محمد حجيري يعلم الجميع ربما، لو أن ميا خليفة محض أميركية أو أوروبية أو حتى أفريقية ويابانية، واسمها أو اسم عائلتها غربي أو أجنبي، كان...
محمد حجيري
يعلم الجميع ربما، لو أن ميا خليفة محض أميركية أو أوروبية أو حتى أفريقية ويابانية، واسمها أو اسم عائلتها غربي أو أجنبي، كانت مرتبتها ستكون في الدرجة صفر من الشهرة في لبنان والشرق الأوسط، ولن تكون موضع اهتمام في التعليقات الفايسبوكية وبعض الكتابات "النسوية" والمقالات شبه السياسية، ولن تكون الأكثر مشاهدة ومتابعة في محرك البحث "غوغل"...
الأرجح ان ميا كانت تدرك ذلك، وتعرف أنها مجرد رقم أو اسم ضائع ومغمور، هناك الآلاف من أمثالها في النسيج الأميركي، حيث العري والبورن من الأمور العابرة في المجتمع والسينما والحياة، والاهتمام ليس بالإباحية والجنس والعري بحد ذاتهما، بل بقدرات من يقدمها وأهميته سواء في الميديا والغناء او هوليوود.
والضجيج حول ميا ليس لأنها صاحبة جسد خارق وتحمل لقباً جمالياً أو تمثل في أفضل الأفلام بل لمجرد أنها من أصول عربية - لبنانية وتمتلك بعضاً من أوهام الجسد الشرقي. من قبل، أشعلت المصرية علياء المهدي الشارع المصري بعريها، ومثلها فعلت أمينة التونسية، فضلاً عن إحدى الممثلات الايرانيات.. كن يستعملن عريهن كموقف سياسي و"نضالي" ضد الوضع القائم.
ميا - الجسد في موضع أكثر التباساً، ويرتبط بنمط الحياة الأميركية مباشرة، غادرت بيت أهلها بعد دخولها السن القانوني، امرأة عادية تحمل اسم عائلة عربية، غادرت لأنها تتبع نمط الحياة الأميركي، وأطلت بعد مدة امرأة سيلكونية باستدارات ومفاتن مضخمة وفاقعة وقد وشمت على يدها النشيد الوطني اللبناني، أعلنت أنها ممثلة بورن أو قريبة من نجمات الـ"بلاي بوي"، عادت لتوجيه صورها باتجاه أصولها اللبنانية والعربية، كأن فشلت في هواها الأميركي فعادت حاملة هذا "الهوى" المزين ببقايا أمور لبنانية كاسم العائلة و"كلنا للوطن". في البلدان الشرقية لم يعد جسد ميا مجرد جسد يمثل أو يطمح لتمثيل البورن، بل صار "الجسد الهوية"، مع ما تحمله هذه الكلمة من تداعيات تداعب مخيلة الشرقيين، بدءاً من الجنس نفسه مروراً بالتقاليد والعادات والعذرية والعفّة... ووسط جبل التقاليد الشرقية والاسلامية يمكن لفقاعة ميا الجنسية أن تثير الصخب والضوضاء والكلام الشتائمي والكلام والادعائي والسخرية.
الكلام حول ميا، يدل على حجم الحجاب والتحجب اللذين يسيطران على كل شيء في العالم العربي، والاندفاع في التعاطي مع "الجسد الشرقي" فيه شيء من الحمى والهذيان، وهذه ليست المرة الأولى التي تصل الأمور الى هذا المشهد الهذياني.
لنتذكر الحسناء نيكول بلان وفيلمها الشهير مع خطيبها. أظهر الجوع الى المشاهد الجنسية(العربية) التي تراود المخيلة الشرقية. نيكول بلان ما زالت حتى الآن مسار جدل ويستذكرها الشبان كأنها كانت تحفة اباحية، أو تحمل بصمة خاصة في الجنس لأنها من بنات جلدتنا. الأمر نفسه في فيلم الراقصة المصرية دينا مع زوجها أبو الفتوح. والفيلم الذي الذي نسب إلى هيفا وهبي، أو الفيلم المنسوب إلى راقصة اسمها لنانا.
حتى في صور العري هناك ما يشبه الهذيان في التلقي العربي للصور، المصورة الفوتوغرافية اللبنانية رشا كحيل (مقيمة في ألمانيا) التي نشرت أكثر من عشرين صورة لها على موقعها الالكتروني، وهي صور بدأت في نشرها العام 2008 ولم يكتشفها الإعلام اللبناني إلا العام 2014، وقيل ما قيل حولها سواء في "فايسبوك" أو في نشرات الأخبار. بدأ الضجيج، وأصبح النهد العاري المصور "ميديا" لوصول امرأة تحمل اسماً شرقياً إلى نشرات الأخبار اللبنانية والمواقع الإلكترونية والمجلات، ومعظمهم لم يتحدث عن صور رشا كحيل باعتبارها فنانة أو تقدم فناً من أنواع الفنون الفردية أو الذاتية، بل تحدث عن الصور باعتبارها لفتاة لبنانية "شرقية" تتعرى وتخرج عن السياق وتكسر المحرمات. وثمة من اعتبر عملها حرية شخصية وثمة من يدعو إلى محاكمتها.
