خالد مطلك... عن قصيدة النثر

alrumi.com
By -
0
عن قصيدة النثر ..
يتذكر بعض أصدقائي تلك الحكاية الساخرة التي كنت أرويها ايام التسعينيات في الصحافة او مجالسنا الخاصة عن علاقتي بقصيدة النثر ، وكانت تدور حول أزمتي مع الوزن في الشعر وعلم العروض الذي لا اعرف عنه شيئا حتى الان . لا اريد ان اعيد عليكم تلك الحكاية المملة ، عندما فرحت حين تم التخلص من الوزن بعد انتشار قصيدة النثر وسيادتها في الساحة الأدبية ،
ليلة امس ، كنب صديق يدرس العلوم السياسية ، بطريقة ساخرة ، معاناته مع كم قصائد النثر التي تصادفه على التايم لاين ، من ناحيتي وجدت نفسي اتفق معه على الفور ، فأنا ايضا اكاد أضيق ذرعا بهذا ألكم من "قصيدة النثر " . كما انني اقرف من الشعر الموزون مسبقا لاسباب تتعلق بمزاجي الثقافي .
لا اريد هنا ان أكرر شروط واشتراطات نجاح قصيدة النثر ، كما خدعتنا ذات مرة سوزان برنار ، عندما قامت دار المأمون بترجمة كتابها ، الذي شكل مرجعيتنا اليتيمة حينها في تفسير هذا الكائن الغريب ، الذي اسمه قصيدة النثر ، ولكني أقول ان القصيدة اي قصيدة ، تحتاج قبل كل شيء الى شخص موهوب اولا وقبل كل شيء ، وبدون الموهبة فان قراءة أطنان من المؤلفات لا تساعده على كتابة جملة شعرية واحدة ،
ولكن المؤسف في الامر ، ان الموهوب والموهوم يتجاروان هنا على نحو شائك ومتداخل ، بسبب من غياب النقد الأكاديمي اولا ، وغياب اخلاق المصارحة ثانيا ، فطالما ان قصيدة النثر غير ضارة وان كانت مزعجة كما تبدى الامر مع بوست الصديق رباح حسن زيدان ، فإننا نمررها بسلام وأحيانا ببعض عبارات المجاملة ووضع علامة الإعجاب عليها . مما يتيح للشخص الموهوم الاستمرار بممارسة الوهم الى ما لا نهاية .
لست ضد ان يكتب ( 35 مليون عراقي ) قصائد نثر بشكل يومي ، فهذا آمر في الأقل ، افضل من نقل مليون فتوى دينية في نبذ الاخر مثلا . ولكن انا ضد ان نتوهم بأننا جميعا شعراء ، ونعيش هذا الاحتفال اللغوي المجنون .
تبدو قصيدة النثر بشكلها المخادع ، كأنها بلا قواعد ، سلسة ومريحة ومجانية ، كما تصفها سوزان برنار ، ولكن من جانب اخر ، وكما اسلفت ، فهي تحتاج الى شخص موهوب . شخص منحته الطبيعة قابلية استثنائية لتحويل كل ذلك الى شيء مدهش وصادم .
فعندما تكتب صديقي الشاعر عشرين قصيدة في الشهر ، ليس من بينها ماهو مدهش وصادم ، فعليك ان تعتزل الوهم ، فأنا مثلك تماماً عشت بلا تواضع هذا الوهم طويلا ، حتى تخليت عن لقب شاعر قبل اكثر من عشر سنوات ، وها انا اكتب كل سنة تقريبا ثلاث او اربع قصائد ، وانشرها هنا او في الصحافة استذكارا لهواية قديمة اسمها قصيدة النثر .
لقد اصبح الشعر في عالمنا اليوم شيئا من الماضي ، قد تكون العبارة الأخيرة وردت لدى هيغل ، ولكني هنا لا أقصدها بالضبط ، لان هيغل فيلسوف عميق ، وللاسف ان العمق نفسه اضحى شيئا من الماضي .

إرسال تعليق

0تعليقات

إرسال تعليق (0)