Page Nav

HIDE

Grid

GRID_STYLE

اخبار عاجلة

latest

وماذا تبقى من ثورة يناير غير الدم؟!

الكل رابح ما عدا الثوار وماذا تبقى من ثورة يناير غير الدم؟!    القاهرة ـ حمدي رزق الذكريات الجميلة لا تعيش طويلاً في بعض الأحيان، تغ...

الكل رابح ما عدا الثوار
وماذا تبقى من ثورة يناير غير الدم؟!

  
القاهرة ـ حمدي رزق
الذكريات الجميلة لا تعيش طويلاً في بعض الأحيان، تغتالها أيد آثمة، لديها خبرات عجوز بالقنص والاغتنام، لذلك كان الجميع رابحين من «يناير» عدا من قاموا بها من الثوار ومن عموم هذا الشعب الذي خرجت منه ملايين رابطوا في ميدان التحرير بقلب العاصمة وميادين مركزية متعددة في أنحاء مصر، حتى أجبرت مبارك على الرحيل.

اختنق هذا الطفل، بقول بعض المغالين انه مات يوم ولد، أي يوم تنحي مبارك في 11 فبراير/ شباط 2011، باعتبار أن المجلس العسكري تولّى مقاليد السلطة الانتقالية، لكن المتعقلين يرونه لفظ أنفاسه الأخيرة باستفتاء مارس/ آذار المشؤوم، فمنذ ذلك اليوم (غزوة الصناديق) تشعبت الطرق وتفرعت السبل وحل الظلام على المستقبل.

الكثيرون لايزالون يتذكرون «أيام التحرير»، التي مضت وأخذت معها لحظات فريدة من تاريخ مصر لتلقي بها إلى ركن مجهول، فصارت ذكريات الميدان جزءا عزيزا مؤلما في قلوب البعض، لاسيما أن أهداف الثورة الحقيقية التي رفعتها خلال الـ18 يوما تبدو بعيدة عن الواقع حتى اليوم (عيش، حرية، عدالة اجتماعية، كرامة إنسانية)، فلا العيش، الحد الأدنى للحياة الكريمة، تحقق، ولا الحرية اكتملت بعد، ولا العدالة الاجتماعية تحققت، ولا الكرامة الإنسانية حفظت، سقطت شعارات كثيرة، سقطت أحلام كثيرة، سقطت دماء كثيرة، سقطت أقنعة كثيرة، سقط الكثير، ولكن هل يعني هذا أنه لم يبق شيء من ثورة يناير/ كانون الثاني؟

ثورة مضاعفة

يبدو أن البستاني الذي علم الدنيا غرس الزهور كان مصريا حقا كما قيل. فالمصريون نجحوا في استرداد مصائرهم من الدوامة الجهنمية في ثورتهم التصحيحية 30 يونيو /حزيران 2013، كان حكم الإخوان جعل ثورة يناير 2011 كتلة شائهة مريضة بحكمه الشائه المريض، حتى احتاجت الثورة الأولى إلى ثورة ثانية لتنقذها، أو على الأقل لتنقذ ما تبقى منها وتبني عليه. فصارت 25 يناير تكتب هكذا بفعل التصحيح 25/30 أو معكوسة حسبما يرى الكتاب انحيازاً لشطر من المعادلة.

