعادته، سيقول لي: كيف ننتظر الخير من سيارة مصنوعة في إيران؟ لكنه لن يكترث بالأمر، كعادته أيضاً، لذا ينبغي أن أحذّر أحداً سواه. أراهم أمامي بأشكالهم وأسمائهم التي تتداخل لتؤلف اسماً طويلاً واحداً، اسماً غير مألوف لشهيد واحد؛ شهيد يكتنف عشرات الأزواج والزوجات والأولاد والأحفاد، اسماً يبدأ بمؤيد الطرشة قبلاوي فارس ياسر شهاب أسامة ممدوح كبارة... فقط لو يقترب أسامة من فمي الآن لأقول له الاسم، ليضحك من طرافته، ضحكته التي ستصل مع طول الاسم حتى تخوم جوبر. سيضحك ضحكة عدم تصديق أطول إذا أخبرته عن مشهد الجثة المتفحمة، عن الأعضاء المقطوعة بفعل الانفجار، عن الأعلام المرمية كجثث، عن صيحات ”الله أكبر“ العاجزة. لا هو ولا سواه؛ لن يصدّقني أحد فيما لو أخبرتهم عما سيحصل بعد خمسة أشهر، لن يأخذوا الاحتياطات المناسبة، ستنفجر السيارة كأنه قدر أن تنفجر وتقتلهم. لا فائدة إذاً، هذه حكمةُ ألا يتمكن الموتى من النطق، إنما ما الحكمة مما يشاع عن تبصّرهم ما هو آتٍ؟
أحاول استغلال بصيرتي كميّت لأعرف ماذا سيحل بابني، أستعرض صور ضحايا ما سيسمّى أيضاً مجزرة زملكا بتاريخ 27/12/2012، يرافقني صوت المصوّر الذي يعرّف بها قائلاً: ”مجزرة جديدة يا ناس يا عالم... في زملكا، بالطائرات والمدفعية والهاون... حسبنا الله ونعم الوكيل“. يكرر مرات ”حسبنا الله ونعم الوكيل“ بينما أتفحص الجثث المصفوفة بعشوائية، وفوقها قوالب ثلج وُزّعت بعشوائية أكبر لتحفظها من التعفن في صيف ذلك اليوم القائظ. لوهلة كاد قلبي ينخلع، أحسست الرصاصة المستقرة فيه الآن تتحرك وتؤلمني لأول مرة، الآن أنتبه إلى أنها لم تؤلمني عندما اخترقت صدري، اخترقته مثل دبوس دافئ، وضعت يدي على صدري فأحسست بدفء دمي، ثم شعرت بذلك الدبوس يؤلمني ألماً أليفاً وهادئاً، بعدها فقدت وعيي نهائياً. الآن، تتحرك الرصاصة وأنا أرى طفلاً قتيلاً فوقه جثمان طفل أصغر حجماً ملفوف بكفن أبيض، وجه الطفل من تحت أخاله وجه ابني، فقط لو يتوقف الصوت عن ترديد ”حسبنا الله ونعم الوكيل“ لأنه يشوّش عليّ تركيزي، لو أنه بدل ذلك يزيح الطفل الأصغر ويدع الآخر يتمدد مرتاحاً، لولا هذا الثقل على صدره ربما تبادلنا الحديث كميتَين، وربما أخبرني شيئاً، أي شيء، عن ابني الذي لم أعثر عليه بين القتلى.

