بالقياس إلى ابنِ جَريرٍ الطَبَري أو إلى عزمي بشارة، يُعْتبر اللهُ مؤلّفاً مُقِلّاً. فهو قد أمْلى كتاباً واحداً متوسّطَ الحجم وترك للحُفّاظ ...

قَبْلَ ذلك بزمنٍ طويل، كان قد عزّ على الله اختلافُ الروايات الكثيرة التي حظيت بها سيرةُ ابنه الوحيد فأَوْعَز بمراجعتها واعتمادِ ما يناسب منها. عليه حَظِيَ الابنُ الشهيدُ بعطفٍ مديدٍ واسعِ النطاق على الرغم من بُعْدِ الشَبَه بينه وبين باسلٍ أو بينه وبين عُدَيّ أو قُصَيّ.
قَبْلَ ذلك أيضاً بزمنٍ أطول، كان الله قد وضع توقيعه، متسَلّحاً بما نسمِّيه "الإشراف" أو "التحرير" (على غِرارِ ما يفعل مُسْتَعْجِلو الترقيةِ من أساتذة الجامعات في أيّامنا) على كتابٍ ثالثٍ ألّفَه آخرون كثيرون. وقد بقي الكتابُ الجَماعيّ المذكور إلى اليوم محتاجاً أشدّ الاحتياج إلى تحرير.
أَوْرَثََتْ هذه الاستهانةُ بجماهير القرّاء، من جانبِ مؤلّفٍ وصفَ نفْسَه بالتعالي، خلافاتٍ لا حصْرَ لها في فهْمِ مَقاصده ورَغَباته. وهو قد ترك الأمورَ تَسوءُ كثيراً بين مُريديه المتحمّسين من القرّاء مئاتٍ كثيرةً من السنين كان الوقتُ فيها متَّسِعاً للإدلاء بما يَلْزَم من إيضاحات. وذلك أن نيتشه لم يُعْلِن وفاةٓ هذا المؤلّف إلا قبل نيّفٍ ومائةِ سنة. وهذا إعلانٌ تعذَّرَ التثبّتُ من صحّته فلم يَزِدْ المشاحناتِ وسَفْكَ الدماء ونَشْرَ الخَراب بين الورثة من القرّاء وغيرهم إلا طغياناً وسوءاً.
وأمّا الطبعاتُ التي صدَرَت من كتبِ المؤلّف فلا تُحْصى. ولا يُحْصى ما جمَعٓه الناشرون والمُحيطون بهم من أرباح. والمؤسفُ أن صمْتَ المؤلّفِ لا يُبيح أن توضَعَ على الطبعات المُتَوالية تلك العبارةُ التي يضعها مؤلّفو الكتبِ المدرسية على كُتُبهم: "طبعةٌ جديدة مزيدة ومنقّحة".
ليست هناك تعليقات