تفتحت زهور جديدة، وأثبت المصريون أنهم قادرون، وحدهم، من دون بقية شعوب الربيع العربي، على الثورة بنجاح مرتين، ثورة على الثورة، ثورة مضاعفة، ثورة وثورة تصحيحية، قدرة عجيبة على اقتلاع الظلم مرتين بينهما أقل من عامين، والخلاص من استبداد مبارك (والتوريث والوريث) ومن استبداد مرسي (والمرشد وإخوانه) على السواء، واسترد الشعب دولته التي أسسها «محمد علي باشا» في العام 1805 كأول دولة مدنية حديثة متكاملة وقوية في الوطن العربي كله، ومع اختيارهم دستورهم الجديد ورئيسهم الجديد صاحب الشعبية عبد الفتاح السيسي اختاروا اعادة بناء دولتهم مجددا، دولة من حول جيش، جيش في عمق الدولة، هي دولة الجيش بامتياز، وبنيت بيوتها الطينية وأحلامها القومية على حصون الجيش. الفصل التعسفي بين الجيش والدولة، بين الجيش والشعب الذى يمده بفلذات اكباده تطوعا، لم يتجسد طويلا، سرعان ما استعاد الشعب شعار « الجيش والشعب أيد واحدة « تردد يوم 30 يونيو، صدى لصوت جامح قطع به صمت السكون في 25 يناير 2011، هتف الشباب « الجيش والشعب ايد واحدة».

تفتحت ورود أخرى وزهور جديدة في الحديقة إذاً، لم تبق جرداء كما توعد مبارك أو مرسي من قبل، قال الأول «الفوضى من بعدي» وقال الأخيرون «الدم من بعدنا» لكن إرادة المصريين تصر على صنع المحال، ثورة تصحح ثورة. ثورتان في عامين هذا ضرب من المحال لو كان هناك من يحلم بعد.

صوت الجماهير

هل يمكن لثورة شعبية أن تخبو أو تنطفئ أو تزول عنها الحياة؟

الثورات فعل استثنائي في حياة الشعوب، حين تنسد الطريق في نهايتها فلا يجد الشعب من منفذ إلا هدم هذا الجدار الذي ظهر في نهاية طريقها، هذا السد ليس سوى الحاكم الدكتاتور، ربما يكون فاسداً أيضاً. وصنف ثان من هؤلاء الدكتاتوريين ليس فاسداً لكنه يساعد على الفساد (مفسد بضم الميم). وصنف ثالث ليس فاسداً ولا مفسداً ولكنه دموي، وصنف رابع فاسد مفسد دموي مستبد يجمع كل خصال الحكم المستحق للسقوط أو للإسقاط. وكلاهما وارد حسب قوة الشعب، تلك القوة التي تتحدد على أسس يزعم جميع الأفرقاء السياسيين أنهم يعرفون تفاصيلها، ويزعمون كذبا: معنا القوة والأغلبية ونستطيع تحريك الشارع. لكن الحقيقة خلاف ذلك تماماً!

هذا هو درس الثورة المصرية تسجله في ربيعها الذى يحل في 25 يناير / كانون الثاني من كل عام، لا قوة تعلو فوق صوت الشعب، صوت الجماهير، «هو اللي بيصحي الاجيال«، صوت الجماهير هو انتفاض عزم الابطال. «هو اللي بيتكلم هو اللي بيتحكم.. هو البطل ورا كل نضال«. والكلمات للشاعر الغنائي حسين السيد وألحان موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب، وتغنى بصوت الجماهير في العام 1962 محمد عبد الوهاب، فايزه احمد، شاديه، فايده كامل، نجاة الصغيرة. وتجد الأغنية الخالدة، وتبرق تخطف الأنظار مع حلول الذكرى الرابعة لثورة 25 يناير / كانون 2011.. وكل عام 

بركان ثوري

معلوم أن المصريين ليسوا من الشعوب التي ألفت الثورة، بركانها الثوري في ميدان التحرير خامل لا ينشط إلا كل حين بإذن رب الأكوان. ثمة تركيبة شديدة الخصوصية لمصر وأهلها في «فلسفة الثورة». لا نقصد هنا استعارة عنوان الزعيم خالد الذكر جمال عبد الناصر لكتابه الأشهر، لكننا نقصد فلسفة ثورية جديدة تماما عن طابع المصريين الثوري. فلسفة تعدل وتبرمج من جديد العقل عندما يتصدى لإحصاء ما تبقى من ثورة 25 يناير 2011 وثورتها التصحيحية في 30 يونيو 2013، التجربة الثورية عند المصريين في هذا التاريخ تقول إن هؤلاء عادة لا ينزلون إلى الشوارع من تلقاء أنفسهم ليخلعوا الحاكم، ينتظرون غالبا تحرك جيشهم أولا، ويتحركون في أثره، وعلى هدى من خطواته، وعندهم يقين غريزي لا يضيعنا الجيش المصري أبدا.