رغم الرائحة السامة التي تملأ الهواء، لا يزال صوت أبي ماهر يرنّ في أذني وهو يرثي حفيده نعيم. نعيم... ابني له اسم مشابه، اسم من أربعة أحرف وله الموسيقا ذاتها، أصيح باسم نعيم، فأسمعني كأنني أردد اسم ابني بأحرف أخرى. ابني... أيعقل أنه لا يزال نائماً الآن، أعني لا يزال يظن نفسه نائماً؟ أيكون قد استنشق ”السم الهاري“ دون أن ينتبه؟ هل سيصحو ليسأل الطبيب كما سألته تلك الطفلة: عمو... أنا عايشة؟ نعيم... نعييييييييم... أصيحها كأنني أصيح باسم ابني، أصيح ولا أحد يسمعني من الذين يلقون عليّ نظرة الوداع الأخيرة. وهم ينزلوني في القبر، أنزل لأتجول بين صور الضحايا باحثاً عن ابني؛ الطفل الذي يلبس بلوزة بلونَي الكحلي والأزرق الشامي ليس ابني، هو ماهر حلاوة، كنت لأزفّ خبر نجاته لأبيه مازن منذ الآن لولا أن أباه سيقتل في ليلة الغاز السام هذه. أتجول في ”حي المزرعة“، حيث لا نأمة ولا صدى لحياة، لم أتخيل في أسوأ كوابيسي زملكا خالية تماماً من الناس. ألمح شاباً يافعاً، مكتوب على بلوزته الزرقاء THERE’S ROCK، نتبادل نظرات حائرة كميت قديم وناجٍ من مجزرة، كنت سأسأله عن تفاصيل ما جرى، لولا أن واحداً منا اختفى على الفور. أتفحص على الجدران صور القدامى من الشهداء، أتفحص على جدار صور أطفال قُتلوا ولم يتعرف أحد عليهم أو على ذويهم؛ الصور جميعاً كانت صور ابني، صرخت به ”نعيم“ فامتدت يدٌ لتنتزع الصور من أمامي، ولم يبقَ سوى الجدران الكالحة الموحشة، خلفها أناس يظنون أنفسهم نياماً.
الأكفان أُغلقت تماماً، يمكن تمييز أعمار أصحابها من طول الكفن أو قصره فحسب، ذلك لا يحجب عني رؤية وجوه أصحابها قبل أن يُهال عليها التراب في خندق جماعي واسع. أستبعد الأكفان الطويلة باحثاً عن كفن بطول المئة وثلاثة سنتيمترات، هو طول ابني لما تركته، أفترض أنه الآن قد أصبح أطول قليلاً. ها هو ابني بين القتلى، كيف لم أميّز كفنه فوراً؟ كيف لم أميّز رائحته رغم رائحة السارين؟ الذي في جانبه لا شك أنه ابن جيراننا، لا... إنه ابني أيضاً. ربما أطول قليلاً، لكنني هذه المرة لا أخطئ رائحته؛ إنه ابني. مع كل رفش من التراب يُلقى فوقي أكتشف كفناً جديداً بالطول نفسه، ثم سرعان ما أشمّ رائحة ابني فيه، وبعدها أرى حلمه الأخير وهو نائم نومه الأخير. نعيم.. نعييييييم.. ابني. التراب
يغطي فمي، ومع هذا أقوى على فتحه لأصرخ باسمه؛ لا ليس ”نعيماً“، إنه وسيم... وسيم... وسيييييييييييييييم.
***
جنازتي رتيبة، وعندما ستشاهدونها لن تعرفوا عني شيئاً، حتى اسمي لا ينطق به أحد. ثمة فقط عنوان التسجيل على اليوتيوب ”تشييع الشهيد عمر قدور من قرية أطمة“، ثم طوال أكثر من تسع دقائق لن تسمعوا، مثلما لم أسمع، سوى وقع أقدام المشيّعين وهم يمضون بي إلى مقبرة القرية. لن تجدوا ذِكراً لمقتلي هذا اليوم، مع أن وسائل الإعلام انشغلت طويلاً بحصيلته الدامية. حتى القصف على قريتنا في هذا اليوم لم يأتِ على ذكره أحد من الإعلاميين، كانوا جميعاً منشغلين بالتحدث عن ”مجزرة القورية“ في دير الزور، أو بالتحدث عن انفجار سيارة مفخخة في معضمية الشام، أو بالإعلان عن انشقاق عشرات الضباط عن قوات النظام. لا أقول هذا معاتباً فأنا لو كنت مكانهم سيستحوذ على اهتمامي مقتل النساء والأطفال في سوق القورية، أكثر من مقتل رجل مثلي في قرية أطمة الحدودية النائية.
