أحدث المنشورات

عبدالله خلف(*)| أزمة عرسال؛ نقطة البداية انسانية

خاص: الرومي
قال لي أحد المثقفين السوريين... قل لأهالي عرسال أن يقفلوا الحدود ويطالبوا بمساعدات دولية عاجلة! قلت لا! مستحيل! هؤلاء أهلنا من القلمون والقصير وجلّهم من العائلات الفقيرة وهذا تهجيرهم الثاني! فرد علي: وأهلكم مثل أهلهم في عرسال كلهم فقراء وسيكونون كما أنتم ضحايا تردد وتلكؤ وغياب المجتمعين العربي والدولي! إسمعني يا أخي! تركيا فعلتها! والأردن فعلها! وأيام وتبرد هذه القضية ويرحل الصحافيون الأجانب، ولن يساعدهم ويساعدكم بعدها أحد! قلت له عرسال لن تفعلها! هذا كان في آذار 2013، يوم سقطت يبرود والقلمون! وكان على حق، صديقي المثقف والمعارض السوري الذي يسمي أهل عرسال ببدو الجبال لعزتهم ونخوتهم وكرمهم .

المجتمع الدولي لا يتحرك إنسانياً إلا تحت سياط إعلامه! وقد شاهد العالم من خلاله هذا المأساة والأطفال والنساء يهربون عبر الجبال إلى وجهتهم الوحيدة الباقية ما وراء حدود بلادهم الدامية، لو فعلتها عرسال يومها ولو لساعات وفي ظل التغطية الإعلامية ومن كل الوسائل العربية والدولية في ذلك الوقت لكانت حالة عرسال ومشاكلها ومشاكل النازحين غير ما نراه اليوم!
في عرسال لا بنية تحتية لأهلها فكيف وأصبح عدد النازحين ثلاثة أضعاف مواطنيها! لا مستشفيات، لا ماء ولا كهرباء، مدينة محاصرة من كل الجهات لاحتضانها للشعب السوري وقضيته ولا تشبه بحالتها واقع وتوجهات كل محيطها!.

ماذا كانت ستخسر الدول العربية من إحتياطاتها الخيالية لو ساعدت عرسال وهيأت لها ووهبتها إمكانيات ومؤسسات قادرة على معالجة هذا الوضع الطارئ وقامت بحملة إغاثية عالمية على مستوى الحدث كما يحصل في حالات مشابهة، وكذلك أليس أمن المواطنين والنازحين من مهمات القوى الأمنية اللبنانية؟ فلماذا لم يتم وضع خطة كاملة وشاملة منذ البداية وبمساعدة دولية للتعامل مع الأوضاع المستجدة، مع أن الجميع كان يعرف أن إقامة النازحين ستطول وكل التوقعات كانت تشير إلى استحالة الحل في سوريا في الأمد المنظور!
وحتى في الفترة اللاحقة بعد هجوم المسلحين على عرسال واستباحتها وللتعويض عن غياب القوى الأمنية ومهماتها برعاية شؤون الأمن اليومي في المدينة، لماذا لم يتم تبني مبادرة طرحتها جهات مهتمة بالوضع اللبناني، تقضي بتفعيل الحرس البلدي في المدينة وزيادة عديده وتوسيع صلاحياته، ليكون على مستوى المتطلبات الأمنية الضرورية على أن يكون برعاية وزارة الداخلية وبقيادة ضباط متقاعدين من الأمن الداخلي ليتمكنوا من حفظ الأمن والنظام العام داخل المدينة، وحماية مصالح أهلها وفرض احترام القوانين على كل المقيمين مواطنين ونازحين.

غياب الدولة اللبنانية بمؤسساتها الإجتماعية والأمنية ومعارضة الحكومة بناء مخيمات نظامية يسهل التحكم بها أمنياً وإدارة شؤونها إغاثيا، فتح المجال وبحكم الواقع وحجم الكارثة لبناء مجمعات وشبه مخيمات عشوائية تفتقد إلى أدنى معايير حقوق الإنسان الحياتية والمعيشية وفي مناطق نائية خارجة عن أي سلطة، وكذلك غياب الجهات الدولية الفاعلة وعدم تبنيها موضوع النازحين كقضية إنسانية عاجلة وملحة وتوفير مساعدات ومراكز استقبال وإيواء واستشفاء ووسائل حماية، ومع وصول عدد كبير من اللاجئين، واجهت عرسال مشكلة أمنية إنسانية متعددة الأسباب ويصعب على دولة أن تتحمل تبعاتها، بعد أن تركت هذه المدينة لمصيرها وتم رمي كل الأعباء عليها بكل وقاحة وبمعرفة بحجم المصيبة والمأساة وخطورتها وتفاعلاتها الكارثية بالمستقبل .
وفي مقابل الغياب الرسمي، غابت المؤسسات المدنية للمعارضة السورية عن الإهتمام بمواطنيهم وتنظيم شؤونهم مما ترك المجال للفصائل المسلحة السورية بشكل مباشر أو غير مباشر أن تفرض سيطرتها عل بعض المخيمات وتمارس سلطتها عليهم وفي كثير من الأحيان جرت اعتقالات وتصفيات طالت حتى أبناء عرسال! إلى أن وصل الأمر إلى دخول عرسال وفتح معركة مع الجيش اللبناني ذهب ضحيتها عشرات الشهداء من العسكريين والمدنيين ووقوع عدد من افراد الجيش والدرك أسرى بيد المسلحين جرى ذبح بعضهم مما أدى إلى حصار المدينة وممارسة عمليات خطف وردود فعل انتقامية في منطقة البقاع الشمالي ضد أبناء عرسال وتحميلهم مسؤولية أعمال المسلحين وحملة إعلامية وسياسية  غير مسبوقة تستهدف عرسال وأهلها مع أنهم هم أكثر المتضررين من هذا الواقع المأساوي وهم من يدفع الثمن من أمنهم وسلامتهم ووسائل عيشهم وأرزاقهم.
بالإضافة إلى تدخل حزب الله في سوريا وخصوصاً وجوده  واحتلاله المناطق السورية الحدودية وهي التي يتحدر منها مجموع النازحين إلى عرسال وقصف طيران النظام المتواصل منذ بداية الثورة لمناطق عرسال وتهديد أمن وحياة المواطنين جعل من موضوع عرسال مشكلة كبيرة وشائكة أصبح حلها حاجة وضرورة وطنية عامة.
فعلى الحكومة ومع دعم وتعاطف المجتمع الدولي أن تتحمل مسؤولياتها بتنظيم أمور النازحين وتفعيل خطة أمنية تعيد لعرسال حياتها الطبيعية وعلى النازحين أيضا الإلتزام واحترام القوانين والنظام العام لما فيه مصلحة للجميع.

ما يحصل اليوم يدفع ثمنه الأبرياء من الجيش وعرسال وأهلها والهاربين من جحيم الحرب السورية.

(*) سياسي لبناني مقيم في فرنسا.

إرسال تعليق

أحدث أقدم
header ads
header ads
header ads