ذلك أنه أقدم جيش في تاريخ البشر - وفقا لما قاله جميع المؤرخين المعنيين بالحضارة المصرية القديمة، جميعهم وليس معظمهم والذي انصهرت تركيبة المجتمع المصري في جميع مراحله التاريخية فأنتجته، هذا الجيش هو الذي خرج للخديوي توفيق (1881) وعلى رأسه «أحمد عرابي باشا» الفلاح المنتمي إلى مديرية الشرقية (محافظة الشرقية الآن. شرق دلتا النيل) ليقول للخديوي في ميدان عابدين، بقلب القاهرة أمام قصر عابدين أحد أشهر القصور الملكية في مصر:» لقد خلقنا الله أحرارا ولم يخلقنا تراثاً أو عقاراً ووالله لن يورث أو يستعبد هذا الشعب بعد اليوم..»، ثم لتعلو الثورة ويمسك (العرابيون)بالسلطة سنة مع بقاء توفيق في أعلى سدة الحكم، فيتآمر توفيق مع الاستعمار البريطاني ليحتل البلاد في العام التالي مباشرة.

وهذا الجيش هو الذي خرج في العام 1952 ليقود أهم ثورة في تاريخ مصر الحديث (23تموز / يوليو)، ولتبزغ من بين صفوفه قيادة تاريخية فريدة ومصرية الوجه واليد واللسان - لا تركية مثل سلالة محمد علي باشا - لتطيح هذه السلالة من الحكم - بعد نحو 150 عاما قضته فيه - وليظهر جمال عبد الناصر بكل ما يحمله اسمه من إيحاء وإلهام وطني ووقد للروح الثورية ولتخطو مصر معه خطوات كبيرة للأمام.

لم يأنف المصريون من أن ينبري عرابي للثورة وخرج مئات الآلاف منهم يناصرونه، ولم يأنفوا من زعامة عبد الناصر للثورة وأيدوه بعشرات الملايين، ولايزال الملايين منهم يعشقونه. إذن فالجيش المصري ليس من جيوش «جمهوريات الموز»، التي كانت تقود الانقلابات العسكرية المتتالية في أميركا اللاتينية. هو جيش شديد الخصوصية، من قلب الشعب المصري، والزعامة الكبرى لمصر في القرن العشرين - جمال عبد الناصر - هي ابنة هذا الجيش.

بهذه المعادلة، التي مهما أفضنا في تفاصيلها - وتفاصيلها ليست موضوع هذا التحليل خرج المصريون من القوالب النظرية التي وضعها فلاسفة الغرب والشرق عن «العسكريتاريا»، النخبة العسكرية الطامحة بجنون لا ينقطع إلى الحكم، و»قولبوا» قالبا خاصا بهم، يجعل الجيش في صميم الحياة اليومية إذا اقتضى الأمر، ويستدعيه في كبرى المعضلات إن حلت بالوطن معضلة. وهذه ثورة يناير 2011 التي تحل ذكراها الرابعة اليوم - الأحد - هي الثورة التي قام بها الشعب وساندها الجيش، وكأنها عملية تبادل أدوار أو رد جميل سابق، رد جميل من الجيش للشعب الذي التف حوله في ثورة 52 فرد الجيش الجميل مضاعفاً في ثورة 25، حتى الارقام تتبدل من 52 الى 25 دلالة على اللحمة التي تجعل «الجيش والشعب يداً واحدة»، بحسب الهتاف الشهير، مرة قام شعب بالثورة فأيده جيشه.