وحين نشرت المتزلجة اللبنانية جاكي شمعون صورها عارية على الثلج في دورة الألعاب الأولمبية الشتوية "سوتشي 2014"، كانت أقوى من التفجيرات الانتحارية والاغتيالات السياسية. ثمة من قال ان ما فعلته المتزلجة أهان وجدان الأمة اللبنانية، وتكفي مراجعة وزير الشباب والرياضة في تلك المرحلة لتبيان الصورة، وتكفي مراجعة التعليقات حولها لاظهار مدى هذيان التلقي للعري.
لنقل إن ما تفعله ميا، حرية شخصية وهذا من البديهيات في الولايات المتحدة. لكن، في لبنان، مع موجتها، سنسمع الكثير من التحليلات والمواقف والخطب والكليشيات "النضالية" والاستعراضية، إضافة إلى تلك "الأخلاقية" المتزمتة. وسنقرأ الكثير من التنظير والوعظ والادعاءات. ومهما كان الكلام وحجم التعليقات، ستبقى ميا مجرد "قنبلة صوتية – بصرية" أظهرت انفعال بعض العرب وبعض اللبنانيين في تعاطيهم ثقافة الجسد.. على الطريقة الغربية.
يمكننا هنا استعادة ما قالته الباحثة المغربية فاطمة المرنيسي ذات مرة: "اعتاد الشرق أن يغطي نساءه، فيما اعتاد الغرب الكشف عنهن". ويبدو أن العري في العالم العربي والإسلامي لم يُفهم باعتباره يحمل جمالية للصور الفوتوغرافية أو الفن التشكيلي والسينمائي أو يتضمن موقفاً احتجاجياً. بل يُربط كل عريّ نسائي بالفجور والطيش والكفر والزندقة. وعلى هذا، لا عجب أن يكون عريّ امرأة، صاخباً إلى هذا الحد. ربما أكثر من المجازر والسجون السياسية والقمع. وميا خليفة، تجاوزت العري الى أمور أخرى، ستجعل بعض العرب، كما في الكثير من المرات، يقولون هذه هي "البنت اللبنانية"، وستجعل بعض اللبنانيين يقولون "هذه هي أحوال بناتنا اذ عشن في أميركا".. هي لعبة التكهنات ومآزق الهويات إذا بقيت في رؤوسنا. - See more at: http://www.almodon.com/culture/ca43970a-21a1-42c7-86a3-17f6e75c6c1a#sthash.vprUwU9A.dpuf
يعلم الجميع ربما، لو أن ميا خليفة محض أميركية أو أوروبية أو حتى أفريقية ويابانية، واسمها أو اسم عائلتها غربي أو أجنبي، كانت مرتبتها ستكون في الدرجة صفر من الشهرة في لبنان والشرق الأوسط، ولن تكون موضع اهتمام في التعليقات الفايسبوكية وبعض الكتابات "النسوية" والمقالات شبه السياسية، ولن تكون الأكثر مشاهدة ومتابعة في محرك البحث "غوغل"...
الأرجح ان ميا كانت تدرك ذلك، وتعرف أنها مجرد رقم أو اسم ضائع ومغمور، هناك الآلاف من أمثالها في النسيج الأميركي، حيث العري والبورن من الأمور العابرة في المجتمع والسينما والحياة، والاهتمام ليس بالإباحية والجنس والعري بحد ذاتهما، بل بقدرات من يقدمها وأهميته سواء في الميديا والغناء او هوليوود.
والضجيج حول ميا ليس لأنها صاحبة جسد خارق وتحمل لقباً جمالياً أو تمثل في أفضل الأفلام بل لمجرد أنها من أصول عربية - لبنانية وتمتلك بعضاً من أوهام الجسد الشرقي. من قبل، أشعلت المصرية علياء المهدي الشارع المصري بعريها، ومثلها فعلت أمينة التونسية، فضلاً عن إحدى الممثلات الايرانيات.. كن يستعملن عريهن كموقف سياسي و"نضالي" ضد الوضع القائم.
ميا - الجسد في موضع أكثر التباساً، ويرتبط بنمط الحياة الأميركية مباشرة، غادرت بيت أهلها بعد دخولها السن القانوني، امرأة عادية تحمل اسم عائلة عربية، غادرت لأنها تتبع نمط الحياة الأميركي، وأطلت بعد مدة امرأة سيلكونية باستدارات ومفاتن مضخمة وفاقعة وقد وشمت على يدها النشيد الوطني اللبناني، أعلنت أنها ممثلة بورن أو قريبة من نجمات الـ"بلاي بوي"، عادت لتوجيه صورها باتجاه أصولها اللبنانية والعربية، كأن فشلت في هواها الأميركي فعادت حاملة هذا "الهوى" المزين ببقايا أمور لبنانية كاسم العائلة و"كلنا للوطن". في البلدان الشرقية لم يعد جسد ميا مجرد جسد يمثل أو يطمح لتمثيل البورن، بل صار "الجسد الهوية"، مع ما تحمله هذه الكلمة من تداعيات تداعب مخيلة الشرقيين، بدءاً من الجنس نفسه مروراً بالتقاليد والعادات والعذرية والعفّة... ووسط جبل التقاليد الشرقية والاسلامية يمكن لفقاعة ميا الجنسية أن تثير الصخب والضوضاء والكلام الشتائمي والكلام والادعائي والسخرية.
