محمد حجيري(خاص: الرومي) ترددت كثيراً في الكتابة عن العملية الإنتحارية المزدوجة في مقهى عمران في جبل محسن، ربما لأنها باتت جزءا من مشهد وح...
محمد حجيري(خاص: الرومي)
ترددت كثيراً في الكتابة عن العملية الإنتحارية المزدوجة في مقهى عمران في جبل محسن، ربما لأنها باتت جزءا من مشهد وحشي أدمنا على أخباره اليومية، فقد شهد لبنان عشرات العمليات الانتحارية، وسوريا مئات العمليات والعراق آلاف العمليات منذ عام 2003، أكثر من 3500 عملية انتحارية، على ان أساليب الموت التي يصورها الدواعش جعلت كل شيء كأنه مجرد روتين.
مشهد التفجير كان صادماً مثل كل التفجيرات، والتنديد والاستنكار من الواجبات والبديهيات، والتبرؤ من الانتحاريين أيضاً من البديهيات، لكن صور منزل أحد انتحاريي مقهى عمران في جبل محسن، بل مشهد حي المنكوبين نفسه، كانا كافيان لاحداث صدمة في وعي من يتأمل من بعيد، صمة ربما اقوى من التفجيرات نفسها، فبيت عائلة احد الانتحاريين شبه العاري إلا من بعض الأثاث العتيق والبالي حتى من طلاء الجدران، يحمل عشرات التأويلات والتفسيرات. في ذلك البيت العاري، وحدها صورة أحد رؤساء الحكومات تلمع معلقة على جدار الغرفة، مشهد يبعث الحيرة القلق أيضا، ويطرح الكثير من الاسئلة حول معنى صور الرؤساء ومعنى اقتنائها في البيوت، هل هو الشعور بالفقد، أم الأمل بحلم معلق، أم قناعة الفقراء في الولاء؟
ربما اذ أخذنا القضية من منظور انسانوي اجتماعي، نسأل كيف يحتمل أصحاب المليارات في طرابلس أن يكون حي المنكوبين وغيره في احياء باب التبانة على هذه الحال من البؤس الفاحش؟ طرابلس التي تضم ابرز أصحاب المليارات الأكثر ثراء في لبنان، تضم أيضا الأماكن الأشد فقراً في لبنان. ما يفعل أصحاب المليارات بثرواتهم، أليس المال عبءً عليهم، كيف ينامون الليل وعلى بعد امتار من قصورهم يعيش آلاف الفقراء من مناصريهم؟
ليس الفقر أو البؤس حجة للجوء إلى العمليات الانتحارية، الأمور اعقد من ذلك بكثير، وأن يكون في الحي نفسة أو المنطقة تسعة انتحاريين، تصبح المسألة موضع سؤال، كأن هناك عدوى تصيب الشبان في هذا الحي، أو كأنهم يحاكون بعضهم في موتهم وانتحارهم، وهذه مسألة خطيرة. تسعة انتحاريين من حي واحد أو منطقة، هل هي لعنة الفقر أم شباب مغرر بهم يبحثون عن حياة يفتقدونها على الأرض.
ليس الفقر حجة ليكون الشباب "قربانا" للتنظيمات الارهابية لكن بالتأكيد له دوره الفعال في ابتكار تقنيات البؤس والموت. وارهابيو 11 ايلول، كان بينهم مهندسون وطلاب جامعات، ومع ذلك التحقوا أو جندوا في تنظيم القاعدة، شاركوا في "غزوة" 11 ايلول، وذهبوا الى حتفهم. ما يفعله الانتحاريون هو البلاء باميتاز.
الأرجح أن دراسة واقع الانتحاريين الارهابيين وسيرهم بأشكالها المختلفة تبين جزءا مهما من أسباب تقهقر المجتمع العربي، وجزءاً مهما من أسباب تخلفه. والمصيبة أن منطقة أفرزت 9 انتحاريين ولا أظن ان الدولة اللبنانية حركت ساكنا لمعرفة واقع هذا الحي والأسباب التي دفعت بالكثير من الشباب للذهاب نحو المجهول وبدفع البلد نحو المجهول، الارجح ان عمل الدولة بقي في اطار الروتين الأمني.
الانتحاري هو اعلى مراحل العبودية المرئية واللامرئية، هو نموذج من نماذج مجتمعاتنا التي تسيطر عليها ثقافة الفداء والحور العين والعبودية المختارة وصرخات لبيك وبروح بالدم. الانتحاري مرآة قصوى لبعض مجتمعات عربية اسلامية، ما زالت تنتحر بشكل جماعي، منذ تنامت فيها الحركات العنفوية والغيبية والعبودية المختارة، ومنذ بدأت تعيش "صدمة الحداثة"، ومنذ أن ارتهنت بعض تيارات الاسلام السياسي لأجهزة الاستخبارات.