أسود وأحمر

السطور أعلاه طالت، وكان لا بد منها، فيما خصوم الجيش يتقولون عليه هذه الأيام، صحيح أنهم قليلون ومعزولون عن عموم المصريين - الذين يولون جيشهم حباً عميقاً فريداً واحتراماً نادراً - لكن هؤلاء الخصوم لا يفتأون يحرضون ويحاولون - عبثا - تخريب هذه العلاقة، كانوا دوما هكذا وهم الآن كذلك وسيظلون كذلك. فإن كنا اليوم نطرح السؤال: ماذا تبقى من ثورة يناير؟ فإننا لابد أن نعرج على ذكرى مؤازرة الجيش لطموحات الشعب في الإطاحة بمبارك ونظامه، مثلما أيد الجيش بعد ذلك - بعامين ونصف العام - ثورة (يونيو) 2013، التي أطاحت مرسي وطغمة «المحظورة» من الحكم.. في المشهد الثوري المصري الجيش حاضر، هذه واحدة. أما الثانية، فهي أن حضور الجيش لا يعني بالضرورة أن يكون ضامنا لاكتمال الثورة وتحقيق أهدافها، كان ناصر في الخمسينيات والستينيات مسؤولاً عن ثورة قام بها هو ورفاقه والجيش، أما «المجلس العسكري» الذي كان على رأسه المشير حسين طنطاوي حين اندلعت ثورة يناير فلم يكن «صانعا» للثورة ولا «ضامنا» لها، إلا من حيث الشكل، أي تأسيس الدولة على أسس يرغبها الشعب وتطلعت إليها الجموع الثائرة، وجرت في النهر - بهذا الشأن - مياه كثيرة، بعضها أسود وبعضها أحمر وبعضها رائق سلسبيل. فأما الأسود فهو الذي عاشه المصريون في سنة حكمهم فيها « الإخوان» بقيادة المعزول مرسي، وأما الأحمر فهي أيام صنعها تضارب القيادة الانتقالية - المجلس العسكري وحكوماته المتتالية - وقلق الثوار ومؤامرات الإخوان، فسقط من جراء هذا كله عشرات الشهداء في أواخر 2011 ومطلع 2012، ولم يعرف المصريون اللون الأبيض إلا بعد أن استردوا مقاليد الدولة مجددا بنجاح ثورتهم الشعبية المجيدة في 30 يونيو 2013، تلك التي توشك أن تكتمل بالاستحقاق النيابي في آذار - مارس القادم. من بين كل هذه التفاصيل يحق للمرء الذي أعمل عقله ووظف مداركه وخبراته ويعيش طوال عمره في مصر بين المصريين أن يتساءل: هل تبقى شيء من هذا الطوفان الهائل الذي غيّر وجه مصر في يناير 2011؟ أم أنه كان مثل حلم انتهى بكابوس الإخوان، الذي خنقه وحوله إلى منام بائس؟ أم من خنقه على وجه التحديد؟

دماء الشهداء

ربما تقتضي الإجابة عن هذين السؤالين أن نقف على حقيقة تقول: الحقائق المتصلة بثورة 25 يناير 2011- بعضها حلو وبعضها مر، فلأي من النصفين سوف ننتصر؟ أم أن علينا استعراضهما معا؟ ثمة طريقتان إذناً للإجابة لكون هناك نوعان من التساؤل. ليكن الحكم في الاختيار هنا قدرتنا على التفاؤل، وإنارة الطريق قدر المستطاع، أي أن نقول ما ضاع، ونقول ما تبقى سواء بسواء، لتكن إذن الطريقة الثانية.

