
ومجموعة المعرض من اعمال بيكاسو تقتصر على مراحله الفنية الاولى، مرحلة الأزرق والزهر، والتكعيبية واعمال الخمسينات. والمجموعة هذه قليلة العدد. ولكن سياسة التبادل مع مؤسسات أخرى مثل متحف الفن المعاصر الوطني، تغني المعرض بأعمال بارزة مثل «لو بورتريه دي غوستاف كوكيو» (رسم غوستاف كوكيو) أو «لو نو» (العاري) في 1905. ومنذ 1985، أفلح المتحف في جمع اعمال بيكاسو من مراحل أعماله المختلفة، وتلك الأثيرة على قلبه تحديداً. فالفنان لم يكن يحتمل البعد عن أعماله والانفصال عنها وقطع حبل السرة التي تربطه بها. فهي علامات عمله وشاراته. ومتحف بيكاسو يسعى الى جسر الانقطاع او الانفصال بين بيكاسو وأعماله: فيسلط الضوء على اختياراته وأفكار عمله، ويبرز الاعمال التي لم يرغب في بيعها.
ويعرض المتحف مجموعة بيكاسو الشخصية التي احتفظ بها. وفي توزيع الاعمال يعرضها في مقابل تعليقات بيكاسو عليها. وينسج المعرض روابط بين لوحاته ومنحوتاته ورسومه وأعماله والملصقات الورقية ونقوشه. وبعض اعمال بيكاسو تحمل كل أفكاره في مرحلة من المراحل، ومنحوتة «رأس فرناند» هي واحدة من هذه الاعمال. والمتحف يخصص زاوية واسعة لمحترفات الفنان الاسباني ويبرز الصور التي التقطها. فهي تحمل رؤيته الى عمله. وعلى صورة ذاتية رسمها في 1901، كتب بالاسبانية «الجدران الأكثر صفاقة تتداعى حين أمرُّ: أنظر!». والرسم الذاتي هذا رسمه في مرحلة كان يلتزم اسلوب الرسم فوق الرسم أو الرسم فوق طبقة رسم أخرى. وحين رسم الصورة الذاتية هذه كانت لحية قصيرة وصغيرة تزين ذقنه، وكان يعتمر قبعة مرتفعة الطول: هو يظهر في الرسم مستنداً الى جدار من صور غير مكتملة وفي طور الانجاز. وكل من الصور هذه تخرج من اطارها المحدد، وبعضها مقطوع الى النصف. وهذا التوليف يؤذن بأعماله المقبلة: الملصقات. وثمة صور التقطت في هورتا دي إيبرو تظهر بدايات تجربة بيكاسو مع التكعيبية. فيقع المرء على رسوم توحي لناظرها بأنها ثنائية الابعاد: فهي متجاورة ومتتالية وملصقة فوق رسم واحد. فالصورة هي مختبر بيكاسو وجسره الى التفكير في الرسم وأداته.
ويرجح ان يقع تخصيص قسم للفن الشعبي (بوب) في متحف بيكاسو وقع المفاجأة على المؤرخين والمراقبين. ولطالما استوقفني الطابع «البروتو-بوب» (حركة فنية تستوحي الدادائية وتبرز اشياء عادية على وقع مؤثرات مشهدية) في اعمال الفنان الاسباني هذا. وانضم بيكاسو الى الحزب الشيوعي الفرنسي في 1944، وصار رساماً – عاملاً على نحو ما يقال كاهن – عامل. وحينها كان يعيش في كوت دازور في فيللوري حيث لم يندثر إرث صناعة السيراميك الحرفي. ودرج كل يوم صباحاًَ على قصد محترف صناعة السيراميك على نحو ما يذهب العامل الى المصنع. وأقبل على حفر رسوم على خشبة من مادة لينوليوم. وكأن اقباله على الحرف يرجح مكانتها، ويقربها الى الفهم. وعمله هذا هو مشروع سياسي. وكان يلتقط كل ما يجده في الطريق، ويتمسك بشاعرية الحياة اليومية، ويبتكر عالماً من نتاف العالم اليومي. ولذا، اصف اعمال بيكاسو بـ «البوب». فهي تستبطن الثقافة الشعبية واليومية.
* مديرة متحف بيكاسو، عن «لوموند» الفرنسية، 24/10/2014، إعداد منال نحاس