التاسع من تشرين الثاني 2012، سُمّي بـ“جمعة أوان الزحف إلى دمشق“، لذا كانت الأبصار كلها معلقة بما سيحدث في الشام، ونحن في الشمال القصي كنا نرنو إلى هناك منتظرين الخلاص من الطاغية ابن الطاغية. يعجبني وصف ”الطاغية“ أكثر من ”الديكتاتور“، فالأخير ثقيل على مسمعي ويزداد ثقلاً عندما يُقال الديكتاتور ابن الديكتاتور؛ أهالي قريتنا لا يستخدمون أحد الوصفين عندما يضطرون للإشارة إليه، فقد وجدوا الحل بوصفه بـ”ابن ملعون الروح“. ما يزيد على المائة وخمسين قتيلاً في هذا اليوم وُثقت أسماؤهم، ذلك دون احتساب اسمي بينهم، وربما هناك آخرون مثلي سقطوا سهواً، فانضموا معي إلى ”تقريباً“ أو ”قرابة“ أو ”حوالي“، نحن من ضواحي ذلك الرقم المعلن، مدفونون على مشارفه، نحن المعنيين عندما يُقال ”قرابة المائة وخمسين قتيلاً“، أو نحن الفائض عندما يُقال ”ما يزيد على المائة وخمسين قتيلاً“. من بينهم قد أكون الأوفر حظاً، فأنا لي جنازتي على اليوتيوب وإن توقف عدد مشاهديها فوق الأربعمائة بقليل؛ ثمة 2likes و0dislikes على التسجيل، الحق أنني لا أفهم كيف يُعجب المرء بجنازة أو لا يُعجب بها!
خرجت من صلاة الجمعة مشوّش الذهن. الخطيب كان اليوم مختلفاً عن أيام الجمعة المعتادة، وجهه ليس بالغريب تماماً لكنه ليس من أهالي القرية ولا من أبناء منطقتنا كلها. ابتدأ خطبته واثقاً كأنه وقف على هذا المنبر مراراً، وتوجه بالحديث لنا كأنه يعرفنا منذ زمن طويل. كان المؤقت الالكتروني على يمينه يشير إلى الساعة الحادية عشرة والنصف تماماً، وإلى تاريخ التاسع من تشرين الثاني ثم إلى مواعيد الصلوات الخمس؛ في كل المرات التي أتيت فيها إلى المسجد كنت أنظر إلى المؤقت بإعجاب، وفي مرات عديدة كان يفوتني ما يقوله خطيب الجمعة بسبب انشغالي هذا. ربما، دمغتا السجود المتجاورتان على جبين الخطيب أوحتا لي بأنه غريب عن المنطقة، راقبتهما بفضول، وقدرت أنهما ”إذا ثابر على السجود“ ستصبحان دمغة واحدة واسعة، وحينها قد لا يتنازل بأداء الخطبة على منبرنا البسيط. لا شك أنه شخص ذو مكانة عالية ليتحدث هكذا عن أمة الإسلام، وليقارن بيننا نحن البسطاء وبين صحابة رسول الله، تعجبني فصاحته عندما يذكر رسول الله فيتبعها فوراً بالقول ”صلوات الله وسلامه عليه“. انتظر حتى نهاية خطبته تقريباً ليخبرنا من هو، قال: ”وأنا أخوكم جئت من فلسطين كي أشارككم الهموم، لأن رسول الله صلوات الله وسلامه عليه يقول: مثل المسلمين في توادّهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى. أحفظ حديث رسول الله منذ كنت تلميذاً، غير أنني لم أتخيل يوماً مجيء فلسطيني من فلسطين إلى ضيعتنا كي يعيده على أسماعنا، فلسطين يا الله، فلسطين التي طالما أنّبنا الخطيب السابق على تقصيرنا تجاهها وتجاه معاناة أبنائها من احتلال الكفار اليهود.