ترددت كثيراً في الكتابة عن العملية الإنتحارية المزدوجة في مقهى عمران في جبل محسن، ربما لأنها باتت جزءا من مشهد وحشي أدمنا على أخباره اليومية، فقد شهد لبنان عشرات العمليات الانتحارية، وسوريا مئات العمليات والعراق آلاف العمليات منذ عام 2003، أكثر من 3500 عملية انتحارية، على ان أساليب الموت التي يصورها الدواعش جعلت كل شيء كأنه مجرد روتين.
مشهد التفجير كان صادماً مثل كل التفجيرات، والتنديد والاستنكار من الواجبات والبديهيات، والتبرؤ من الانتحاريين أيضاً من البديهيات، لكن صور منزل أحد انتحاريي مقهى عمران في جبل محسن، بل مشهد حي المنكوبين نفسه، كانا كافيان لاحداث صدمة في وعي من يتأمل من بعيد، صمة ربما اقوى من التفجيرات نفسها، فبيت عائلة احد الانتحاريين شبه العاري إلا من بعض الأثاث العتيق والبالي حتى من طلاء الجدران، يحمل عشرات التأويلات والتفسيرات. في ذلك البيت العاري، وحدها صورة أحد رؤساء الحكومات تلمع معلقة على جدار الغرفة، مشهد يبعث الحيرة القلق أيضا، ويطرح الكثير من الاسئلة حول معنى صور الرؤساء ومعنى اقتنائها في البيوت، هل هو الشعور بالفقد، أم الأمل بحلم معلق، أم قناعة الفقراء في الولاء؟
ربما اذ أخذنا القضية من منظور انسانوي اجتماعي، نسأل كيف يحتمل أصحاب المليارات في طرابلس أن يكون حي المنكوبين وغيره في احياء باب التبانة على هذه الحال من البؤس الفاحش؟ طرابلس التي تضم ابرز أصحاب المليارات الأكثر ثراء في لبنان، تضم أيضا الأماكن الأشد فقراً في لبنان. ما يفعل أصحاب المليارات بثرواتهم، أليس المال عبءً عليهم، كيف ينامون الليل وعلى بعد امتار من قصورهم يعيش آلاف الفقراء من مناصريهم؟
ليس الفقر أو البؤس حجة للجوء إلى العمليات الانتحارية، الأمور اعقد من ذلك بكثير، وأن يكون في الحي نفسة أو المنطقة تسعة انتحاريين، تصبح المسألة موضع سؤال، كأن هناك عدوى تصيب الشبان في هذا الحي، أو كأنهم يحاكون بعضهم في موتهم وانتحارهم، وهذه مسألة خطيرة. تسعة انتحاريين من حي واحد أو منطقة، هل هي لعنة الفقر أم شباب مغرر بهم يبحثون عن حياة يفتقدونها على الأرض.
ليس الفقر حجة ليكون الشباب "قربانا" للتنظيمات الارهابية لكن بالتأكيد له دوره الفعال في ابتكار تقنيات البؤس والموت. وارهابيو 11 ايلول، كان بينهم مهندسون وطلاب جامعات، ومع ذلك التحقوا أو جندوا في تنظيم القاعدة، شاركوا في "غزوة" 11 ايلول، وذهبوا الى حتفهم. ما يفعله الانتحاريون هو البلاء باميتاز.
الأرجح أن دراسة واقع الانتحاريين الارهابيين وسيرهم بأشكالها المختلفة تبين جزءا مهما من أسباب تقهقر المجتمع العربي، وجزءاً مهما من أسباب تخلفه. والمصيبة أن منطقة أفرزت 9 انتحاريين ولا أظن ان الدولة اللبنانية حركت ساكنا لمعرفة واقع هذا الحي والأسباب التي دفعت بالكثير من الشباب للذهاب نحو المجهول وبدفع البلد نحو المجهول، الارجح ان عمل الدولة بقي في اطار الروتين الأمني.
الانتحاري هو اعلى مراحل العبودية المرئية واللامرئية، هو نموذج من نماذج مجتمعاتنا التي تسيطر عليها ثقافة الفداء والحور العين والعبودية المختارة وصرخات لبيك وبروح بالدم. الانتحاري مرآة قصوى لبعض مجتمعات عربية اسلامية، ما زالت تنتحر بشكل جماعي، منذ تنامت فيها الحركات العنفوية والغيبية والعبودية المختارة، ومنذ بدأت تعيش "صدمة الحداثة"، ومنذ أن ارتهنت بعض تيارات الاسلام السياسي لأجهزة الاستخبارات.
ليست هناك تعليقات