فأما ما ضاع فلا ننكره.. ربما كان معروفاً للجميع أن ثمة أرواحاً أزهقت، لا نتكلم هنا عن شهداء الثورة أنفسهم، تلك التي امتدت أحداثها 18 يوما من 25 يناير إلى 11 فبراير 2011، لكننا نتحدث عن شهداء العام الانتقالي أو بتعبير أدق العام ونصف العام، فهو امتد حتى يونيو /حزيران 2012، الذي كتبت فيه نهاية هذا العصر وتولى الدكتور محمد مرسي رئيس جماعة الإخوان حكم مصر وهذه الأنهار تجري من تحته، هؤلاء الشهداء الذين سقطوا في أيام معلومات من تاريخ مصر الجاري، كتبت بالدماء القانية، وكأنه سلسال دم، أو أن الثورة تسربلت بالدماء، وهي التي بدت في ثياب بيضاء تسر الناظرين، تتوالى التواريخ الدموية التي لم تستحصل فيها الثورة على القصاص، من «مذبحة ماسبيرو» في أكتوبر/ تشرين الأول 2011-، والتي أثبتها بابا الأقباط البطريرك الأرثوذكسي تواضروس الثاني في حق الإخوان المسلمين، قال: بعد اكتمال العام الرابع من عمر ثورة يناير، فإن الإخوان استدرجوا الأقباط وقدموهم للموت، ثم «أحداث شارع محمد محمود» التي وقعت في وسط البلد في الشارع الذي يحمل اسم رئيس وزراء من العصر الملكي (قبل ثورة 52)، وتقع فيه بناية وزارة الداخلية المصرية التي ناصبتها الثورة العداء، وحاولوا اقتحامها في نوفمبر/ تشرين التالي 2011 فسقط من سقط شهيدا، فأحداث «مجلس الوزراء» التي وقعت في مكان غير بعيد عن أحداث محمد محمود (كلتاهما متاخم لميدان التحرير نهد الثورة ومستقرها) والأخيرة جرت في ديسمبر / كانون الأول 2011، وصولا إلى مجزرة «استاد بورسعيد» التي وقعت في الاستاد الرياضي في المدينة الشهيرة الباسلة في أول فبراير / شباط 2012، أزهقت أرواح في هذه الأحداث جميعا تقارب المئة والخمسين روحا، وظلت ملفاتها مغلقة، وحالاتها غامضة طوال الوقت، وتغاضى الإخوان الذين حكموا مصر عن تمحيصها وتفكيك مغاليقها وحلحلة ملفاتها، كانوا يعيشون نشوة الوصول إلى البرلمان والاستحواذ عليه لأول مرة في تاريخهم ويستعدون للانقضاض الكامل على السلطة وهدم الدولة تمهيدا لإنشاء دولتهم الدينية الخاصة.

كانوا في شغل عن الدماء وعن التحقيق فيها (يتاجرون بالدماء أي دماء ثورية أو أخوانية في جميع الأسواق الأوروبية والأميركية تلك الأيام. يتبضعون عطفاً دولياً، ورضاء ثورياً، ولكن الثوار لا ينسون من خان العهد. وأسهم الإخوان، عمدا مع سبق الاصرار والترصد، في محو الحقيقة، حتى «موقعة الجمل الشهيرة» غضوا الطرف عنها، وهم عليها شهود أثناء حكمهم، فصارت الشكوك في الإخوان حقيقة تتكشف مع الأيام بعد الثورة التصحيحية في 30 يونيو 2013.

لماذا؟ الشعب هو من ثار، ولحق الإخوان بطلائعه الثورية بعد تردد طال، وفتاوى صدرت بحرمة الخروج على الحاكم المسلم، الإخوان كانوا أصحاب المصلحة الوحيدة في ضرب تقدم الجيش الصفوف الثورية بناء على استدعاء من الشعب، المعادلة التي تمرسوا عليها منذ ثورة عرابي، عمدوا إلى ضرب الجيش ممثلا في دور المجلس العسكري في الدولة المصرية وتأليب الثوريين عليه، ليبقوا هم، وحدهم، الطرف المقبول من الآخرين، من الثوريين ومن السلطة العسكرية، سواء بسواء.