لو يعرف هذا الرجل الاضطراب الكبير الذي زرعه في نفسي، فقد اعتقدت طوال عشرين شهراً أننا خرجنا لإسقاط ”ابن ملعون الروح“، والآن يأتي في خطبته ليقول أننا خرجنا في مهمة عظيمة تأبى الجبال الراسخات حملها. يقول إن الغرب تآمر على دولتنا منذ مئات السنين، تآمر على قولنا ”لا إله إلا الله... محمد رسول الله“. يهاجم المدنية والديمقراطية، يسخر ممن يطالب بهما قائلاً لو كان الأمر كذلك لجلسنا نسامر نساءنا بدل بذل أرواحنا. يهاجم الجيش الحر وقائد لواء ظهر على التلفزيون مصرحاً بأننا نقبل بنتيجة صندوق الاقتراع بعد سقوط النظام، ويصف المجالس العسكرية بالعميلة التابعة للغرب الكافر. لو لم يأتِ هذا الرجل من الأرض الطاهرة المباركة ”فلسطين“ لما اكترثت بعبارة من خطبته، أما أنه تجشم عناء المجيء من هناك لنصرتنا فهذا أمر يصعب تجاوزه، إذ ربما يكون على صواب ونكون غافلين فلا ندرك السبب الحقيقي لخروجنا.
كنت نويت عدم المشاركة في المظاهرة إثر صلاة اليوم، بي لهفة للذهاب إلى البيت ومتابعة أخبار الزحف على دمشق، ثم إنني بعد كلام الخطيب لم أعد أعرف ما سأهتف به، هل سأهتف ”الله محيي الجيش الحر“ أم سأهتف ”قائدنا إلى الأبد سيدنا محمد“؟ هل أهتف ”سوريا بدها حرية“ أم أهتف ”إسلامية.. إسلامية“؟ أشعر بأن لا طاقة لي على الخيار والحسم، أتوق إلى الذهاب سريعاً إلى البيت، إلى مشاهدة المظاهرات وهي تُبثّ على الشاشات، يعجبني منظر تلك الشاشة المقسّمة إلى ستة أجزاء كي تنقل مباشرة ما يحدث في ستة أماكن مختلفة، أحسّ بها سحراً يشبه سحر المؤقت الالكتروني في المسجد. أيضاً أتوق إلى الاتصال بابن أخي في الشام كي ينقل لي أخبار الزحف على دمشق، سيحدثني عن معركة طريق المطار وأسأله عن زملكا ظناً مني أن الطريق يمرّ منها، سيحدثني أيضاً عن القصف العنيف اليوم على زملكا دون تصحيح لمعلوماتي الخاطئة، سينقطع الاتصال بيننا في الثانية الثامنة من الدقيقة الثالثة، لكنني أشعر خلال الاتصال كأنني سافرت في بساط الريح وشاركت بالزحف على دمشق، أحس بالشام في قبضة يدي، وبأنها ستفلت مني ما أن ترتخي أصابعي.
لوهلة تخيّلت خطيب الجمعة الفلسطيني كأنه أسرى من المسجد الأقصى إلى مسجدنا. ربما فلسطينيته جعلته محبباً إلي فأعزو إليه طاقة لم توهب سوى للحبيب المصطفى. لكنه، عندما بدأ صوته يتهدج بالدعاء، صار يشبه كل من يعلو المنبر، ورحت أتذكر مجيئهم، مجيء الغرباء إلى ضيعتنا. بعد شهر من الآن سيبدأ الحديث عنهم في وسائل الإعلام، هم بدأوا يتكاثرون هنا منذ ثلاثة أشهر، في أيلول الماضي أخبرني ابن أخي الآخر من أنطاكية بقدومهم، قال إنه رأى مجموعات منهم في سوق أنطاكية حيث يعمل. حكى لي بدهشة وغبطة عن مقاتلين أوربيين يتحدثون العربية الفصحى ويلبسون الزي الأفغاني سيعبرون الحدود لنصرتنا. قلت له إننا لا نحتاج رجالاً، ما نحتاجه هو السلاح فحسب. أجابني بأنهم سيأتون بالسلاح أيضاً. في البداية، لم يختلطوا بالأهالي، كانوا مهذبين إلى درجة كبيرة، وكان الواحد منهم إذا لمح دجاجة يطأطئ رأسه استحياء. لم يختلطوا بمقاتلينا ولم ينضموا إليهم، كانوا غرباء في لباسهم، وغرباء في تصرفاتهم الحذرة، وحتى غرباء في عربيتهم التي ينطقون بها، ونحن لم نكن نملك إزاءهم سوى الفضول الذي راح يتناقص مع الأيام.