الكلام حول ميا، يدل على حجم الحجاب والتحجب اللذين يسيطران على كل شيء في العالم العربي، والاندفاع في التعاطي مع "الجسد الشرقي" فيه شيء من الحمى والهذيان، وهذه ليست المرة الأولى التي تصل الأمور الى هذا المشهد الهذياني.
لنتذكر الحسناء نيكول بلان وفيلمها الشهير مع خطيبها. أظهر الجوع الى المشاهد الجنسية(العربية) التي تراود المخيلة الشرقية. نيكول بلان ما زالت حتى الآن مسار جدل ويستذكرها الشبان كأنها كانت تحفة اباحية، أو تحمل بصمة خاصة في الجنس لأنها من بنات جلدتنا. الأمر نفسه في فيلم الراقصة المصرية دينا مع زوجها أبو الفتوح. والفيلم الذي الذي نسب إلى هيفا وهبي، أو الفيلم المنسوب إلى راقصة اسمها لنانا.
حتى في صور العري هناك ما يشبه الهذيان في التلقي العربي للصور، المصورة الفوتوغرافية اللبنانية رشا كحيل (مقيمة في ألمانيا) التي نشرت أكثر من عشرين صورة لها على موقعها الالكتروني، وهي صور بدأت في نشرها العام 2008 ولم يكتشفها الإعلام اللبناني إلا العام 2014، وقيل ما قيل حولها سواء في "فايسبوك" أو في نشرات الأخبار. بدأ الضجيج، وأصبح النهد العاري المصور "ميديا" لوصول امرأة تحمل اسماً شرقياً إلى نشرات الأخبار اللبنانية والمواقع الإلكترونية والمجلات، ومعظمهم لم يتحدث عن صور رشا كحيل باعتبارها فنانة أو تقدم فناً من أنواع الفنون الفردية أو الذاتية، بل تحدث عن الصور باعتبارها لفتاة لبنانية "شرقية" تتعرى وتخرج عن السياق وتكسر المحرمات. وثمة من اعتبر عملها حرية شخصية وثمة من يدعو إلى محاكمتها.
وحين نشرت المتزلجة اللبنانية جاكي شمعون صورها عارية على الثلج في دورة الألعاب الأولمبية الشتوية "سوتشي 2014"، كانت أقوى من التفجيرات الانتحارية والاغتيالات السياسية. ثمة من قال ان ما فعلته المتزلجة أهان وجدان الأمة اللبنانية، وتكفي مراجعة وزير الشباب والرياضة في تلك المرحلة لتبيان الصورة، وتكفي مراجعة التعليقات حولها لاظهار مدى هذيان التلقي للعري.
لنقل إن ما تفعله ميا، حرية شخصية وهذا من البديهيات في الولايات المتحدة. لكن، في لبنان، مع موجتها، سنسمع الكثير من التحليلات والمواقف والخطب والكليشيات "النضالية" والاستعراضية، إضافة إلى تلك "الأخلاقية" المتزمتة. وسنقرأ الكثير من التنظير والوعظ والادعاءات. ومهما كان الكلام وحجم التعليقات، ستبقى ميا مجرد "قنبلة صوتية – بصرية" أظهرت انفعال بعض العرب وبعض اللبنانيين في تعاطيهم ثقافة الجسد.. على الطريقة الغربية.
يمكننا هنا استعادة ما قالته الباحثة المغربية فاطمة المرنيسي ذات مرة: "اعتاد الشرق أن يغطي نساءه، فيما اعتاد الغرب الكشف عنهن". ويبدو أن العري في العالم العربي والإسلامي لم يُفهم باعتباره يحمل جمالية للصور الفوتوغرافية أو الفن التشكيلي والسينمائي أو يتضمن موقفاً احتجاجياً. بل يُربط كل عريّ نسائي بالفجور والطيش والكفر والزندقة. وعلى هذا، لا عجب أن يكون عريّ امرأة، صاخباً إلى هذا الحد. ربما أكثر من المجازر والسجون السياسية والقمع. وميا خليفة، تجاوزت العري الى أمور أخرى، ستجعل بعض العرب، كما في الكثير من المرات، يقولون هذه هي "البنت اللبنانية"، وستجعل بعض اللبنانيين يقولون "هذه هي أحوال بناتنا اذ عشن في أميركا".. هي لعبة التكهنات ومآزق الهويات إذا بقيت في رؤوسنا. - See more at: http://www.almodon.com/culture/ca43970a-21a1-42c7-86a3-17f6e75c6c1a#sthash.vprUwU9A.dpuf
ليست هناك تعليقات