أجرى الحوار: كريستوف أونو ـ ديت ـ بيو وتوماس ماهلر : "فلسفة الرغبة في الاسلام" عمل فكري جديد للمفكر الجزائري (بالفرنسية) مالك شبل هنا حوار معه حول كتابه هذا وحال العالم العربي اليوم:
- لماذا، في وقت متشنج، أقدمتم على نشر دراسة حول الإسلام في ضوء الحب، الجنس واللحم؟
* إن زمن النشر ليس هو زمن الوقت الراهن، حتى وإن كان ملاءما هذا العمل الذي أتيت على إنهائه في شهر يوليو وكما تمت التعبئة له وتوقعه من خلال الضجيج العالمي الذي عقب الفيلم المعادي للإسلام. ومادام الامر كذلك، فإذا ما تمكن كتابي من الإجابة فلن تكون سوى جزئية على الجنون الأهوج الذي سيطر على أبطاله في ذلك الحين، إن ذلك سيبرهن على فائدته.
- ألا يراودكم الخوف، كما تقول عبارة شائعة التداول في الوقت الراهن، في "صب الزيت على النار"؟
*إن عملي هو بيان عام من أجل الحياة. وبما أنه متواضع من حيث حجمه، فقد فهم بوصفه فلسفة للرغبة في الإسلام. فهو موثق ولايروم جرح أي احد .بالإضافة إلى ذلك، إذ بدفاعي لصالح "أنسنة" الممارسات الإسلامية، أتموضع جذريا إلى جانب السلم والتفكير. فهل يمنعني هذا مهما كان من أكون حرا ؟ لا، بالطبع. في زمن ما حيث كانت جنة الله، لن تكون للمستقبل، بل من أجل الوقت الحالي، والحال ذاته أيضا، اليوم بالنسبة لطبقة اجتماعية مسلمة، على الأقل. فإذا لم يتم إدراك هذا، فلن نتمكن من فهم البذخ الذي يعيش فيه أولئك الموسرون، في الخليج بخاصة، فهم يعيشون حياة باذخة، مع أنهار من الخمر، العسل واللبن، صحبة حوريات مطيعات مراففات لهم.
- على خلاف النصوص الدينية الكبرى، يعتبر القرآن كتاب لحم ودم، فهو "يبيح تارة ويمنع تارة أخرى"، كما تكتبون … لانستطيع تصديقكم إلا بمشقة، إلى حد كان يراودنا الإحساس بألا نرى سوى المحظورات. وقلما كنا نعثر على الأشياء المباحة…
*قلت مرارا بأن دينا ما، عقيدة ما أو نظام سلطة لايشتغل أبدا بدون جزء معتبر من المحظورات. ففي اليوم الذي يصبح فيه الإسلام مبيحا كليا، فلن يكون إسلاما أبدا. وكونه كذلك، فالقرآن ليس مجبرا ولا مبيحا. إنه يقدم أفقا للوعي، يغذي القلوب والنفوس. على المسلم استلهامه، وأن يترك جانبا الأحداث العارضة، الأشياء الثانوية، الموضوعات الخلافية.
-استلهام الإسلام، قلتم ؟ لكن هل هذا مسموح به ؟ لقد عهد لنا سلمان رشدي مؤخرا بما يلي: "ثمة نزاع دائم في الإسلام بين أولئك الذين يقولون بوجوب تأويل القرآن وأولئك الذين يقولون باستحالة ذلك. وللأسف، فإن الـ"نصيين" هم الذين انتصروا. ثم إننا لن نستطيع القول اليوم: "كان ذلك حقيقيا في القرن السابع، على أن ذلك لايمكن أن يطبق في القرن الواحد والعشرين". تلك هي مشكلة العالم الإسلامي: فإذا لم تقدروا على إعادة تأويل كتابكم، ستشل حركتكم في الماضي. "هل تعتقدون، أن مسلما ما يكتفي بـ" استلهام القرآن؟
لو حدث أن معاينة ما قد تم إثباتها، فإن ذلك سيعني أن لا أمل. إن أي مجتمع والحالة هذه، لا يمكنه الاستغناء عن إرادة تجاوزه الخاص. فلا أحد بإمكانه تصور شباب مجرد من السلاح استطاع طرد طغاة ثلاثة في ظرف سنة واحدة : بن علي، مبارك واليمني صالح. تعتبر الثورة دورة قوية تكون لها القدرة في كل حين على كنس أنظمة كان يفترض أنها راسخة. ومن أجل العودة إلى القرآن، فلا يمر يوم دون أن تحركنا الحاجة القصوى لتأويله، لفهم معناه وقيمته ثم تحليل تكييف فرضياته في العالم الذي يحيط بنا.
