خاص: الرومي ماذا سيخسر أهل السنة في مناطق عرسال وعكار ومن يشبههما في لبنان لو خسرت طائفتهم كل مواقع السلطة السياسية والأمنية والإقتصادية؟...

ماذا سيخسر أهل السنة في مناطق عرسال وعكار ومن يشبههما في لبنان لو خسرت طائفتهم كل مواقع السلطة السياسية والأمنية والإقتصادية؟ لا شيء أبداً، لا شيء! فهم ليسوا من أهل السلطة وهي ليست لهم! لا مكان لهم في كل الترتيبات الوظائفية والتعيينات الإدارية ولا حصة لهم في كل التنفيعات المصلحية ولا لمناطقهم حساب في الخطط الإنمائية ولا مدنهم وقراهم على خارطة الإهتمامات الحكومية.
كانت المناطق أريافاً بعيدة، وأهلها طيبون، وطيبتهم أنستهم أن لهم حقوق عند الدولة كما غيرهم، وغيرهم تناسى واجبات السلطة المركزية نحوهم، كانت الأرياف تذكر بمنتجاتها اليدوية والتقليدية المحلية، وكأنها خلقت لإشباع رغبات وأذواق وترف البرجزة في الإدارات السلطوية عندما كانت تذكر العائلات التاريخية وحلفائها والمجتمعات المخملية برؤسائها ووزرائها وسفرائها وأعلامها وضباطها!
كانت المؤسسات التربوية في المناطق نادرة وأحلام الناس لا تتعدى وظيفة وضيعة قبل أن يتمكن بعض أبناء هذه المناطق من الدراسة خارج قراهم، في مدارس وثانويات في المدن الكبرى ومراكز الأقضية أو في قرى منت عليها السلطة بعطاءاتها، وأما الإنتساب إلى جامعة فكانت مضنية وبحكم المستحيل لكل الأسباب التي جعلت من مواطنيها موطنون من الدرجة الثانية.
وجاءت الأحداث اللبنانية وبدأت الأحزب اليسارية في إرسال بعثات دراسية إلى الدول الإشتراكية وبعض الدول العربية، استفاد منها عدد كبير من أبناء المناطق النائية كما أبناء العائلات الفقيرة من المتعاطفين والمناصرين لها ،هذه كانت أول نقلة نوعية لحملة الشهادات الثانوية لينضموا إلى كليات جامعية في الخارج بدل الضياع في أزقة لبنان وحروبها وميليشياتها، ودرسوا في مجالات طالما حرموا منها وحلموا بها كالطب والهندسة والصيدلة.
نقلة نوعية أخرى ومميزة كانت مع مؤسسة رفيق الحريري، رفيق الحريري الآتي من عائلة متواضعة ويعرف طبيعة وحياة الناس الفقراء ومآسيهم وطموحاتهم المستحيلة لتعليم أبنائهم على أمل الخروج من واقعهم وتأمين مستقبل أفضل لأولادهم فكانت له المبادرة والقرار بإرسال آلاف الطلاب إلى الجامعات الغربية ومن كل الطبقات الشعبية بكل ألوانها ومستوياتها، يومها وهب لأبناء المتاطق الفقيرة الجرأة على الحلم بمتابعة دراستهم في أهم الجامعات العالمية مع باقي الطلاب من العائلات الميسورة ومن المحظيين، فكم كانت مشرفة أن ترى من لم يكن عنده لا الإمكانية ولا الوسيلة ولا الفرصة لمتابعة دراسته في بلده أن يكون على مقاعد أرقى الجامعات المعتبرة، إنها النقلة الحاسمة نحو الأفضل! يومها وبفضل هذا الشهيد الكبير كانت الكفاءة هي معيار النجاح لا الإنتماء إلى عائلة أو مدينة أو طائفة .
مع الأيام تحسنت إمكانيات الناس بقدراتهم الذاتية وواكبوا هذا التقدم بمزيد من المسؤولية تجاه أبنائهم وأرسلوهم إلى الجامعات الوطنية الخاصة والرسمية وإلى جامعات البلدان الأجنبية وتحملوا الشدة لتصل فلذات أكبادهم وتتعلم وتحصل على شهادات جامعية وبسبب صعوبة الحياة وانسداد كل الآفاق، هاجر عدد كبير من أبناء هذه القرى الى بلاد الله الواسعة للبحث عن حياة أفضل.
تعلم شباب المناطق وتخرج الآلاف منهم ولكن بقيت كل الأبواب موصدة في وجههم، كما كانت قبل أن يعرف الناس طريقهم نحو العلم والمعرفة، لم تتغير عقلية المتحكمين بالمؤسسات ولم يعرفوا أن الزمن قد تغير ولم يتيقنوا بعد أن الإنسان قيمته بعقله المعرفي، وقدرته بكفاءته العلمية، وحسن أخلاقه بنزاهته الفكرية والإجتماعية، وليست مكانة الإنسان برقم سجله ولا بإسم عائلته ولا بموطن ولادته.
نحن نعرف أن لبنان بلد التوافقات الطائفية ولكن نعرف أيضاً أن لبنان بلد المحاصصة الطائفية وعلى كل المستويات وفي كل المؤسسات وأهل المناطق النائية هم جزء من طائفة ويفترض أن لهم حصة من حصتها ومراكز من مراكزها وكراسي من كراسيها فأين هي!؟
لم يخلق أبناؤنا لوظائف وأبناء الآخرين لوظائف أخرى! ليس من قدر أمهاتنا أن يلدن المحرومين من نعمة السلطة والأمهات الأخريات لا يلدن إلا رجال السلطة وأعلامها!
منذ الإستقلال وحتى اليوم تحكمت شرائح محدودة مع محاسيبها بكل المواقع الرسمية والإدارية، وتحافظ على مكتسباتها الموروثة بكل غرور وجبروت، فإلى متى سيبقى تهميش الأكثرية الساحقة، أهالي المناطق وإقصائهم عن جنة الحكم والسلطة والمواقع القيادية الحكومية؟!
أهلنا في المناطق، هم دافعو الضرائب الفعليين ومن أموال ضرائبهم تنتفخ الحسابات المصرفية لأهل السلطة، أهلنا يدفعون عداً ونقداً كل حاجياتهم في السوق الوطني التي أتخمها محاسيب السلطة بكل الكماليات والضروريات ويدفعون العمولات التي اقتنصها أصحاب الحظوة على كل ما هب ودب من الصفقات الحكومية والخاصة، أهلنا لا يعرفون المناطق الحرة ولا أسواق باريس ولا القروض المصرفية الميسرة الملتوية الهدف والوسيلة إنهم فقط مواطنون على قد الحال وصابرون.
(*) سياسي لبنان مقيم في باريس
ليست هناك تعليقات