لهم دينهم ولنا ديننا، والحق أن دينهم فيه من المشقة ما يفوق طاقة أمثالي. ثم من أكون لأقارن نفسي بأولئك الشجعان الذين قطعوا بلداناً وعبروا شطراً كبيراً من أرض الله الواسعة، كي يأتوا إلى ضيعتنا التي لم يسمع بها أحد من قبل؟ ينبغي أن أذكّر نفسي بأنني لست سوى تسع دقائق صامتة على اليوتيوب، وبأنني استشهدت في هذا اليوم بقذيفة مدفع أطلقتها قوات ”ابن ملعون الروح“ على ضيعتنا. قُرب ضيعتنا من الحدود التركية يمنع تحليق الطائرات فوقها، ويمنحها أماناً نسبياً، حتى خيام النازحين ستملأ سفح الهضبة المجاورة، دون خوف من كونها مكشوفة للقصف. أعلم أنني أكرر وصف ”ملعون الروح“، هذا من شدة عتبي على أولئك الغرباء الذين أفتوا بمنع قولها أو الهتاف بها، حجتهم أن الميت لا تجوز عليه شرعاً سوى الرحمة. على أية حال، لم يعودوا غرباء بالمطلق، صار لهم أنصار من شبابنا، بل راح البعض من شبابنا يتمختر بقنبازه الأبيض والجلابية البيضاء التي تصل إلى الركبة فقط، ولم يعد ”عزو“ يتورع عن إعطائنا التعليمات حول حياتنا وديننا الجديدين، عزو الذي غيّر اسمه إلى عزالدين، بحجة أن الأول يرجع إلى زمن الجاهلية، مقدماً البراهين على أن الواو التي نلحقها بالأسماء تعود إلى أقوام كافرة كانت تقطن المنطقة قبلنا. هو لم يكلف خاطره أن يحضر جنازتي، ولا أستبعد إذا أوصى بالصمت فيها عملاً بالسنّة الحسنة، لا تفسير آخر لدي لهذا الصمت المحيط بنعشي، حتى عندما هتف واحد من المشيعين ”لا إله إلا الله“ جرى إسكاته!
صوت أقدام تمشي ليس إلا، ذلك ما أسمعه طيلة الدقائق التسع، أرى الوجوه المعتادة لشباب ضيعتنا وأولادها، الوجوه التي لم تتغير باستثناء واحد منها طالت لحيته وحُفّ شارباه، ولولا هذا لما ميزته عن غيرة، فهو يلبس الثياب المعتادة. لا شيء أصلاً غير معتاد في الجنازة كلها، لا راية تغطيني، ولا هتافات تتوعد بالثأر لي. ربما اختاروا لي جنازة خالية على الإطلاق لئلا يثيروا حفيظة أحد، وأنا نفسي لم أتخيّل استشهادي لأوصي بترتيبات للجنازة. الآن، ربما لو سُئلت لقلت إنني أفضّل جثماناً ملفوفاً بالعلم، هذا سيكون أكثر تناسقاً مع لحيتي وشاربيّ الخفيفين اللذين شذّبتهما عند الحلاق قبل ذهابي إلى الصلاة، وسيمنح جنازتي معنى إضافياً، بدل الموت المجرّد الذي يغمرها. أحسّ بنفسي مهاناً، وإذا كنت لم أحلم يوماً بمراسم تشييع فخمة فهذا لا يعني إهمالي تماماً، لا يعني أن تتجاهل استشهادي صفحةٌ لتنسيقية الضيعة مع أنها لم تتجاهل قبل أيام قليلة خبر استشهاد ”حفيد تركي فتوح“ في حي السكري في حلب. أرجو ألا يزعج كلامي ”بيت فتوح“، فالله يعلم محبتهم في قلبي، ويعلم تعاطفي مع حزنهم لأنهم لم يتمكنوا من تشييع شهيدهم في ضيعتنا هنا.