هذا عن الدم الأحمر في العلم المصري ثلاثي الألوان والنسر قائم عتيد، فأما اللون الأسود في أيام الثورة الينايرية، فتصطبغ به أيام أخرى من أيامها الحزينة، ففي آذار/ مارس 2011، عقد المجلس العسكري استفتاء مشؤوماً على مسار الفترة الانتقالية، كان يخير المصريين فيه على الموافقة على « البرلمان أولاً« أو ترتيبات بديلة، وكان الثوريون والنخبة المثقفة و»عقلاء القوم» يرون أن كتابة الدستور تأتي أولاً، وعنونوا كفاحهم بشعار «الدستور أولاً«، ثم تتوالى بعدها الانتخابات، سواء للبرلمان أو للرئاسة. وبتمام هذا الاستفتاء الذي خرج بنتيجة هائلة لمصلحة « البرلمان أولا»، دخلت الثورة مرحلتها الأصعب، وكمن يقول شعبوياً، خرجت من القتل إلى القنص، والقتل قد يكون عشوائيا أما القنص فبالضرورة مخطط له واحترافي. القنص، قنص السلطة هو الاتجاه الذي كان يخطه الإخوان، تمهيدا للانقضاض على السلطة، وباركه بعض غلاة الدعاة السلفيين ممن قالوا إن استفتاء مثل هذا بمثابة « غزوة» وسموها «غزوة الاستفتاء»، وتظاهروا في جمعة « قندهار « لأثبات حضور صاخب.

منذ ذك اليوم المشؤوم 18 اذار/ مارس 2011 انقسمت صفوف الثورة، وقام جدار بين المجلس العسكري وبين التيار المدني برمته والثوار على وجه الخصوص. بقيت جماعة الإخوان، التي كان أسمها تبدل من «المحظورة إلى المحظوظة» وحدها هي الطرف المقبول لدى الطرفين الآخرين. وظلت هذه اللعبة السقيمة سائدة طوال الحكم الانتقالي الذى أجهض الثورة كلية، أو تشوه حملها، ولم تتكشف الحقيقة إلا بسقوط السلطة برمتها في حجر الإخوان. وهذه أيام سوداء أخرى لا يطيقها بشر.

كيف قتل؟

أما ذكريات الـ18 يوماً التي اندلعت فيها الثورة ذاتها (بين 25 يناير و11 فبراير 2011)، فسرعان ما صارت مثل طفل جميل ولد فمات سريعا، لفظ أنفاسه ربما مقتولا. كيف قتل؟ الكل يعرف من قتله؟ الكل متورط.

قتله الثوريون أنفسهم حين عادوا « المجلس العسكري» بدلاً من أن يتحالفوا معه، ففتحوا الطريق بذلك للإخوان وغيرهم - من التيارات المعادية للثورة، أية ثورة، بطبيعتها - لكي تستقر لدى المجلس العسكري، وتصبح هي الأدنى له ولعموم المصريين (الأغلبية الصامتة) ممن خدعتهم - بعض الوقت كلمات الإخوان ومواقفهم المعسولة المكذوبة. وبدلاً من الاتحاد مع المجلس العسكري في مواجهة هذه التيارات ومواجهة النظام الأسبق - هناك الآن سابق هو نظام مرسي - اتحدت مع الإخوان والسلفيين وغيرهم من التيارات الإرهابية.

قتله كذلك - بالطبع - الإخوان الذين كانوا حتى اليوم الخامس من الثورة يتفاوضون ويتحاصصون مع النظام السابق، ويتبضعون الثورة، ويمارسون ألاعيب الشياطين للحصول على أكبر قطعة من « الكيكة « فيما لم تكن الكيكة نضجت بعد، فكانوا بذلك أول من التهمها وأول من لفظها أيضاً.

قتل الطفل الجميل أيضاً، ضحالة خبرة « المجلس العسكري» بالحكم، وابتعاده عن الثوريين، حتى سقط الحكم في يد الإخوان وأعوانهم.


نوافذ

ليست هناك تعليقات