-هناك 23 آية على الأقل تستحضر في القرآن "قطرة المني" أو "ماء دافق أو مقذوف". ماذا يعني استحواذ السائل المنوي هذا؟

-في حين أن اللاهوت المسيحي يستهجن الشهوة، تقدمون تفسيرا بأن الإسلام لايحرم الرغبة الجنسية. مرة أخرى، فإنه ليست الرسالة التي نتلقاها من العالم الإسلامي…
*إنه في اليوم الذي سنشاهد فيه العالم الإسلامي بمعزل عن العنف الذي يعانيه والخوف الذي يثيره، نكتشف عددا هائلا من الجوانب المبهجة والحرة دون أن تكون فاجرة. لم يسبق لي أن قرأت في أي نص عربي، ولا في الحديث النبوي (كلام الرسول) بأن الشهوة الجنسية أو المتعة اعتبرت سيئة.
-عند قراءتكم، على الأرض كما في الجنة مع الحوريات، فإن الذكر هو المستفيد الأكبر من هذا النظام الديني. فكيف بنا بعد هذا، أن نرى الإسلام لا يضطهد النساء؟
* يعتبر الإسلام مثل كل الديانات التوحيدية، منافحا عن الرجل. نطق به أول بواسطة الرجل، ثم إنه غالبا ما يكون لصالح الرجل. يبقى على المرأة أن تجد لها مكانا. وبالفعل، فها هنا توجد ورشة للمستقبل في الإسلام، وهو ما شرعت بعض النساء في استيعابه. لكن عليهن القبول بصرامة المواجهة مع نصوص الشريعة التي تعود إلى قرون عدة، ثم إن الرجال لن يتنازلوا لهن عن موقع تلقائيا. لاسيما أن الإماموية ) L imamo-oui-ouisme ( تكمن في ترديد أكبر عدد من المحظورات الدينية بلا كلل، دون العمل على فحص ملاءمتها بصفة دائمة. فهاهنا توجد طريقة مقبولة للحفاظ على السلطة بين أيديهن. أمام المرأة المسلمة عمل كثير"!
- وماذا عن المتعة الأنثوية؟ "يشبع الرجل لذته، غير أن المرأة تقوم بدور سلطة، "مراقبة "لانفعالاته"، كما كتبتم… ماذا يعني هذا، في الواقع الملموس؟
*لكن ليس القرآن، إنهم بالتحديد لاهوتيو العصر الوسيط من قننوا المتعة. فكما أنني ضد الإعدام بالحرق والرقابة، ثم إنهم لا يستطيعون منع تداول أعمالهم في المكتبات، فإني أدينهم. بالنسبة للرغبة الأنثوية، مثل الطريقة التي على المرأة التعبير عنها في إطار علاقة جسدية، فإن ذلك يفوق من بعيد كل الممنوعات.