كأن الطريق إلى المقبرة أطول مما عرفته سابقاً، لا يهمني طوله أو قصره الآن، ففؤادي معلّق على الطريق إلى الشام. طوال الأيام الأخيرة وأنا أحلم بالذهاب إليها، وعندما سُمّيت ”جمعة أوان الزحف إلى دمشق“ حلمت بأن نمضي جميعاً من كل صوب نحوها، حلمت بأن نجتمع نحن الملايين حول قصر ”ابن ملعون الروح“ ونخلعه من أساساته، ليسقط الاثنان معاً. لذا، فؤادي الآن معلّق بأولئك الزاحفين الذين يتقدموننا، من جوبر وزملكا ودوما وحرستا، أراهم مثل سيل جارف مخيف لا يقف أمامه أحد. أرى دمشق قد رجعت ”شام شريف“، كما يسميها بعض جيراننا الأتراك، وأرى ضيعتنا قد دنت من الشمال القصي لتصبح حياً من أحيائها. أعترف بأن الشام لم تكن تعني لي شيئاً قبل سنتين، وعندما يذهب أحد من أقربائي للعيش فيها كنت أشعر كأنه يهاجر إلى بلد آخر.
حلب أو إدلب شأن آخر لأنهما قريبتان، وأعترف بأنني طالما شعرت بأن الريحانية أو أنطاكية، وحتى غازي عينتاب، أقرب إلى وجداني من الشام. أخجل من قول هذا، لئلا أبدو أمياً، لكن كان يُخيّل إلي أحياناً أن الشوام شعب آخر، وأنني سأكون في أسواقها غريب اللسان مثلما حدث عندما ذهبت أول مرة إلى سوق ”جنديرس“ فسمعت جيراننا يرطنون بكردية لا أفهمها، في سوق عينتاب كان الأمر مختلفاً لأنني أعرف قليلاً من التركية. أهالي ضيعتنا بغالبيتهم يشبهونني في عدم الاكتراث بالشام سابقاً، فمنها لم تكن تأتينا سوى الأوامر أو الإزعاجات، الشام كانت في معظم الأحيان لا تعني أكثر من سوقنا إلى الخدمة الإلزامية، أو أولئك العسكر الغرباء الذين يأتون لمنعنا من التجارة عبر الحدود. يسمّونها تهريباً، ولا يخجلون من أنفسهم عندما يقبضون الرشاوى، حرس الحدود الأتراك لا يفعلون ذلك، يطلقون النار للترهيب أحياناً ويغضون نظرهم أحياناً أخرى، لكنهم لا يقاسمون أحداً في رزقه وأرباحه. أتذكر تَدْمر الآن، طالما تخيلتها التوأم المعتم الغامض للشام، تخيلتها محض سجن كبير ملحق بها، تخيلت أصحاب الأوامر في الشام لا يفعلون شيئاً إذا تذكرونا سوى إلقائنا في زنازين تدمر.
كأنني أتحدث الآن ولا يخرج صوتي، ربما لا يخرج احتراماً لصمت جنازتي، غير أنني أسمعه جيداً، أسمعه كأنني أتحدث وأنا ألهث، حتى الزبد يخرج من فمي بسبب انفعالي، زبد يشبه ما يظهر على خطيب الجمعة عندما يتذكر أهوال يوم القيامة. أسرع في الحديث، بينما تمتد يد لتمسح الزبد عن فمي وربما الزبد الذي يسيل من أنفي، كلامي يتسارع لأقتنص اللحظات الأخيرة قبل المغيب، قبل خروج المؤذّن بآذان المغرب، أيضاً القبلات على جبيني تتسارع لأن الدفن غير مستحب بعد حلول المغرب، أسمع أحدهم حقاً يستعجل المشيعين الذين يودعونني منبهاً إلى صوت الآذان، يأتيني الصوت أليفاً حنوناً، لا يشبه صوت خطيب الجمعة اليوم، يضيء في قلبي المؤقت الالكتروني على التاريخ الذي لن أرى غيره فيما بعد، تاريخ الزحف إلى دمشق، دمشق التي عادت بعيدة وغريبة عن شخص ميت مثلي.
* تنويه: كل الأحداث العامة الوارد ذكرها في النص حقيقية وموثّقة بتواريخها. الشهيدان، عمر قدور من زملكا وعمر قدور من أطمة، حقيقيان واستشهادهما موثّق أيضاً، أما ”المونولوغ“ الخاص بكل من جثمانيهما فهو من اقتراح الكاتب
Read more: http://www.kalamon.org/articles-details-249#ixzz3TyOiTQFY
(Kalamon: http://www.kalamon.org)