- أنتم أول من ذكر بأن القرآن لا يلح على ارتداء الحجاب. بماذا تجيبون النساء اللواتي يعتبرن أنفسهن منبوذات من طرف الجمهورية لكونهن محجبات؟
آيتان قرآنيتان تستحضران مسألة الحجاب وحتى هاتان الآيتان فإنهما ليستا واضحتين: بالتأكيد، فإن الرسول سئل من قبل النساء حول مسألة حجبهن، غير أن العديد من المفكرين المسلمين يؤولون الآية القرآنية موضوع السؤال على أنها تتوجه فقط إلى نساء الرسول. لكن بعض الرجال لكونهم حساسين جدا تجاه السفور المتعلق بنسائهم، فقد تم تعميم الحجاب ثم البرقع ترضية لمصالحهم الخاصة. فإذا تم غض النظر عن الغيرة الذكورية، فإن كل البراهين المذهبية التي تناضل من أجل الحجاب تسقط من تلقاء نفسها. يتعلق الرجل بالأوهام بحبس زوجته في لباس كارثي، بدلا من إعطائها معنى تمييز نقدي وتربية على الحرية. فحتى متابعة التأويل المحافظ، الذي يعتبر بطريقة مثالية أنه ينبغي على كل المسلمات أن يرتدين الحجاب، لماذا يتوجب أن يكون ذلك الحجاب أسود؟ هل أمر الله باللون ايضا؟ باختصار، فمن بين كل الأحجبة الممكنة، الحجاب المغربي، الجزائري، التونسي، إلخ .، لماذا وحدهما، الحجاب اليمني وحجاب المملكةالعربية السعودية، ولاسيما الحجاب الشيعي، هما اللذان انتصرا ؟ يلاحظ جيدا أن ثمة مادة للنقاش…
- تدافعون بلا كلل عن "إسلام أنواري". غير أن القرآن، ملقح بثقافة بدوية مشيدة على تعدد الزوجات، هيمنة الذكر أو عذرية زوجة المستقبل، ألا يعتبر من حيث الجوهر محافظا؟
هذا ما يفيد في أن بعض العقديين يرغبون في الحفاظ عليه كما هو، واعتبار أن تعدد الزوجات، عقوبة الرجم، هي قيم إسلامية ثابتة إلى الأبد. لحسن الحظ، فإن عددا كبيرا من المسلمين يعتقدون عكس ذلك ويعيشون بعيدا جدا عن تلك الإدعاءات. اقتنعت بأن الإسلام ليس متطابقا مع الحداثة فقط، لكنه قادر أيضا على الرقي بها، على شرط بالطبع أن يتوفر المفكرون، العلماء، الباحثون والمسلمون ذوو الإيمان القوي على وسائل إضاءته ولا يخشون أي فتوى مشؤومة صادرة عن لاهوتي فقير المعرفة. وهو العمل التربوي والإعلامي الذي أباشره منذ سنوات …
- هل تشعرون بأنكم مسموعون؟ ألستم مهمشين؟ أو في غاية الجنون؟
* أبدا، إن مجموع العالم الإسلامي يخشى الرجوع الى الوراء الذي ترغب بعض الجماعات الإسلامية. ثقوا بي حقا بأن المسلمين الأصوليين يفضلون تدمير التماثيل السابقة على الإسلام والأضرحة المتواجدة في الصحراء بدلا من زيارتها، ثم تأمل الأسباب التي سمحت بتشييدها هناك وليس في مكان آخر؟ ليس إسلام الأنوار خاصا بي، فهو ينتمي إلى كل المسلمين المخلصين، في كل الأحوال أولئك الذين يعيشون في السلم وليس في ظل الصراع الدائم هم مسلمو أنوار، لأنهم يفضلون الروحانية على الإيديولوجيا، لاسيما إيديولوجيا الموت التي تنشرها من حولهم بعض الجماعات الكارثية.
-ما عداكم، للأسف، نادرا ما نسمع إدانة العالم الإسلامي لهذا الـ"تراجع" أو جعله جزءا من "رعبـ" ـه…
*لو كان الصمت أحيانا معبرا، فلن يظل أقل تعبيرا. غير أن الكتب موجودة، الباحثون موجودون ومنشغلون، ثم إن المسلمين، عبر مزاجهم السمح، لايعتقدون أقل من ذلك. فهم يعولون على الوقت من أجل تهدئة أقوى الانفعالات ثم العودة بحكمتهم وبهزئهم على ما هو مشترك بينهم، العودة إلى العالم الذي لن يفكروا لحظة في التخلي عنه. فأنا أثق بهم. فلاتفزعوا’! .
عن مجلة ‘لوبوان’ الفرنسية :Le Point 11 -10-2012
ترجمة: الحسن علاج